شبكة ذي قار
عـاجـل










بعض مظلوميتنا

الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس/ أكاديمي عربي من العراق

 

تجسدت وبرزت مظلومياتنا للعيان أكثر من ذي قبلنا بعد غزو العراق واحتلاله، ذلك لأن الظلم والعدوان والدمار قد نفذ وطال كل أمتنا العربية دونما استثناء، ولو بدرجات متفاوتة. وأعظم مظلومية وقعنا في أتونها هي غربتنا في أوطاننا، فغربة المهاجرين واللاجئين أقل وطأة من غربة أهل الديار وهم في ديارهم يعيشون بؤساً لا يعيشه حتى متسولو أميركا والغرب.

غربة الإنسان العربي في دياره مركبة شائكة معقدة حيث لا يمتلك داراً ولا حق التعليم ولا حق التطبيب ولا حق السفر ولا أي حق في أي من حقوق الإنسان، ونحن نعرف بديهياً أن الوطن قد وجد ليعيش الإنسان فيه متصالحاً مع نفسه متمكناً من أبسط معاني الأمن والأمان.

ومن بين مظاهر مظلوميتنا أننا نُحكم من الأجنبي برضى بعضنا وبفوائد متحققة لهؤلاء البعض، منها حق قتل الشعب وحق نهب أمواله وحق خداعه، وكل هذا لأن هؤلاء البعض ممن تسلطوا على رقابنا هم محميون من واضعي دساتير وقوانين وشرائع حقوق الإنسان في واشنطن ولندن وباريس مثلاً.

نحن العرب نعيش تحت حراب أخطر ازدواج وقع به الغرب وهو ازدواج اختياري وليس اجحافي، لأن الغرب كما يبدو قد وضع مفاهيم حقوق الإنسان لكي يتسلى باختراقها ضد العرب.

نحن مظلومون لأن جُل ما نلبسه مستورد، وجل ما نأكله مطفر وراثياً في مختبرات الأجنبي، ولأننا نستخدم الكومبيوتر والانترنيت والهاتف النقال ونحن لا نجيد أبسط مقومات اشتغالها ولا أبسط مكونات ومهارات وتكنولوجيات تصنيعها.

معظمنا قد يموت لحاجته حبة أسبرين أو كيلو سكر أو عربه تنقله إلى المستشفى أو عيادة طبيب عندما ينجلط رأسه أو قلبه.

نحن نعاني من طريقة استلام مرتباتنا ومعاشاتنا التقاعدية إن وجدت، وحين نقترن نعيش فاقة العواطف وصدق المشاعر وعدم أمان الخيمة أو الكوخ أو البيت المهدد بالسقوط.

تقدمنا خطوتين في التعليم فرجعنا ألف خطوة بفعل فاعلين مسلحين بقوة أمريكا الطاغية الغاشمة وبهذه القوة أيضاً تهدمت مصانعنا التي تجرأنا وبنيناها، ومشافينا ومدارسنا، وخربت أمريكا جسورنا وطرقنا المعبدة، وجيشت علينا الجيوش لتفسد حياتنا الاجتماعية وتخرب طوائفنا ومذاهبنا وأدياننا لكي تضمن خراب ما عمرناه في لحظة صحوة ولكي تجعل من أية صحوة مصيبة.

مظلوميتنا الأعظم أيضا أننا نساهم بقوة وجدارة ومهارة في ظلم بعضنا البعض كما تفعل وحوش الغاب مصداقاً لقوله تعالى: " وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ".

والمفارقة أن من يظلموننا من أبناء جلدتنا يحفظون آيات القرآن وصفحات الإنجيل والتوراة، وبها يبررون قسوتهم ووحشيتهم وأنانيتهم ونرجسيتهم، بل بها يقوون أنيابهم التي تمزق لحمنا وتخترق صدورنا.

ورغم أن مظلومياتنا لا تعد ولا تحصى غير أن أبشعها وأقواها هو أن نركن للظلم ونقبل بالعدوان ونستسلم لإرادة غيرنا لأننا إن لم نفعل سيكون جاهزاً وصفنا "إرهابيون". لذلك لا حل لمواجهة كل ذلك إلا بثورة على الذات أولاً ، ثم ثورة على هذا الواقع المؤلم ، والأوطان لا يحررها ويبنيها إلا أبناءها.






الثلاثاء ٧ ربيع الثاني ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / تشرين الثاني / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة