شبكة ذي قار
عـاجـل










قطع المياه وتجفيف الأنهار

جريمة ضد الإنسانية

المحامي الدكتور سلوان علي الكسار

 

على الرغم من عدم النص على قطع المياه وتجفيف الأنهار، كجريمة من الجرائم المنصوص عليها في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه ترك الباب مفتوحاً، إذ نص في المادة 7/ 1 / ك الواردة ضمن الجرائم ضد الإنسانية في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أنه " الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية".

جاء نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بتعريفه للجرائم ضد الإنسانية في المادة السابعة متسعاً ليشمل أكثر الجرائم أو أغلبها خطورة، كما أنه جاء مخالفاً لما كان عليه ميثاق نورمبرج الذي حصر نطاق الجرائم ضد الإنسانية في الأفعال الإجرامية التي تقع إثناء الحرب، أو بعكس ما نص عليه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة الذي اشترط أن تكون الأفعال المكونة للجرائم ضد الإنسانية قد ارتكبت أثناء نزاع مسلح سواء أكان دولياً أو داخلياً، لأن نظام روما الأساسي جعل هذه الجرائم مستقلة عن جريمة العدوان ولم يشترط أن ترتكب الأفعال المكونة لهذه الجريمة أثناء صراع مسلح سواء كان دولياً أو داخلياً، بل ترتكب أثناء السلم والحرب، وهذا ما نصت عليه المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فقد جرمت أفعالاً سبق وأن تم تجريمها والنص عليها في المادة (6) جريمة الإبادة الجماعية و المادة (8) جرائم الحرب من النظام الأساسي والهدف من ذلك هو رغبة المشرع الجنائي الدولي في ألَّا يفلت الجاني من الجرائم التي ارتكبها، ويبسط مظلة المحكمة على كافة الجرائم الخطيرة التي ترتكب ضد الشعوب والجماعات التي لم تجد من يحميها.

كما أن نظام روما الأساسي وفي مادته السابعة قد وسع قائمة الأفعال الجرمية التي تٌكون الجرائم ضد الإنسانية بما ينسجم ويتفق وتطور القانون الإنساني الدولي، فحين عد الأفعال المكونة لجرائم ضد الإنسانية حدد بعض هذه الأفعال على سبيل الدقة والحصر التزاماً بمبدأ مشروعية الجريمة والعقوبة ومنها جرائم القتل العمد والإبادة والاسترقاق والفصل العنصري، وجاء النظام بصياغات عامة مجرمة لأفعال تتسع لصور كثيرة من الجرائم وذلك خوفا من أن تفلت بعض الممارسات بوصفها جرائم ضد الإنسانية، من ذلك تجريم عمليات السجن أو الحرمان الشديد على نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي، المادة " 7 / 1 / ه من النظام الاساسي.

كما جرم النظام الأساسي أيضا الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل، التي تتسبب عمدا بمعاناة شديدة، أو أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية، المادة ( 7 / 1 / ك) من النظام الأساسي.

ولما لهذا النص من الاتساع بحيث يمكن أن يتضمن أي فعل يجد في المستقبل ويمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية، وبالتالي يعد مجرماً حسب نص المادة السابعة في فقرتها الأولى من النظام الأساسي للمحكمة ويخولها الحق من ملاحقة الجناة عن هذه الجرائم، والتي نصت على ما يلي ( لغرض هذا النظام الأساسي يشكل أي فعل من الأفعال التالية ) جريمة ضد الإنسانية (متى ارتكب في أطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم).

يبدو لنا مدى عمومية وإطلاق هذا النص واضحة حيث يُمكن للمحكمة أن تبسط اختصاصها على العديد من الأفعال التي يمكن ادخالها ضمن هذه المادة واعتبارها جرائم ضد الإنسانية، حرصاً من المشرع على أن يترك الباب مفتوحاً أمام تجريم ما يصعب حصره من أفعال لا إنسانية قد يسمو عنها الذهن البشري.

وعلى الرغم من ادراج هذه المادة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلا أنها لاقت معارضة على ادراجها من بعض الوفود المشاركة في مؤتمر روما، وذلك لما يكتنفها من غموض وما تحمله من مخاطر لكونها تعد انتهاكاً لمبدأ الشرعية، لا جريمة إلا بنص.  وهذا ما نص عليه قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 في المادة (1) وغيره من فوانين العقوبات الاخرى.

غير أن مبدأ الشرعية في الجريمة حسب القانون الوطني، لا يمكن نقله إلى الجريمة الدولية والسبب إن قواعد التجريم في القانون الدولي ليست كلها مكتوبة، لأن اكثر تلك القواعد عرفية،   كما إن هذا المبدأ ليس له وجود على ذات النحو المعترف به في القانون الوطني، لكنه يوجد بصورة أخرى، فالفعل لا يمكن اعتباره جريمة إلا إذا ثبت أنه خاضع لقاعدة من قواعد القانون الدولي تثبت أن هذا الفعل يعد جريمة، وأن يتم التحقق من أن هذه القاعدة هي قاعدة تجريم، لأن قواعد التجريم من أهم قواعد القانون الدولي، لأنها تحمي الحقوق وتصون الحريات . وهذا ما نصت عليه المادة (22) من النظام الأساسي للمحكمة أنه (لا جريمة إلا بنص) فلا يشكل الفعل جريمة ما لم يكون مجرماً حسب نصوص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وبالرجوع إلى أركان الجرائم التي اعتمدت من قبل جمعية الدول الاطراف في نظام روما الأساسي كما ورد في مقدمتها على أنه ( 1-) وفقآ للمادة 9، تستعين المحكمة بأركان الجرائم التالية في تفسير وتطبيق المواد 6، 7، 8 طبقاً للنظام الأساسي، بما في ذلك المادة 21 والمبادئ العامة الواردة في الجزء 3 على أركان الجرائم، فما هي اركان المادة 7/1/ ك الأفعال اللاإنسانية الأخرى التي تشكل جريمة ضد الإنسانية: -

1-   أن يلحق مرتكب الجريمة معاناة شديدة أو ضرراً بالغاً في الجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية بارتكابه فعلاً لا إنسانياً.

2-   أن يكون الفعل ذات طابع مماثل لأي فعل آخر مشار إليه في الفقرة 1 من المادة 7 من النظام الأساسي.

3-   أن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف الواقعية التي تثبت طبيعة الفعل.

4-   أن يرتكب السلوك كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين.

5-   أن يعلم مرتكب الجريمة بأن السلوك جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين أو أن ينوي أن يكون هذا السلوك جزءاً من ذلك الهجوم.

وإذا ما عدنا إلى الفقرة الأولى من المادة (7) من النظام الأساسي للمحكمة نراها تنص على أنه " لغرض هذا النظام الأساسي، يشكل أي فعل من الأفعال التالية، جريمة ضد الإنسانية، متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم". وهذه الأفعال كما وردت في المادة (7) من النظام الأساسي للمحكمة مكونه من (11) فعلا تبدأ بالقتل العمد والإبادة الجماعية وتنتهي بالأفعال اللاإنسانية الأخرى، يعني ذلك أن المادة 7/ 1 / ك قد تضمنت كافة الأفعال التي تم ذكرها في المادة (7) على ان تكون مماثلة لها. وهذا ما أكدته الفقرة (2) من أركان الجرائم والذي جاء فيها أنه "أن يكون ذلك الفعل ذا طابع مماثل لأي فعل آخر مشار اليه في الفقرة (1) من المادة (7) من النظام الأساسي ".

من كل ذلك نرى بأن نظام روما الأساسي قد أخذ بنظر الاعتبار التطور الهائل للجرائم والعولمة ولما تستمده هذه العولمة من جرائم، وترك الباب مفتوحا أمامها حتى تكون أكثر شمولا وتتمكن المحكمة من بسط اختصاصها على العديد من الأفعال التي يمكن إدخالها ضمن هذه المادة واعتبارها جرائم ضد الإنسانية.

ان قطع المياه وتجفيف الأنهار من قبل المسؤولين الإيرانيين ترتقي ان تكون جريمة ضد الإنسانية وفقآ للمادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

يعتبر العراق بسبب وجود نهري دجلة والفرات من أغنى الدول من حيث المصادر المائية، ولكن العوامل الخارجية والداخلية عطشت العراقيين، حيث يعاني الملايين من السكان من عدم توفر المياه للشرب أو الزراعة، والسبب يعود على ما قامت به دول الجوار من قطع وتجفيف للأنهار، وخير دليل على ذلك هو ما قامت به إيران من أمور خالفت بها كافة الاتفاقيات الثنائية والمواثيق الدولية التي تحدد وتنظم حقوق الدول المشتركة في تلك الأنهار.

·       قطع المياه وتجفيف الانهار: للعراق مع إيران روافد نهرية يقدر عددها بنحو (40) رافداً منها على سبيل المثال بناوة سوتا وسيروان والزاب في محافظة السليمانية، وقرة تو والوند وكنكير في محافظة ديالى، ونهر كنجان جم في محافظة واسط، وأنهار أطيب ودوريح وشط الاعمى ونهر الكرخه في محافظة ميسان، ونهر الكارون في محافظة البصرة وجميع هذه الأنهار والروافد وغيرها تتدفق من إيران نحو العراق وتعتبر هذه الأنهار أنهار دولية عابرة للحدود وهناك اتفاقات ومواثيق دولية تنظم حقوق الدول المشتركة في هذه الأنهار.

.

 إن إيران لم تلتزم بالحصص المائية بين البلدين، أضافة لذلك قامت بقطع معظم مياه الأنهار المتدفقة من أراضيها نحو العراق الذي أدى بدوره إلى تجفيف خمسة أنهار عراقية هي كنجان جم وكلال بدره وجنكيلات والكرخة وخوبين، وغيرت مجرى كثير من الأنهار المهمة التي كانت تصب في الاراضي العراقية مثل نهر سيروان الذي اكدت وزارة الموارد المائية بانها رصدت انخفاضا حادا من مناسيب نهري سيروان والزاب من الجانب الايراني وصلت من 47 متر مكعب في الثانية إلى سبعة أمتار، والمصاريف في مقدمة سد دوكان في نهر الزاب الأسفل وصلت إلى 2 متر مكعب في الثانية مما أثر بشكل كبير في التخزين المائي لسدي دوكان ودربندخان  .

·       السدود والبحيرات : إقامة إيران العديد من السدود و البحيرات داخل أراضيها التي أدت إلى حجب كميات كبيرة من المياه المتجهة إلى العراق، حيث تعاقدت على بناء أكثر من (600) سد على الأقل في البلاد وكثير من البحيرات، وقامت ببناء سد داريان الذي يقع داخل الحدود الإيرانية والذي أدى إلى تحويل مسار أجزاء من نهر سيروان إلى داخل الأراضي الإيرانية عبر نفق طوله (48) كيلومترا مما حول مجرى النهر داخل الحدود العراقية إلى مجرى صغير هادئ، وأكد أحد ساكني قرية إمام زامني حيث يجف النهر بأن أغلب سكان القرية المتكونين من (70) أسرة قد غادروا قريتهم وأغلقت المدرسة الابتدائية فيها، وذلك لأن إيران تتحكم في مياه النهر كله.

+ الأضرار الزراعية والأمن الغذائي:

تعاني العديد من مدن ومحافظات عراقية حدودية مع إيران من موجة جفاف على اثر قطع إيران لعدد من روافد الأنهار المتجهة من إيران إلى العراق، علي الرغم من مطالبات وزارة الموارد المائية العراقية المتكررة للجانب الإيراني بإطلاق حصة العراق من المياه، إلا ان الجانب الإيراني يرفض تزويد العراق بحصته المائية، وتأكيدا لذلك ما أشار إليه مسؤول بارز في وزارة الخارجية الإيرانية لدى سؤاله عن المزاعم العراقية بأن طهران تحجم عن بحث أزمة المياه، أجاب إلى أن الجفاف في بلده تسبب في انقطاعات الكهرباء واحتجاجات، مضيفاً أنه في ظل تشكيل حكومة جديدة في إيران في الآونة الاخيرة، فان تحديد المواعد لعقد اجتماعات لبحث هذه المسألة سوف يستغرق وقتا، وأضاف ولكن يتعين على التأكيد أنه بسبب ازمة المياه، "ستكون تلبية احتياجاتنا المحلية على رأس أولوياتنا تليها احتياجات جيراننا"، مما تسبب بضرر كبير لعدد من مناطق العراق وخصوصاً محافظة ديالى الحدودية مع إيران التي اضطرت وزارة الزراعة إلى وضعها خارج الخطوة الزراعية والاكتفاء بتوفير مياه الشرب بسبب شح المياه الذي تسبب أيضا بانهيار الأمن الغذائي في المحافظة، كما دفع الحكومة العراقية إلى تقليص المساحات المزروعة بنسبة 50%خلال عام 2022 التي ستؤدي إلى المس بغذاء العراقيين، كما تفيد أرقام رسمية بأن نسبة التصحر بات يجتاح 39% من الاراضي العراقية، وتهدد زيادة ملوحة التربة القطاع الزراعي بحوالي 54% من الاراضي المزروعة .

وذكرت ممثلة اليونيسيف في العراق السيدة شيما سين غوبتا إن قرابة 3 من بين كل 5 أطفال في العراق ليس لديهم وصول إلى خدمات الماء الآمن، كما إن اقل من نصف المدارس في عموم البلاد تمتلك خدمات الماء الأساسية، مما يعرض صحة الأطفال للخطر، ويهدد تغذيتهم، ونموهم المعرفي، وسبل عيشهم المستقبلية، كما أكدت ممثلة اليونسف إن مستوى شحة المياه في العراق تنبا بالخطر، فالأطفال لا يستطيعون النمو ليبلغوا كامل طاقاتهم بدون ماء. 

·       المعاهدات والاتفاقيات: أكد المستشار الفني لوزارة الموارد المائية إن المباحثات والزيارات مع تركيا مستمرة واثمرت عن نتائج ايجابية منها تفعيل مذكرة التفاهم التي وقعت عام 2009 ودخولها حيز التنفيذ، ومن أهم بنودها اعطاء حصة عادلة ومعقولة للعراق من المياه لنهري دجلة والفرات، مؤكدا إن هذا الجهد لم يتحقق منذ 40 سنة.

أما فيما يخص إيران، فإن الجانب الإيراني يرفض تزويد العراق بحصته المائية على الرغم من وجود اتفاقيات ومعاهدات تخص هذا الجانب.

إن العديد من الاتفاقيات عقدت أبان حكم الدولة العثمانية مع المملكة القاجارية التي كانت تحكم إيران قبل حكم الدولة البهلوية مطلع القرن العشرين لتنظيم تقاسم المياه.

وقامت كل من بريطانيا وفرنسا عقب السيطرة على المنطقة توقيع اتفاقيات مع الدول الجديدة مثل إيران وتركيا إحداها عام 1913 لتنظيم المياه في شط العرب على الحصص المائية وبسببه وقعت العديد من المناوشات وأبرمت اتفاقيات لتنظيم الوضع المائي. ثم اعقبتها اتفاقية تنظيم واستخدام مياه دجلة والفرات عام 1920 وأخرى عام 1930، وبعد حصول العراق على الاستقلال عام 1932 أبرمت اتفاقية مع إيران حول شط العرب عام 1937 والتي نصت على سيطرة العراق على كامل المجرى النهري الملاحي على شط العرب باستثناء أماكن معينة تم تحديدها عبر فرق فنية، ووقعت الاتفاقية في قصر سعد آباد في طهران، ولكنها فسخت بسبب انسحاب العراق من حلف بغداد.

كما توجد هناك الكثير من الوثائق والمراسلات بين وزارة الخارجية العراقية ووزارة الخارجية الإيرانية متعلقة بالنزاع الحدودي والمائي بين العراق وإيران حول تسوية مسألة المياه في مندلي، فضلا عن تقاسم نهر كنجان جم الذي يتدفق باتجاه مدينتي زرباطية وبدرة العراقيتين لتوزيع المياه بشكل عادل. واشارت بعض هذه الرسائل إلى قيام الحاكم العسكري الإيراني في منصور آباد بحفر قناة جديدة، وبناء سد على طول مجرى النهر وهو ما آثر على إمدادات المياه في الجانب العراقي من الحدود.

طالبت وزارة الخارجية العراقية تشكيل لجنة من الجانبين لإجراء التحقيق ووضع اتفاق على أساس العرف السابق فيما يتعلق بالنسب المائية التي يجب أن يحصل عليها السكان على جانبي الحدود، وكان الرد من قبل المسؤولين الإيرانيين رفض تشكيل لجنة لتسوية مسألة تقاسم المياه. وعلى الرغم من الشكاوى المستمرة من قبل الحكومة العراقية فيما يخص مشكلة نهر كنجان جم في الاعوام 1932،1933، 1934كانت دون طائل.

وفي عام 1975 تم توقيع اتفاقية جديدة بين البلدين في الجزائر خاصة بالحدود والنزاع المائي. وكان أحد بنود هذه الاتفاقية تعين الحدود النهرية في شط العرب بحسب ما يعرف بخط التالوك وهو أعمق النقاط في شط العرب، كما ورد في الاتفاقية التي تم توقيعها من قبل وزيري خارجية العراق وإيران من أجل ضمان التوزيع العادل لهذه الأنهار العابرة للحدود فيتم تقسيم مياه أنهار بناوة سوتا وقرة تو وكنكيز إلى جزأين متساويين بين البلدين المادة (2/ أ)، وتقسيم مياه أنهار الوند وكنجان جم والطيب ودويريج بين البلدين وفقآ لتقارير لجنة تعيين الحدود الإيرانية العثمانية لعام 1914وفقآ للعرف المادة (2/ ج).

ولم تدم هذه الاتفاقية طويلآ، وبمرور اربعة سنوات واندلاع الثورة الإيرانية وقيام نظام جديد في إيران، واندلاع الحرب العراقية الإيرانية، انتهت هذه الاتفاقية، واعتبر العراق شط العرب جزأ من مياه بالكامل.

وفي عام 2014 توصل العراق وإيران إلى اتفاق جديد وفقآ لما تم التوقيع عليه عام 1975، غير ان التطبيق على الارض لم يجري وفقآ لما تم الاتفاق عليه.

ويتهم العراق المسؤولين الإيرانيين بإعطاء الأوامر لتحويل كافة الروافد النهرية التي تدخل العراق من إيران إلى أماكن أخرى داخل إيران، وبناء السدود مما تسبب في نقص حاد في التزويد وصل إلى الصفر في العديد من مناطق العراق وخاصة المناطق الحدودية مع إيران.

+ القانون الدولي والاتفاقيات الدولية:

لم تكن فكرة الأنهار الدولية معروفة او متداولة قبل نشوء الدول وظهور مفهوم السيادة، حيث برزت اولى الاشارات إلى مفهوم النهر الدولي في معاهدة باريس 1814 التي عقدت نتيجة أتساع نطاق التجارة الدولية والحاجة الماسة الى استخدام الأنهار الصالحة للملاحة والتي تهم عدة دول، فعرفته بأنه النهر الذي يفصل أو يخترق أقاليم دولتين أو اكثر، ثم جاءت النظريات الفقهية الدولية لتنظيم كيفية الاستفادة من مياه الأنهار الدولية واستخدامها وكانت اغلب تلك النظريات تقوم على فكرة أساسية، وهي ضرورة التعاون بين الدول المتشاطئة، مع التأكيد على حقوق الاستفادة والانتفاع بمياه النهر الدولي مع مراعاة عدم الحاق أضرار بالأخرين.

وفي عام 1997تم اعتماد اتفاقية استخدام المجاري المائية الدولية في الاغراض غير الملاحية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي أكدت على عدة مبادئ هي الاستخدام المنصف والمعقول للموارد المائية المشتركة المرتبطة بمبدأ الالتزام العام بالتعاون بين الدول للوصول لاستخدام أمثل لمياه النهر الدولي، وكذلك مبدأ عدم الحاق الضرر، وواجب الاخطار، حيث يوجب على جميع الدول المتشاطئة إلا تلحق ضررا بالآخرين، كما انه يتوجب عليها أخطار الآخرين حال قيامها بإجراءات أو مشاريع مستقبلية، ممكن ان تلحق ضررا بالدول المتشاطئة الأخرى .

إن جميع مصادر القانون الدولي سواء الأصلية منها أو الاستدلالية قد اتفقت على وجوب التوزيع العادل لمياه النهر الدولي بين الدول المتشاطئة، والامتناع عن تغير مجرى النهر، أو اقامة منشآت من شأنها ان تمس بحصص الدول الأخرى، وعلى احترام الحقوق المكتسبة للدول المستفيدة مع مراعاة حاجات كل دولة، ومدى اعتمادها على النهر الدولي، وإلزام الدول المسببة للضرر بالتعويض المناسب عن الاضرار التي تلحق بالدول الأخرى.

وبالتالي فالمياه قد تكون مصدرا للتعاون والرخاء بين الشعوب، أو تكون مصدرا للتوتر والقلق.

إن إيران ومنذ نشأت الدولة البهلوية وقبله وحتى يومنا هذا، هي مصدر قلق وابتزاز للعراق، حيث لوح وزير الموارد المائية العراقي مهدي رشيد الحمداني باللجوء إلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة لمواجهة عدم التزام إيران بالحصص المائية بين البلدين، وسلط الضوء على النزاع الذي يعود إلى أكثر من (100) عام على الأنهار والروافد النهرية بين البلدين.

هذه الافعال من قبل المسؤولين الإيرانيين جميعها تمس مصالح شعب العراق وتعتبر أفعال لاإنسانية ترتكب بحق المدنيين العراقيين بفرض احوال معيشية تؤدي حتما الى هلاك جزء من مجموعة من السكان المدنيين بسبب جفاف الأنهار وقلة المياه، هذه الافعال تعتبر جريمة الابادة وفقآ للمادة 7/ 1/ ب من النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وحددت اركان الجرائم التي اعتمدت من قبل جمعية الدول الاطراف في نظام روما الاساسي أركان جريمة الابادة وهي:

1-   أن يقتل مرتكب الجريمة شخصا أو أكثر، بما في ذلك إجبار الضحايا على العيش في ظروف ستؤدي إلى هلاك جزء من مجموعة من السكان " يمكن ارتكاب السلوك بوسائل مختلفة للقتل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر"

2-   أن يشكل السلوك عملية قتل جماعي لأفراد مجموعة من السكان المدنيين، أو يكون جزءاً من تلك العملية.

3-   أن يرتكب السلوك كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين.

4-   أن يعلم مرتكب الجريمة بأن السلوك جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين أو ينوي أن يكون هذا السلوك جزءاً من ذلك الهجوم.

ويفهم " الهجوم المباشر ضد السكان المدنيين" بأنه يعني سلوكا يتضمن ارتكاباً متعدداً للأفعال المشار إليها في الفقرة 1 من المادة 7 من النظام الأساسي ضد سكان مدنيين تأييداً للدولة أو سياسة تنظيمية بارتكاب هذا الهجوم التي تستدعي الدولة أو المنظمة بتعزيز أو تشجيع فعلي للهجوم ضد السكان المدنيين.

ويستوي في أعمال الإبادة أن يستخدم الجاني فيها وسائل مختلفة للقتل ومنها منع موارد الحياة عنهم، وهذا ما يقوم به المسؤولين الإيرانيين من مختلف المواقع من خلال قطع وتجفيف مياه الأنهار عن المدنيين من العراقيين.

كيف تحرك الشكوى على المسؤولين الإيرانيين الذين ارتكبوا هذه الجريمة لدى المحكمة الجنائية الدولية:

بما أن المحكمة وفقا للمادة 25 يكون اختصاصها على الأشخاص الطبيعيين، لذا يكون تحديد المسؤول عن الجريمة أولاً استناداً لهذه المادة سواء أكان رئيساً أو مرؤوساً أو قائداً عسكرياً أو الشخص القائم بأعمال القائد العسكري وعدم الاعتداد بالصفة الرسمية، لئلا تحول الحصانات التي ترتبط بالصفة الرسمية للشخص دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص.

وبما أن العراق وإيران ليس من ضمن الدول المصادقة على نظام روما الأساسي، فأمامنا اختيار واحد هو بتقديم الشكوى بعد تهيئة كافة الوثائق والاوراق والصور إلى المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية وهو الجهة المختصة بمباشرة التحقيقات من تلقاء نفسه على اساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة وفقا للمادة 15 من النظام.

إذا كانت الدولة العراقية غير قادرة على القيام بذلك لجملة امور فباستطاعة منظمات المجتمع المدني ونقابة المحامين العراقيين وجمعية الحقوقيين العراقيين والعوائل المتضررة تقديم الشكوى.

 

                                 والله الموفق

 

 






الاحد ٢٢ صفر ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / أيلول / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي الدكتور سلوان علي الكسار نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة