شبكة ذي قار
عـاجـل










انتصار الثامن من آب

بوابة العبور إلى حماية الأمن القومي العربي

 

حسن خليل غريب

 

إن الأيام التاريخية في حياة الشعوب هي تلك التي يسجلِّون فيها انتصارات تصب في مصالحها الاستراتيجية، ويوم 8/ 8/ 1988 سجَّل العراقيون مثل ذلك النصر القومي، وكان نصراً قومياً عربياً بامتياز، لأن الأمة العربية، شعباً وأنظمة رسمية، وضعت إلى جانب الشعب العراقي ثقلاً شعبياً وسياسياً ومالياً. وبمثل ذلك الانتصار حصَّن العرب حدودهم الشرقية من الاختراق الأمني والعسكري والسياسي والاجتماعي.

لمثل ذلك التضامن العربي، الذي حمى البوابة الشرقية، رمزية تاريخية، أصبح معلماً استراتيجياً يستفيد منه العرب في ترسيم حدود المستقبل العربي في الوحدة والتضامن، وأخذ يوم الثامن من آب طريقه إلى العولمة الإنسانية، وأكَّد مبدأ إنسانياً مطلقاً في: (حق الشعوب في تقرير مصيرها).

أمام بلاغة الدرس الذي سطَّره العراقيون مع إخوتهم في العروبة في الثامن من آب، يقف العرب اليوم أمام معضلة مصيرية بعد أن سادت الفرقة بينهم، كانت نتيجته أن الخارج الأجنبي استباح أرضنا وشعبنا، وحرمنا من حقنا في تقرير مصيرنا، واخترق أمن كل الأقطار العربية بعد أن سقط أمن العراق باحتلال أميركي لئيم وخبيث، تلاه احتلال إيراني أشد فتكاً وإضراراً.

أمام هذا الواقع المزري، يجد العرب أنفسهم أمام مرحلة حساسة ودقيقة، خاصة معضلة مواجهة ما يُسميه نظام الملالي في طهران (مبدأ تصدير الثورة الإسلامية)، خاصة أن ذلك التصدير يتم بثوب طائفي غيبي، لا علاقة له بالدين، بل بتفتيت الدين، ولا علاقة له بالحضارة الإنسانية الحديثة، بل يتم بتعميق التخلف والجهل في بيئته المتعصبة بأقبح صوره.

وأمام هذا الواقع الذي يعمل فيه النظام الإيراني لبناء دولة عالمية ثيوقراطية غيبية لا نجد حلاً من أن نواجهه بمبدأ (الحق بتقرير المصير)، (ومبدأ الحق بالاعتقاد) من دون ضغط ولا إكراه.

أمام هذه المعضلة الخطيرة، التي اختُرق فيها الأمن الوطني العراقي الذي كان مدخلاً لاختراق الأمن القومي العربي، يقف العرب اليوم بجدية، أنظمة رسمية وحركات تحرر شعبية، ولأول مرة بعد احتلال العراق، لمواجهة هذه المحنة.

وإنني أرى، بكل موضوعية، احتراماً لحق العرب في السيادة على أرضهم، وحفاظاً على هويتهم العربية من الذوبان في هويات أخرى، غربية أكانت أم شرقية، وضعية أكانت أم دينية، أن نفتح كتب الشرائع الإنسانية وكتب التاريخ التي أرَّخت للتجارب العربية الناجحة في حماية أمنهم القومي، فلن نجد أشد بلاغة من تجربة الحرب العدوانية الإيرانية ضد الأمة العربية من البوابة العراقية، التي توَّجها الشعب العراقي بإسناد شعبي ورسمي عربي وحازت على شهادتها التاريخية المجيدة في 8/ 8/ 1988.

أمام المحنة العربية، من المحيط إلى الخليج، في هذه المرحلة الراهنة، نحن بحاجة إلى مراجعة شاملة لتلك التجربة . لمعرفة إيجابياتها علينا أن ندرك مدى خطورة المشروع الذي كان ينفِّذه نظام الملالي في إيران، وهذا ما أكَّدته الوقائع، إن (مبدأ تصدير الثورة) الذي أعلنه الخميني لا لبس فيه ولا إبهام، هو بناء حكومة إسلامية عالمية تأتمر شعوبها كافة بأوامره كـ (نائب عن الإمام المهدي المنتظر). وإذا كان هذا التوسع الإمبراطوري الغيبي يصب في مصلحة النظام الذي أسسه الخميني، نعتبر أنه شأن داخلي من مهمة الشعب الإيراني أن يقوم بمحاسبته، على قاعدة (حق الشعوب الإيرانية في تقرير مصيرها).

أما أن يتدخَّل هذا النظام بـ (تقرير مصير العالم من شرقه إلى غربه، وخاصة في الوطن العربي)، فهذا هو الجانب الخطير فيه، وهو حتماً مرفوض من جانبنا كعرب، وذلك لأنه يريد أن يُملي على العرب والعالم نظاماً غيبياً يتناقض مع الأديان السائدة على الكرة الأرضية.

وبعامل الإكراه هذا، خاصة أن الخميني يزعم بأنه مكلَّف (تكليفاً إلهياً) ببناء دولة لتطبيق الشرائع الإلهية، فإنه يشق صفوف الشيعة أنفسهم من جهة، ويعمِّق الشق في صفوف المسلمين من جهة ثانية، ويعزِّز عامل الاقتتال بين الأديان السائدة على الكرة الأرضية من جهة ثالثة، فهذا ما يتناقض مع مصالح الشعوب، ويشتت المجتمعات الوطنية ويفتِّتها. وباختصار فإن نظاماً غيبياً يعمل على تصدير ما يسميه ثورة إسلامية، لا بُدَّ من أنه يشكل خطراً على البشرية بأكملها.

فإذا لم يكن من إيجابية ليوم الثامن من آب، فإيجابيته الاستراتيجية أنه حمى أمن العراق والأمة العربية من انتشار وباء غيبي ترفضه، وتعتبره أخطر ما يمكن أن تواجهه لحماية حاضرها ومستقبلها.

واستناداً إلى هذه الإيجابية، التي وفَّرت للعراق والعرب واحات واسعة من الشعور بالأمان والاستقرار، فإنها كانت في المقابل مثار خوف ورعب أمام القوى الأجنبية، دولية وإقليمية، وذلك لأن تلك الاستراتيجية ترفض أي تدخل أجنبي في الشؤون العربية الداخلية. لكل هذا تعددت وسائل الدول الأجنبية لإحباط إيجابيات الثامن من آب، بشتى وسائل الخداع، واختلاق الأسباب.  لإحباط النتائج الإيجابية لذلك اليوم العظيم.






الاربعاء ١٢ محرم ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / أب / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حسن خليل غريب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة