شبكة ذي قار
عـاجـل










 

خلاص العراق من النظام السياسي الفاسد لا يأتي عن طريق أنصاف الحلول

أ.د. مؤيد المحمودي



بعد أن شهد العراق 19 عاما من الخيبة والخذلان لا زال البعض يراهن على أن التغيير في النظام يمكن أن يحصل من داخل العملية السياسية. ولهذا فهم يضعون أمالهم الكبيرة على حركة الصدر الأخيرة والتي أعلن فيها انتفاضته الشعبية لمحاربة الفساد. والتبرير في هذا التأييد لموقف الصدر ينطلق من الاعتقاد بأن الوصول إلى جزء من الحل معه هو أفضل من الفشل في تحقيق أي انجاز على طريق الخلاص من النظام السياسي الحالي.  وهو منحى يحمل شيء من المخاطرة لأنه يقفز على الكثير من الحقائق الدامغة التي تثير الجدل حول تقلبات المواقف السياسية للصدر ومدى استعداده للالتزام التام بمبادئ محاربة الفساد والتي يمكن تلخيصها بما يأتي:

1.المعروف عن مقتدى رغبته الجامحة في ركوب موجة الأحداث وتقديم نفسه كأيقونة تتحكم بمسار العملية السياسية بالعراق طوال الفترة التي تبعت عملية الغزو الأمريكي له. وقد أكد هذه الحقيقة بنفسه في احدى مقابلاته بوسائل الاعلام، حين أشار مقتدى إلى استحالة تمرير أية طبخة سياسية لتعيين رئيس وزراء جديد الا وكان له دور رئيسي فيها. وهذا الغرور هو الذي يدفعه دائما لتصدر المشهد السياسي، حتى في حالة التمرد على النظام السياسي الحالي.

2. التيار الصدري أشرك وزراء منه في جميع الحكومات العراقية الفاسدة التي تشكلت بعد عام 2005، والمعروف عن هؤلاء الوزراء أنهم كانوا من أفشل المسؤولين في تقديم الخدمات للبلد.

3.لم نسمع يوما أن التيار الصدري قد وجه النقد المطلوب حول فساد تلك الوزارات.

4. لعب مقتدى الصدر دورا مهما في مجيء المالكي للفترة الثانية من ولايته في رئاسة الوزراء التي عرفت بأنها من أسوء الحكومات التي مارست الفساد وانتهاك حقوق الانسان في العراق.

5.انقلاب الصدر الأن على العملية السياسية قد لا يعفيه من التبعات القانونية المترتبة على مشاركته المسؤولية مع الحكومات المتعاقبة في ممارسة حالات الفساد وهدر الأموال التي حلت بالبلاد طوال السنين السابقة.

6. أقدم التيار الصدري على قتل مجموعة من ثوار تشرين بدم بارد في كربلاء واعتبرها مقتدى في وقتها مجرد فركة اذن دون أن يقدم تبريرا أو اعتذارا لذوي المغدورين يخفف عليهم وطأة المأساة التي حلت بهم.

7. باعتراف الصدر نفسه لا زال التيار يحمل في صفوفه عناصر فاسدة وتحتاج إلى تطهير، لكنه في نقس الوقت لم يقدم على خطوة جدية لممارسة النقد الذاتي والتخلص من هذه العناصر الفاسدة.

8.  يطلق الاعلام الصدري اليوم على انتفاضته اسم " ثورة عاشوراء أو الحسين" ولكنها في الواقع لا تحمل مقومات الثورة الحقيقة، بل تعتبر لحد الآن مجرد مجموعة اعتصامات تنشط في المنطقة الخضراء أمام بناية البرلمان العراقي. وهدفها المعلن هو الضغط على الفرقاء السياسيين من أجل الوصول إلى انتخابات مبكرة، علما أن هذه الخطوة يمكن أن تعيد العراق إلى المربع الأول وتذهب به إلى المجهول. وذلك بسبب ازمة الثقة بين الأطراف المتصارعة التي ستجعل من الصعب الاتفاق على قانون انتخابات جديد أو اختيار هيئة مستقلة للانتخابات.

صحيح أن هذه الاعتصامات قد نجحت لحد الأن في شل العملية السياسية وأحدثت فراغا كبيرا فيها لكنها لم ولن تستطيع تغيير النظام السياسي بالوسائل السلمية المتاحة لديها. فقد سبقت هذه المحاولة انتفاضة سلمية مماثلة قامت بها حركة تشرين وامتدت لأكثر من سنة متواصلة وقدمت فيها أكثر من 800 شهيد لكنها لم تستطع تغيير النظام الحالي أو جعله يتجاوب مع مطالبها على أقل تقدير. لأن هذا النظام لا يكترث لمطالب معارضة مدنية مهما كان حجمها طالما أنها لا تشكل خطرا كبيرا على وجوده.  وفي هذا الصدد من المخزي أن الصدرين أنفسهم وقفوا مع النظام الفاسد في السابق واستخدموا رجالهم من ذوي القبعات الزرقاء لمحاربة ثوار تشرين واجبارهم على ترك مناطق الاعتصام بساحة التحرير وأماكن أخرى من بغداد.

9. لكون الطرف الأخر من الجماعة المحسوبة على الفاسدين والمتمثل بالإطار التنسيقي يمتلك شتى أنواع الأسلحة الفتاكة ومدعوم بقوة من إيران فمن غير الممكن "فك الحديد الا بالحديد". وفي هذه الحالة على الصدر أن يكون مستعدا لطرق أبواب الخيار العسكري إذا ما وجد أن هذا الخيار هو حل لا بد منه لإزاحة نظام سياسي لا ينصاع الا للقوة. 

10. لحد الأن لم تفصح الحركة الصدرية عن طبيعة خارطة الطريق التي سوف تتبعها لمحاربة الفساد في العراق. فهل تقتصر معركتها الحالية على مقاضاة بعض الرؤوس الفاسدة مثل المالكي والخزعلي والحكيم واستثناء رؤوسا فاسدة أخرى مثل العامري الذي باع العراق لإيران والبارزاني الذي استولى على نفط الشمال والحلبوسي الذي سرق أموال المنطقة الغربية، بسبب علاقتهم الشخصية المتميزة مع الصدر. وهل أن هذا المشروع يستهدف فقط الكشف عن الأموال المسروقة ومن ثم العمل على استردادها أم لديه أهدافا أكبر من ذلك لتشمل خطة اصلاح متكاملة تتطرق إلى جميع نواحي الفساد التي ارتكبها النظام الحالي.

 ومن القضايا المهمة الأخرى التي تحتاج إلى توضيح هو موقف الصدر من القوى الوطنية المعروفة بمناهضتها للفساد مثل حزب البعث الذي اتهمه زورا وبهتان في السابق بمقتل والده تماشيا مع الأجندة الايرانية. وكذلك حركة تشرين التي خرجت إلى الشوارع وفتحت صدورها للرصاص فقط من أجل هدف واحد هو محاربة الفساد. ألا يجدر بالصدر أن يسعى الأن لإرضاء هذه القوى الوطنية والعمل على رد الاعتبار لها لتكون قوة مساندة في الحرب ضد الفساد، أم أنه سوف يبقى متعنتا ويذهب إلى هذه المعركة بمفرده لينتهي به المطاف إلى نفس مصير الإمام الحسين.

11.الشعب العراقي بحاجة إلى تفسيرات واضحة ومحددة عن دوافع حركة الانتفاضة الأخيرة للصدر، هل هي ناتجة عن صحوة وطنية حقيقية؟  أم مجرد محاولة منه لكي ينئ بنفسه بعد ادراكه جيدا أن سفينة هذا النظام على وشك الغرق. أم أنه مازال يعتبر نفسه خادما مطيعا لحكومة الملالي التي أوكلت اليه نشر الفوضى في البلاد عبر التحريض على الانتفاضة الحالية كي يلعب بعدها النظام الفارسي دور المنقذ ليبقى الامور في الشأن العراقي دائما تحت سيطرته. الكل يتمنى أن تتفق نوايا الصدر مع الشطر الأول من هذا الاستفسار. وإذا ما تأكد ذلك فعليا، عليه أن يتذكر بأن جموع الشعب التي أضناها معاناة الفساد من هذا النظام سوف لن ترتضي بأقل من عملية التغيير الجذري له حسب قاعدة " شلع قلع " لأنها تعتبرها فرصتها التاريخية للخلاص والتي لن تتكرر ثانية. أما إذا خذلها الصدر هذه المرة وتراجع عن موقفه المضاد للنظام كما حصل في المرات السابقة فإن هذه الجماهير سوف لن تغفر له هذا الخذلان. بل ستسخر منه وتطلق عليه وصف "امام أبو الخر " وهي عبارة يشير بها أهل الجنوب على الامام الذي لا يشور (لا يحقق مراد الناس)، لذا سرعان ما يهجر مرقده الزائرون ويصبح مجرد مكان لتعليق بقايا قطع القماش.

 

22/8/2022.

 






الثلاثاء ٢٥ محرم ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / أب / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة