شبكة ذي قار
عـاجـل










سد النهضة وتداعياته على مصر والسودان

نبيل مرتضى

 

بُني سد النهضة على نهر النيل الأزرق في إثيوبيا بهدف توليد طاقة كهربائية تقدر بـ 5,250 ميغاوات، وكان قد عُرف سابقاً باسم سد الألفية.

يقع السد في منطقة تيشتقول ممار الإثيوبية، على بعد 15 كم شرق الحدود الإثيوبية السودانية، والهدف الظاهر منه إنتاج الطاقة الكهربائية، لاسيما أن مالك المشروع هو شركة الطاقة الكهربائية الإثيوبية.

وتزامن تاريخ بدء الأشغال في نيسان/ أبريل 2011 مع حالة غياب الاستقرار في مصر، في أعقاب أحداث ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، أو ما يسمى بثورات الربيع العربي. نتيجة لذلك، لم تكن مصر مستعدة للتصدي لأي مشروعات معادية بسبب انشغالها في ترتيب أوضاعها الداخلية.

يذكر أن الأشغال قد انتهت في الفترة بين 2020-2022، بتكلفة 4 مليارات لسد حاجة إثيوبيا من الكهرباء، وتصدير الفائض منه إلى البلدان المجاورة.

أما من الناحية الفعلية فإن سد النهضة يكون مصدر قلق لبلدان المصب: السودان ومصر، لأنه سيؤثر على مجمل الحياة الاقتصادية في البلدين، ويمكن أن يشكل لهما قلقاً على المدى القريب لأنه سيتحكم بمساحة الرقعة الزراعية، وتنوع المحاصيل الواجب زراعتها اعتماداً على كمية المياه المتدفقة من سد النهضة، وأن هذا المشروع في الأساس نتيجة لدراسات تقدمت به هيئة أبحاث صهيونية والهدف المعلن هو الضغط على الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لوقف تأثيره على القارة السمراء.

 

كانت دول حوض النيل في السابق مستعمرات لدول أجنبية قبل أن تحصل على استقلالها، وظهرت أولى الاتفاقيات لتقسيم مياه النيل عام 1902 في أديس أبابا، وعقدت بين بريطانيا بصفتها ممثلة لمصر والسودان وإثيوبيا، ونصَّت على عدم إقامة أي مشروعات سواءً على النيل الأزرق، أو بحيرة تانا ونهر السوباط، ثم جاءت اتفاقية بين بريطانيا وفرنسا عام 1906، وعقدت في عام 1929 اتفاقية أخرى، وتضمنت هذه الاتفاقية إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، وأن لمصر الحق في الاعتراض في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده. وكانت هذه الاتفاقية بين مصر وبريطانيا التي كانت تمثل كينيا وتنزانيا والسودان وأوغندا لتنظيم استفادة مصر من بحيرة فيكتوريا. وتم تخصيص نسبة 7.7٪ من تدفق المياه للسودان و92.3٪ لمصر.

 

في فترة حكم الإمبراطور هيلا سيلاسي، قام مكتب الاستصلاح الأمريكي بين عامي 1956 و1964 بتحديد الموقع النهائي لسد النهضة الإثيوبي على مجرى النيل الأزرق، ولكن الانقلاب العسكري عام 1974 تسبّب في توقف المشروع.

في الفترة بين بين تشرين الأول/ أكتوبر 2009 وآب/ أغسطس 2010، قامت الحكومة الإثيوبية بمسح موقع السد، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2010، قدم جيمس كليستون تصميماً للسد.

 

تأثير السد على إثيوبيا

بما أن النيل الأزرق نهر موسمي للغاية فإن السد سيقلل من الفيضان بما في ذلك 40 كم من داخل إثيوبيا، وبذلك فإنه يحمي المستوطنات من الأضرار الناجمة عن الفيضان، ومن ناحية أخرى إذ يقلل نسبة الزراعة بسبب انحسار الفيضانات في وادي نهر المصب، ومن المتوقع أن يؤدي السد إلى هجرة عدد كبير من السكان القاطنين هناك إلى مناطق أخرى خوفاً من انتشار مرض الملاريا.

ومن المتوقع أن يؤدي السد إلى تغير كبير في مصايد الأسماك للسد على دول المصب غير معروف. إذ تخشى مصر من انخفاض مؤقت في توافر المياه نظراً لفترة ملء الخزان وانخفاض دائم بسبب التبخر من خزان المياه.

يبلغ حجم الخزان ما يعادل التدفق السنوي لنهر النيل على الحدود السودانية المصرية (65,5 مليار متر مكعب). من المرجح أن تمتد هذه الخسارة إلى دول المصب على مدى عدة سنوات. وقد ورد أنه بخلال ملء الخزان يمكن أن يُفقد من 11 إلى 19 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، مما سيتسبب في خسارة مليوني مزارع دخلهم خلال فترة ملء الخزان. ويزعم أيضاً، بأنها ستؤثر على إمدادات الكهرباء في مصر بنسبة 25 % إلى 40 %، في فترة بناء السد حالياً. والتأثير جلي الآن حيث تراجعت حسابات الطاقة الكهرومائية في الواقع بما يقل عن 12 في المئة من إجمالي إنتاج الكهرباء في مصر في عام 2010 (14 من أصل 121 مليار كيلو وات في الساعة) وسيحدث انخفاض مؤقت بنسبة 25% من إنتاج الطاقة الكهرومائية وسُيترجم إلى انخفاض مؤقت في إنتاج الكهرباء الإجمالي المصري لما أقل من 3%.

 

يمكن أن يؤدي سد النهضة الإثيوبي الكبير أيضاً إلى انخفاض دائم في منسوب المياه في بحيرة ناصر، إذا تم تخزين الفيضانات بدلاً من ذلك في إثيوبيا. وهذا من شأنه تقليل التبخر الحالي لأكثر من 10 مليارات متر مكعب سنوياً، ولكن سيكون من شأنه أيضاً تقليل قدرة السد العالي في أسوان على إنتاج الطاقة الكهرومائية لتصل قيمة الخسارة لـ 100 ميغاوات بسبب انخفاض مستوى المياه بالسد بمقدار 3م.

 

كما ويعتبر ملف نهر النيل من الملفات الهامة بالنسبة لمصر منذ سنين، حيث حدثت الكثير من التوترات في العلاقات المصرية مع دول حوض النيل، خاصة في تسعينات القرن الماضي، وتذبذبت هذه العلاقات بين التحسن والتوتر من فترة لأخرى. وكان كل ذلك نتيجة سوء الإدارة المصرية لهذا الملف الذي يعتبر من أهم الملفات التي تؤثر على مستقبل مصر. استمر الإهمال المصري لملف النيل، سواء كان على مستوى الرئاسة أو الخارجية المصرية، وحتى الاستثمار.

 

تسعى مصر للتنسيق مع دول حوض النيل فيما يتعلق بالمشروعات التي سوف تقيمها لأن هذه المشروعات قد تؤثر على حصة مصر من المياه. وتسعى مصر لتأمين مصادر الطاقة على مجرى النيل (السد العالي) لتأمين التنمية الصناعية والزراعية وغيرها.

يعد نهر النيل من أهم مصادر التنمية بالنسبة لمصر واستقرار النيل يعني استقرار مصر وأمنها، لأن المياه هي المورد الاستراتيجي لمصر، فالصراع القادم سوف يكون من أجل الماء.

 

من المعروف أن السد يحتفظ بالطمي، وبالتالي فإنه سيتم زيادة فترة الحياة والاستفادة من السدود في السودان - مثل سد الروصيرص والسد سنار وسد مروي - والسد العالي في أسوان بمصر.

ستؤثر الآثار المفيدة والضارة للسيطرة على الفيضانات على الجزء السوداني من النيل الأزرق، تماماً كما سيؤثر على الجزء الإثيوبي من النيل الأزرق لمصب السد.

 

ختاماً، يمكن استنتاج ما يلي:  

1. بعد اتفاقية الذل الموقعة بين مصر والكيان الصهيوني في كامب ديفيد، وما تلاها من اقتصار النشاط المصري على القضايا الداخلية وابتعاده عن عمقه العربي والإفريقي على عكس ما كان في زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كان له الكلمة الفصل في جميع القضايا العربية والإفريقية.

 

2. استغلت إثيوبيا الفراغ الأمني والسياسي في مصر بعد ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، حيث شرعت إثيوبيا بتكليف شركة أمريكية بدون مناقصة للبدء في إنشاء السد في الأول من نيسان/ أبريل 2011.

 

3. في الثالث من حزيران/ يونيو 2013، وأثناء مناقشة تقرير الفريق الدولي من الخبراء مع الرئيس السابق الراحل محمد مرسي، اقترحت القيادة السياسية في مصر تدمير السد بما في ذلك دعم المتمردين المناهضين للحكومة. ودون علم الحاضرين، كان قد تم بث الاجتماع مباشرة على الهواء، مما دفع مصر لتقديم الاعتذار وطلب مزيد من الوقت للخبراء لغرض تقييم الآثار السلبية والفنية للسد.

 

4. الانقلاب العسكري الذي حصل يوم 30 حزيران/ يونيو 2013، وتجميد عضوية مصر في الاتحاد الإفريقي مما دفع الحكومة المصرية لتقديم المزيد من التنازلات للجانب الأثيوبي باعتبارها الدولة المضيفة لمقر الاتحاد وصولاً إلى توقيع الرئيس المصري إعلان المبادئ 2015 الذي بموجبه اعترف العالم أجمع بحق إثيوبيا ببناء السد.

 

5. ساهمت بعض البنوك المصرية وبعض الدول الخليجية بتمويل بناء السد، وهنا تتحقق مقولة أن رأس المال ليس له أعداء وهمه المصالح.

 

6. كان للخلاف المصري السوداني الأثر الأكبر في تفرد إثيوبيا في بناء السد مستغلة الخلاف المصري السوداني.

 

7. كان للدور المصري المزعزع لاستقرار السودان آثاراً كبيرة، ومن ضمن هذه الآثار انفصال الجنوب عن الوطن الأم، وكذلك المشاكل الحدودية على حلايب بين البلدين، وكذلك قام الجيش السوداني بضبط مجموعة من العربات العسكرية وأسلحة مصرية في مناطق التوتر في دارفور، كل هذه الأمور لعبت عليها إثيوبيا لتحسين وضعها التفاوضي، وأصبح السد قائماً خصوصاً بعد الملء الأول للسد.

 

إن الأمن المائي جزء من الأمن العربي، وأن أي تعدي على حقوق الأمة العربية في حصتها المائية يعتبر تهديداً للأمن القومي العربي، ويمكن أن نوجز أن الأنظمة المستبدة يمكن أن تفرط بالحقوق المشروعة كما فرط الرئيس المصري بحقوق مصر التاريخية في نهر النيل من خلال توقيع وثيقة إعلان المبادئ، وأن السد سيتسبب في فقد مائي بحدود 11 مليار متر مكعب بسبب كبر مساحة السد، وبذلك تزداد الفواقد وأن كل مليار متر مكعب تنخفض من حصة مصر يعني فقدان 200000 فدان من الماء.  

من الواجب الآن اعتبار مشكلة السد مشكلة قومية، ويجب الوقف بحزم من قبل جميع الأنظمة العربية لأن الماء مسألة أمن وطني وقومي.




الثلاثاء ٢٥ محرم ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / أب / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل مرتضى نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة