شبكة ذي قار
عـاجـل










أيها العرب إياكم أن تتوهموا !

مصطفى كامل

 

من المعروف أنه من بين أهم الأسلحة التي تستخدم ضد الشعوب إشاعة البيئة الثقافية السلبية والأوهام التي من شأنها هدّ إرادة تلك الشعوب بهدف تركيعها والقضاء على كل أمل لها في تحقيق أهدافها في التحرير والنهضة.  ومن بين تلك الأفكار والأوهام التي يتعيّن علينا فضح مروّجيها عن قصد، ومحاصرة من يروّجها  عن جهل، ومحاربتها، هي الفكرة القائلة بأن ما يحدث الآن من هوانٍ وتردٍّ واستسلامٍ للعدو الصهيوني وأدواته هو أمرٌ جديدٌ وحدثٌ راهنٌ فحسب، مرتبط بظروف معينة، حالية، يمرّ بها العرب وأنظمتهم الرسمية. وكأن هذه المسيرة منقطعة الجذور عن كل ما سبقها من مسار طويل سواءً من التحديات الشرسة التي واجهتها وتواجهها الأمة العربية من أعدائها الذين يستهدفون وجودها وهويتها ووحدتها ونهضتها من جهة، أو أنها منقطعة عما سبقها من ممارسات البعض في درب الهوان والتنازلات المهينة والقرارات الاستراتيجية الخاطئة.

فإياكم، أيها العرب، أن تتوهموا أن مسيرة الضعف والتردي في الواقع العربي بدأت اليوم، أو أنها وليدة ظروف الهزائم الراهنة.

لقد بدأت هذه المسيرة البائسة عندما أسموا العدو الصهيوني بالعدو الإسرائيلي. وعندما استبدلوا تسمية الكيان الصهيوني ب (إسرائيل) وعندما تحدثوا عن الأراضي المحتلة، أو أراضٍ محتلة، في عام 1967 وميّزوها عن تلك المحتلة في عام 1948، وكأن ما احتلَّ عام 1948 حلال على شذّاذ الآفاق ممن جمعتهم العصابات الصهيونية من كل مكان وأرسلتهم لاحتلال أرض فلسطين.

بدأ التردي عندما تحدثوا عن قضية فلسطينية، بصورة عامة، دون التركيز بالذات على احتلال صهيوني لأرض فلسطين العربية وغيرها.

وعندما حاول البعض إشاعة مصطلح (صراع فلسطيني/ إسرائيلي) بيننا، محاولين إبعاد مفهوم الصراع العربي/ الصهيوني، إذ هو صراع شامل لا يتعلق بفلسطين وحدها، وإن كانت في القلب منه.

ورغم الموقف العربي الصلب ضد اتفاقية كامب ديفيد، إلا أن التردي بدأ عندما تهاون بعض الحكام مع خطوة أنور السادات الخيانية بزيارة القدس المحتلة في عام 1977 ولم يلتزموا بقرار مقاطعته كما رسمته قمة بغداد في العام 1978.

بدأ التردي العربي عندما ناقشت جهات (عربية) رسمية القرار الأممي ذي الرقم 242 ومشروع روجرز قبله، وبدأت التعامل مع سياسة (الخطوة خطوة) التي رسمها هنري كيسنجر في أعقاب حرب رمضان/ أكتوبر 1973 التي حققت بطولاتها الكبرى وانجازاتها الرائعة في عبور القناة بتضحيات الجنود المصريين الأبطال، ونجاح الجيش العراقي البطل في حماية دمشق العروبة من السقوط، إلا أن الخيانات حوّلت نتائجها إلى أهداف تحريكية لا تحريرية.

ويوم تقرر في قمة الرباط عام 1974 اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، كان موقف العراق الذي صرّح به ممثل العراق في المؤتمر حينها نائب رئيس مجلس قيادة الثورة المناضل الشهم صدام حسين واضحاً جلياً "إننا نعترف بالمنظمة ممثلاً شرعياً على طريق تحرير كامل التراب الفلسطيني" وهو الهدف الذي بقي العراق يهتف به ويدعو له ويعمل عليه، بجد وصدق، حتى احتلاله عام 2003.

الخيانات بدأت بالسماح لحافظ الأسد والعصابات المارونية بتصفية الوجود الفلسطيني المقاوم في لبنان بدءاً بمذبحة تل الزعتر في العام 1976 وليس انتهاءً بمخيمي صبرا وشاتيلا في 1982.

بدأت الخيانات منذ شرعت وسائل إعلام تدّعي أنها (عربية) بالتعامل مع زعماء عصابات العدو الصهيوني ومنح من يمثّلهم منابر لتسميم عقول أبنائنا، وهدّ ارادتهم بزعم حرية التعبير وفسح المجال لإبداء الرأي والرأي الآخر.

الخيانات بدأت مذ حطّ خميني الشر في طهران عام 1979 ليبدأ مسيرة المزايدات الكريهة وادّعاء الاحتكار الكاذب لفكرة المقاومة والتحرير المزعوم بعصاباته وفيلق (قدسه) الغادر، وخرقه للأمن القومي العربي بدلاً عن ذلك.

بدأت الخيانات بإضعاف العراق عام 1991 بما أفضى إلى مؤتمر مدريد ومسيرته، واتفاقيات أوسلو ووادي عربة.

مسيرة الضعف والتردي استمرت في قمة بيروت 2002 بما وصف (مبادرة عربية) لما يزعمون إنه (سلام الشجعان) وفق مبدأ (الأرض مقابل السلام) وهو في حقيقته استسلام المتراجعين والعاجزين وبيع فلسطين مقابل الأوهام، وهي (مبادرة) قبلها الجميع ورفضها العراق وحده، وأجره على الله.

الخيانات بدأت يوم أفرد حكام (عرب) العراق، وهو المقاوم الحقيقي والمتصدي الحقيقي، حتى بات خطاب قيادته الوطنية حينها خطاباً منفرداً (معزولاً عن الواقع) كما كانوا يقولون، وفي الحقيقة هو معزول عن مسيرة الخيانات المذلّة التي تُلبِس الاستسلام لبوس الواقع البائس.

الخيانات بدأت يوم هرول بعض الحكام (العرب) إلى أعداء الأمة يستجدون الإسراع في احتلال العراق وتدميره والقضاء على نظامه العروبي وقيادته الوطنية يتقدمها الرئيس صدام حسين كي يخلو لهم جو الخيانة ولا يعكّر عليهم (صفو) العار فعلٌ شريف.

هذه هي علامات الذل التي منها بدأت مسيرة الضعف والتردي والتراجع، وكثيرٌ كثيرٌ غير هذا، فلا تقبلوا أيها العرب ما يشيعه بينكم هؤلاء، الراضون بالهوان المستسلمون لأعدائهم، من أوهام تُضعِف إرادة ابناء الأمة، وتحطّ من إيمانهم بالطريق الصحيح لصناعة مستقبل حر لا يمكن بلوغه إلّا بمواجهة الواقع بكل صراحة وموضوعية ووضع الخطط العملية بموجب ذلك، وتحفيز كل إمكانيات الأمة الواقعية، والتركيز على الجيل الصاعد من الشباب الذي يثبت دوره كل يوم بوعيه وتصديه بكل شجاعة في اغلب ساحات الوطن العربي.

 

والله الموفق والمستعان.

 






الثلاثاء ١ ربيع الاول ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / أيلول / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مصطفى كامل نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة