شبكة ذي قار
عـاجـل










مثلما صمد الراديو بعد التلفزيون الصحافة تقاوم ولم تندثر

أحمد صبري


صحيح ان اشتراطات العصر الرقمي الجديد زحف على  دور ومهام موجبات الصحافة المكتوبة ورغم ما اصابها  جراء تغول التكنولوجيا على  مستقبلها الا انها  قاومت  هذا التحدي بالانتقال من  الاساليب القديمة إلى اساليب مبتكره وحديثة لمواجهة سرعة انتقال الخبر والحدث لحظة وقوعه عبر استقصاء الخبر والحدث وتحليله والانتقال بالصحافة الورقية إلى مرحلة جديدة في عرض بضاعتها للقارئ وتجربة الراديو امامنا صمد  عندما ظهر التلفزيون ولم يندثر بظهور التلفزيون كما تقاوم الصحافة الورقية نحن في سوق  يعج بالبضائع المتنوعة من حيث المنشئ و السعر والقارئ هو  الهدف وكلما كنت صادقا وقريبا من نبض الشارع كلما اتسعت شهرتك وتأثيرك و غياب المعايير الصحفية  هو بسبب الدخلاء  وانصاف الصحفيين  وشراء الذمم والمال السياسي الذي  يسقط الصحفي في المحظور وعندما نحدد مسار مقاومة التغول التكنلوجي فإننا نحتاج إلى صناعة الصحفي الشامل وخلفيته الثقافية والسياسية والمعرفية فمن دون هذه الاشتراطات سيجد الصحفي المبتدأ مصاعب جمة في مشواره الصحفي لاسيما تخصصه في أحد أنماط العمل الصحفي.

-       فالفكرة وبلورتها وتجسيدها على الواقع المعاش هي من ضرورات المدخل للكتابة فمن دون تحديد بوصلتها لا يمكن للصحفي ان يظهر مهارته ويبسط الفكرة ويسلط الضوء عليها ويعرضها للجمهور.

-       يضاف إلى ذلك الخبرة والمعرفة وعلاقاته واندماجه بالمجتمع ومصادره وتنوعها لتكون معينا له في مسيرته الصحفية.

والسؤال الذي بات يشغل بال المشتغلين بالصحافة الورقية هو هل التطور التكنولوجي السريع في نقل المعلومات والأخبار ومواكبتها تسبب في تراجع الصحافة التقليدية؟

نعم قد يتسبب في عزوف القارئ عن متابعة ما يدور حوله عبر الصحافة الورقية الا ان القارئ يريد ان بعرف خلفية الخبر او الحدث عبر قصة تلبي شغفه بالأخبار وهذه الخدمة توفرها الصحافة المكتوبة التي تغوص في عمق الحدث بالمتابعة والاستقصاء الميداني الذي يجعل المصدر ومصداقيته عنوان القصة الخبرية التي يحتاجها القارئ، وهذا التوصيف لحال الصحافة الورقية وتغول التكنلوجيا على مستقبلها نتوقف عند حال التجربة الصحفية في العراق قبل وبعد الاحتلال-

هناك حقبتان مختلفتان شهدتها الصحافة العراقية من حيث المهام والدور والوسائل فالحقبة التي سبقت الاحتلال كانت وسائل الاعلام فيها مركزية ولها مهام التعبئة لمواجه الاخطار التي كانت تواجه العراق لاسيما مخاطر استمرار الحصار وابراز مخاطر التهديدات التي كانت تواجه العراق ومستقبله وصحيح ان سقف الحريات في الحقبة الاولى كان محدودا والسبب يعود إلى ان الصحافة كانت حكومية وممولة من الدولة الا انها اضطلعت بدور وطني دفاعا عن العراق ومستقبله.

أما حقبة ما بعد الاحتلال فإنها تختلف رغم تمتعها بسقف الحريات والانفتاح فتحولت هذه الحقبة إلى سوق لعرض البضاعة من اي مكان ويشتريها اي انسان فحولها المال السياسي إلى صحافة استرزاق غابت عنها المعايير المهنية وداهنت مشروع الاحتلال وادواته واستدارت عن الفاسدين من خلال شراء الذمم وتمويل مشاريع إعلامية ومع هذه الصورة فان هناك صحفيون وطنيون رفضوا كل هذه الاغراءات وتمسكوا برسالتهم الوطنية وواجهوا الموت والاعتقال والتهديد والتهجير وشهدت هذه الحقبة صدور أكثر من 50 صحيفة ومجلة بشكل عشوائي.

-       نعم انها فوضى اعلامية مازلنا نعاني منها لأنها خارج سياقات المعايير الوطنية التي ينبغي ان تضطلع بها وسائل الاعلام فبدلا من ان تكون صوتا للشعب وتطلعاته تحولت إلى بوق يروج لهذا الحزب او ذلك ويلمع صورة رموزه ويبرز اهدافه السياسية.

-       رغم مرور نحو 19 عاما على غزو العراق واحتلاله مازالت التجربة الصحفية تعاني من امراض الاحتلال ومشروعه فاحتكار الأحزاب السياسية لوسائل الاعلام حولها إلى سلعة رخيصة تباع وتشتري وتوجه بما تسعى اليها الاحزاب وحيتان الفساد ما اضاع دورها الرقابي في مواجه الفساد والحفاظ على المال العام وتعبئة الجمهور في مواجهة التحديات التي تعصف بالمجتمع لاسيما البطالة والفساد والمخدرات والعنف الطائفي ما انعكس سلبا على مزاج الجمهور واهتماماته.

نخلص إلى القول إلى ان الصحافة الورقية رغم ما أصابها من فايروسات التكنلوجيا فإنها تقوم وتنافس منصات التواصل في متابعة الحدث ليس بالسبق الصحفي حسب وانما في متابعة محتواه وخلفيته واسبابه وتفتح للقارئ منصة أبوابها مشرعة امام الجمهور ومزاجه الذي بات أقرب اليه رغم المغريات، فالصحافة الورقية اليوم حالها مثل حال الراديو الذي صمد ولم يندثر بعد ظهور التلفزيون.






الاحد ١٨ ذو الحجــة ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / تمــوز / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أحمد صبري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة