شبكة ذي قار
عـاجـل










دور الوضع الاقتصادي المتردي في زيادة فرص النجاح للحراك الإيراني

أ.د. مؤيد المحمودي

 

 

ذكرنا في مقالة سابقة أن الوقت يعمل لصالح الانتفاضة الإيرانية وليس لصالح نظام الملالي القمعي. وتأكيداً على تلك التوقعات، توشك هذه الانتفاضة أن تدخل منتصف أسبوعها الرابع والبركان الشعبي لازال في أوج نشاطه الاحتجاجي دون تمكن النظام الهمجي في طهران من احتوائه، غلى عكس مما يدعيه من أكاذيب جوفاء حول تحقيقه مثل هذه الغاية. 

إن صمود الانتفاضة إلى هذه الفترة هو بحد ذاته حالة متميزة عن الانتفاضات التي سبقتها. ناهيك عن أن هذا الصمود قد أدى إلى استنزاف بعض الأجهزة القمعية لعدم تمكنها من التعامل مع الأعداد الكبيرة من المحتجين الذين يتوزعون على العشرات من المدن الإيرانية المنتفضة. وقد جاءت بوادر هذا الاستنزاف واضحة على لسان وزارة الداخلية الإيرانية التي اعترفت صراحة بعجزها عن قمع المتظاهرين.

 ويعتبر انتقال الحراك الشعبي إلى مرحلة الاستنزاف لأجهزة النظام هو تطور مهم في كسب المطاولة على الصراع مع حكومة الملالي. إذ من المؤمل أن يؤدي استمرار هذا الاستنزاف مع الوقت إلى زيادة الضغط على منظومة الحكم الفاقدة للشعبية مما يعجل في تفككها. فالاستنزاف الطويل يمكن أن يشجع على حصول بعض الانشقاقات في صفوف القوى الأمنية، خاصة بين أفراد الجيش والشرطة الذين لا يرتبطون عقائدياً بمنهج النظام المتطرف مثل الحرس الثوري. وهناك أنباء وردت مؤخراً تتحدث عن ظهور حالات من التململ بين بعض أفراد الجيش الذين يقدر عددهم ب 450 ألف عسكري، فضلاً عن حصول حالات لانضمام الشرطة مع المتظاهرين في بعض المدن الإيرانية المحتجة.

وفي تطور مهم آخر لصالح الانتفاضة هو انضمام عمال النفط والبتروكيمياويات إلى الإضراب تحت شعار الموت للدكتاتور، فيما انتقلت الاضطرابات أيضاً إلى منطقة البازار وهو من أهم الأسواق التجارية في إيران. كلها مؤشرات توحي بأن النظام الإيراني الحالي بدأ يتداعى ويضعف، لا سيما وأن هذه الشرائح المنتجة في المجتمع كان لها دوراً فعالاً في اسقاط نظام شاه إيران خلال ما سُميَ بالثورة الإسلامية عام 1979.

إن وصول الانتفاضة الإيرانية إلى هذه  المرحلة المتقدمة  في صراعها مع نظام الملالي دفعت الرئيسة المنتخبة للمقاومة الإيرانية مريم رجوي  إلى الإعلان بكل تفاؤل "لا يمكن احتواء الانتفاضة التي انتشرت في مئات المدن الإيرانية بالقمع الوحشي وقطع الإنترنت، ومن المستحيل عودة الأوضاع في إيران إلى ما كانت عليه قبل  تلك الانتفاضة  التي أعقبت مقتل همسا اميني على أيدي قوات نظام الملالي". فقد تلقى هذا النظام  ضربات موجعة  من تعاظم نشاط الحراك الشعبي الإيراني تركته في حالة يرثى لها من الاحباط والتخبط. وكان من نتائج هذه الضربات التي تلقاها النظام هو تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد الذي يعاني أصلاً من أزمات حادة متكررة نتيجة للسنوات المريرة التي أعقبت حكم الملالي في طهران. وهذه السياسة الاقتصادية الفاشلة قد تركت ّ نحو 40 مليون شخص في إيران (أي ما يعادل نصف السكان تقريبًا) يعيشون تحت خط الفقر، ويوجد ما بين 10 و16 مليون شخص يقطنون في مساكن غير مسجلة، كما ارتفع عدد سكان الأحياء الفقيرة 17 مرة. وقد أدت العقوبات الأميركية وسياسات الإغلاق التي اضطرت إليها الحكومة لاحتواء انتشار وباء كورونا إلى خفض الناتج الإجمالي القومي إلى النصف؛ والذي هبط من 450 مليار دولار عام 2019 إلى نحو 200 مليار عام 2021 بحسب بيانات البنك الدولي. ونتيجة لارتفاع أسعار السلع الأساسية على المستوى العالمي بعد الحرب في أوكرانيا بلغ مستوى التضخم في إيران نحو 50 في المئة، وانخفض سعر صرف العملة الوطنية إلى مستوى غير مسبوق مقابل الدولار الأميركي. ففي أيار 2012، كان سعر الصرف في السوق الإيراني نحو 15750 ريالاً للدولار الأميركي تراجع في تشرين الأول 2020 إلى 300000 ريال للدولار (أي خسر الريال حوالي 80 % من قيمته الأصلية). وهذا الانخفاض في سعر العملة الوطنية يجبر نظام طهران على دفع عملات أجنبية أكثر من أجل شراء احتياجاته للمواد المستوردة من الخارج.

 يضاف إلى ذلك تكلفة الأنشطة الخارجية التي تقوم بها إيران من أجل زعزعة الأنظمة الأخرى والتي يقدرها مسؤولون أمريكيون بحوالي 7  مليارات دولار سنوياً،  معظمها تصرف على دعم النظام السوري وتمويل مختلف الجماعات الإرهابية.  ما عدى نفقات أخرى تصل إلى ملياري دولار تصرف في مجال الأنشطة الصاروخية والنووية و 12 مليار دولار تستخدم للنفقات العسكرية، التي لن تكون هناك حاجة إلى الكثير منها إذا كان النظام أقل عدوانية.

كما أن  فساد النظام المصرفي الإيراني أدى إلى ظهور مؤسسات احتيالية  تستحوذ حالياً على نحو 25 في المائة من سوق المال. وترتبط العديد من هذه المؤسسات الائتمانية المُقرضة بالحرس الثوري الإيراني أو برجال دين بارزين، وهي تدفع أسعار فائدة مرتفعة على الودائع وتفرض أسعار فائدة فاحشة على القروض، يصل بعضها إلى 35 في المائة. وقد مُنيت العديد من تلك المؤسسات بالخسارة مؤخراً في ظل افتقار إيران إلى أي نظام تأمين على الودائع.  وهذه الخسائر المالية الفادحة تركت حياة نحو أربعة مليون إيراني معرّضة للدمار الكامل جرّاء تلك الأزمة المالية، علماً بأن وضع المصارف ليس أفضل بكثير من حال تلك المؤسسات الائتمانية.

وكان وصول إبراهيم رئيسي إلى سدة الحكم بدعم كبير من خامنئي قد شابه الكثير من الشكوك، مما دفعه إلى تبنّي سياسة داخلية تقرّبه من الشارع الإيراني في محاولة منه للتغطية على تلك الشكوك التي أحاطت بشرعية انتخابه. لذا استهل رئيسي حكمه بطرح برنامج يدعي فيه العمل على مكافحة الفساد وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لملايين الإيرانيين الذين طحنتهم الأزمات الاقتصادية المتكررة. ولكن على العكس مما وعد به رئيسي، فقد ازدادت خلال العام الأخير نسب الفقر في إيران وانكمشت الطبقة الوسطى، في حين استمرت برامج الخصخصة التي انتهجتها الحكومات السابقة، رغماً عن شعارات العدالة الاجتماعية التي رفعها رئيسي. وهذا بدوره جعل سياسات الخصخصة تجري على حساب مشاريع محاربة الفقر التي وعد بها. بينما تضاعفت في عهده القيود على الحريات الشخصية التي يفرضها اليمين المحافظ؛ فتنامى دور شرطة الأخلاق وتزايدت القيود على الحريات العامة والفردية، خاصة تلك المتعلقة بالمرأة.

وقد أدى تفاقم هذا الوضع الاقتصادي إلى تذمر واضح في أحوال صفوف الطبقة الوسطى والفقراء الذين خرجوا إلى الشوارع في الحراك الحالي معترضين على سياسة النظام، بعد شعورهم بأنه لم يبقَ لديهم ما يخسرون، كما انضم إليهم فئة الشباب العاطلين عن العمل التي تمثل حوالي 12% من القوى العاملة (وفقاً لصندوق النقد الدولي)، نتيجة لعجز القطاعان الرسمي وشبه الرسمي من استيعاب  هؤلاء الشباب وأغلبهم من حملة الشهادات.

 كذلك كان للمرأة الإيرانية دور كبير في اشعال شرارة هذا الحراك بسبب القيود المشددة التي وضعها النظام على حريتها الشخصية، والتي كان من نتائجها فقدان الشابة همسا اميني لحياتها بسبب التعذيب الذي تعرضت له على يد شرطة الأخلاق.






الاربعاء ١٦ ربيع الاول ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / تشرين الاول / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة