شبكة ذي قار
عـاجـل










 

رسالة إلى أعضاء (المؤتمر القومي العربي)

الذي عُقد في بيروت بتاريخ 29 حزيران 2022

 

حسن خليل غريب - لبنان

 

أولاً: حول أبعاد المؤتمر العامة:

أفتتح المقال بإعادة التذكير بموقف المؤتمر من إيران، يوم كان مؤتمراً قومياً عربياً. فقد جاء في دورته التاسعة عشرة التي انعقدت في اليمن في شهر أيار من العام 2008، ما يلي:

(دان المؤتمر ممارسات النظام الإيراني في العراق ودعاه إلى تصحيح مساراته، كما دعا إلى تشكيل لجنة مهمتها أن تحاوره من أجل إعادة تصحيح المسارات الخاطئة كخطوة أساسية للعودة إلى صف المواجهة ضد الاحتلال الأميركي في العراق).

 

وكنا ننتظر من المؤتمر، في دورته الأخيرة التي انعقدت قبل ايام، أن يبرِّر لنا وقوفه القوي إلى جانب النظام الإيراني، حيث جاء في بيانه: (بعد التأكيد على الخصوصية القومية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية)، يدعو (إلى بناء أوثق علاقات التعاون مع دول الجوار الجغرافي).

 

هنا نتساءل: هل اطمأن المؤتمر إلى أن دول الجوار الجغرافي، وفي المقدمة منها إيران، لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية؟

أنا لا أشك بأن جميع أعضاء المؤتمر يعرفون الحقيقة كاملة، خاصة بعد إعلان النظام الإيراني الواضح، في تصريحات متتالية لأكبر المسؤولين فيه، أن أربعة عواصم عربية أصبحت تشكل امتداداً للإمبراطورية الفارسية. وهنا أتساءل: ألم يشكل آخر تصريح لإمام جامع مشهدان، المتلفز، استفزازاً لشعور أعضاء المؤتمر؟

 

يقول التصريح: إن الحشد الشعبي في العراق إيراني، وجبهة شكلها النظام الإيراني في سورية إيرانية، وحزب الله في لبنان إيراني، والصواريخ التي يطلقها الحوثيون ضد أهداف في السعودية إيرانية، وحركة حماس في غزة إيرانية. وفي الأخير يعترف بأن إيران لم تعد إيران التي تعرفونها. ويستطرد مؤكداً أن (الإمام الخامنئي) هو قائد المقاومة، يعني هو قائد (محور الممانعة).

وكلها دلائل على أن أربعة من الأقطار العربية زائداً جزءاً من قطر فلسطين، أصبحت إيرانية وتأتمر بأوامر (الإمام الخامنئي). وهو وحده من ضمن وظيفته كنائب لـ(الإمام المهدي المنتظر) كي يكون الآمر الناهي، وأما الآخرون فهم مأمورون. ولا يستثني أحداً منهم وهذا يشمل أعضاء (المؤتمر القومي العربي). ومن يرى غير ذلك من أعضاء المؤتمر، فليفصح عن رفضه أمام العلن.

 

أخوتي أعضاء المؤتمر، وخطابي موجَّه إلى الذين سيعلنون رفضهم لأكثر قرارات المؤتمر لأنها تصب في مصلحة إيران، وبالضد من مصلحة العرب: أناشدكم أن تعودوا إلى صفائكم القومي لكي تكونوا عن جدارة أعضاء في (مؤتمر قومي عربي)، وليس في (مؤتمر قومي فارسي).

 

لقد قيل: إن المثقف هو الذي يتبنى قضايا أمته، وليس الذي ينطق بلغتها فقط. فكثيرون ينطقون باللغة العربية ولكنهم لم يدافعوا عن قضايا أمتهم العربية. وهم بذلك يتحولون إلى عرب باللسان، وغير عرب بالمواقف.

وحيث إن ما جاء في مقررات المؤتمر في دورته التاسعة عشرة في العام 2008، لم يتم تنفيذها حتى الآن، أي بعد مرور أربعة عشر عاماً من الانتظار، فلا يجوز للمؤتمر أن يصادر قراراته السابقة، خاصة إذا كانت ذات أبعاد تمس بالأمن القومي العربي في الصميم.

 

ويتابع البيان حاثَّاً (الى محاربة أي نزعة لإذكاء العداء معها - ومنها إيران - كما يدعو الى حلّ المسائل المشتركة بالحوار). وهذا ما يدفعنا إلى توجيه سؤال للمؤتمر: وهل العرب هم الذين يعملون على غزو إيران في عقر دارها؟ وهل سمعتم بأن هناك نظاماً عربياً رسمياً أعلن ضم أي جزء من الأراضي الإيرانية؟ وإذا كان قد حصل ذلك، لم يخرج علينا أي مسؤول عربي ليزف إلى العرب بشرى ضم ذلك الجزء.

 

وأود أن أعتذر عن تبسيط الأمور إلى درجة إعادة تذكيركم بقصة الحمل والذئب التي درستموها منذ الصفوف الابتدائية. وفيها هدد الذئب الواقف في أعلى النبع، الحمل الواقف في أسفله قائلاً: سأفترسك لأنك عكرت صفو مائي.

ولذلك، عندما تدعون العرب إلى الحوار مع إيران تبدؤون بالخطأ. لأن العرب هم المُعتدَى عليهم، وإيران هي المعتدية باعترافها الواضح والصريح. كان عليكم أن تدعوا الذئب إلى وقف عدوانه، وليس دعوة الحمل. وهذا كان واضحاً تمام الوضوح في دعوة مؤتمر العام 2008. وإن ذرائع البعض منكم التي يتلطى تحتها لتبرير التدخل الإيراني، في أن النظام العربي الرسمي قد باع القضايا القومية، لا يبرِّر على الإطلاق أن نبيع تلك القضايا إلى إيران لتستبيحها وتوظفها لمصلحة نزعتها الإمبراطورية المعادية للامة العربية. حتى ان هذا القياس أصبح جائزاً لدى البعض لتبرير رفض مقاومة الاحتلال الأميركي والرضوخ للاحتلال الإيراني تحت ذريعة أنه صديق للعرب، خاصة أن صداقته ليس مشكوكاً بصحتها وحسب، بل استناداً إلى القرائن التي قمنا بالتذكير بالنزر اليسير منها فقط أعلاه، هي غير صحيحة على الإطلاق.

 

ثانياً: حول الأبعاد العراقية

إن قضية بحجم احتلال العراق، يمثلها في المؤتمر ثلاثة شخصيات فقط ليقرروا فيها نيابة عن الشعب العراقي المنكوب، يمثل تقزيم مهين للعراق. وهذا لا يبرره اعتكاف المنظمات والشخصيات الوطنية العراقية عن المشاركة في المؤتمر سيما وأنه من المعروف ان معظم الأعضاء، وخاصة القدماء منهم، قد استقالوا من عضويته لأن المؤتمر تحول إلى حاضنة للنظام الإيراني، مدافعاً عن جرائمه وأخطائه، وهذا ما يؤكده تناسي كافة قراراته التي اتخذها في العام 2008 في هذا الشأن العربي الجوهري البالغ الأهمية والخطورة.

 

ونكتفي بهذا المقدار لنعيد التذكير بأن احتلال العراق من قبل أميركا كان المدخل الرئيسي لنشر ما يسمى بالفوضى (الخلاقة) في الوطن العربي. وازداد خطورة بعد تسليمها العراق للنظام الإيراني بفعل الهزيمة الأميركية، لنقول: ما كانت الإدارة الأميركية لتقوم بتسليم العراق لهذا النظام لو لم تكن مبنية على الثقة المطلقة به. وهذا يفضح أكذوبة النظام التي يشيعها تضليلاً لدوره الموكول إليه أميركياً بـ(أن أميركا هي الشيطان الأكبر).

 

لقد أصبح الاحتلال الإيراني أكثر خطورة من الاحتلال الأميركي، لأن لأميركا مصالح اقتصادية تؤيد النظام العراقي الذي يعترف بتلك المصالح، وليس بالضرورة أن يصبح العراق (ولاية أميركية بالعرف الدستوري). أما الاحتلال الإيراني فهو أكثر خطورة، لأن له أهداف في (فرسنة العراق) ومحو هويته العربية عبر ما يعتبره (حاضنة شيعية)، وبالتعاون مع حركات الإسلام السياسي الأخرى التي تعد ايران بالتحرك على ( الحاضنة السنية)، لتقاسم السلطة فيما بينهما.

وبناء عليه، قزَّم المؤتمر، قضية العراق بثلاثة قرارات سنقوم بتعدادها والرد عليها بإيجاز منعاً للإطالة:

القرار الأول: رفض المؤتمر (التدخل الخارجي بشؤون العراق)، من دون الإشارة إلى التدخل الإيراني، وكأن المؤتمر بهذا القرار، اعترف بشرعية اعتبار العراق إقليماً من أقاليم الإمبراطورية الفارسية. وهذا الاعتراف كما جاء في القرار وبتشديده على (حق العراق بالسيادة والاستقلال والقرار الحر)، وكأن العراق سيبقى حراً تحت حكم وقبضة النظام الإيراني عبر(الحشد الشعبي)، الذي يمثل فصائل تابعة للحرس الثوري الإيراني. وإذا كان العراقيون في انتفاضاتهم المتتالية، وخاصة في المحافظات التي يعتبرها النظام حاضنة شعبية مذهبية له، قد تظاهروا ودفعوا الدم لتغيير هذا الواقع وإسقاطه، فهل من حق الـ(مؤتمر القومي العربي) أن يشطب بـ(جرة قرار هزيل) حق العراقيين بالتصدي وإسقاط نظام مجرم أعاد العراق إلى العصر الحجري)؟

 

القرار الثاني: (دعوة المؤتمر إلى إعادة تكوين السلطات الدستورية)!. نقول: صح النوم أخوتي في المؤتمر، وهل تحلمون بأن ما تمَّ التوافق عليه بين الاحتلال الأميركي والإيراني منذ العام 2003، سيكون غير منهج النظام الطائفي السياسي؟ وأنه من المسموح به ان تصبح (العملية السياسية) بلون أو شكل آخر؟ أليس من حق الشعب العراقي أن يختار نظامه السياسي؟ وبالله عليكم، هل أخذتم رأي الشباب العراقي المتعطشين للحرية والعيش الكريم؟ وهل تحلمون بأن ديكتاتورية (ولاية الفقيه)، وحكم من يتخذ من الدين غطاء للحكم والسياسة، سيُمطر لبناً وعسلاً على العراقيين؟ وهل تحلمون بأن من أنزل بالعراق كل المصائب والويلات، سيأتي إليه بـ(القسط والعدل)؟

 

القرار الثالث: وهو المهزلة الكبرى للأسف الشديد، جاء بالإشادة بـ(قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني) الذي اتخذه البرلمان العراقي. وهل لا تعلمون أنه كان في كل وزارة من وزارات الدولة العراقية مستشار صهيوني منذ شارك النظام الإيراني باحتلال العراق حيث اعترف المسؤولين الايرانيين بذلك حين صرحوا (لولا طهران لما احتلت أميركا كابول وبغداد)، فكان الصهاينة أكثر من تسلل إلى مفاصل الدولة العراقية؟

 

ثالثاً: حول الأبعاد اللبنانية

أصدر المؤتمر أربعة قرارات، نعتبرها تعتيماً مقصوداً على مساوئ أحزاب السلطة، وهي تؤشر باختصار إلى تبرئة تلك الأحزاب من دم يوسف. وأتت تجميلاً لوجه لبناني من أقبح الوجوه التي عرفها لبنان في شتى العصور. وإن كان الرد يحتاج إلى أكثر من مقال، خاصة أن حركة الاعتراض الشعبي على الواقع الفاسد تعود إلى ما يوازي العشر سنوات صدر فيها مئات المقالات والدراسات والبيانات.

 

ولكن ما نود الإشارة إليه في الرد على قرارات المؤتمر في هذا المجال والتي يغلِّفها غطاء التعتيم والتجهيل، أن ندعو العديد من أعضاء المؤتمر من اللبنانيين، الذين نكن لهم الاحترام أن يعتذروا للشعب اللبناني، الجائع والمقموع والمنكوب من أحزاب السلطة، وذلك تكفيراً عن سكوتهم على تشويه الحقيقة المرة أمام الأعضاء من غير اللبنانيين الذين يجهلون واقع الشعب اللبناني بعد أن عمَّت جرائم أحزاب السلطة آفاق الإعلام العربي والدولي، وصنَّفت تقارير المنظمات الأهلية لبنان في الدرجة الثانية في التخلف بعد أفغانستان.

 

ولكن فليسمح لي القارئ بتوضيح ما وصفه البيان بأن لبنان (واحة للحرية)، فنقول: لم يكن للمؤتمر أن ينعقد لولا الحماية التي وفَّرتها له بعض أحزاب السلطة، وذلك ليس لسبب آخر غير الثقة بأن المؤتمر سيعيطها صك براءة من التهم التي تطال النظام الطائفي السياسي الذي تتباهى بأنها أحد أسياده في هذه المرحلة، هذا إذا لم تكن (سيدته الأولى) استناداً إلى مباهاة أكبر المسؤولين فيها.

 

ونقول أيضاً أنه من المعيب، والمضحك المبكي معاً، أن يعتبر المؤتمر حصار الدول الخارجية قد أدى إلى (انهيار مالي واقتصادي وهدد السلم والأمن الوطني) في بنية الدولة اللبنانية. فهل الدول الخارجية، عربية وأجنبية، هي التي سرقت عائدات الدولة ونهبتها، وهل هي التي سرقت أموال المودعين خاصة أموال المغتربين وصغار المودعين من أبناء البلد ممن كانوا يشكلون الطبقة الوسطى؟

ونستطرد لنرد على أكذوبة (ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة)، لنتساءل: إذا كان هذا التوازن صحيحاً عند من أطلقه وروَّج له، فإنه كان من الواجب أن يتم طرحه على الاستفتاء الشعبي أولاً، ولكان يجب أن تتساوى أضلاعه الثلاثة بالغنم والغرم ثانياً.

 

ومن هنا أصبح من الطبيعي أن يتساءل الشعب: هل يجوز أن تُغدق الامتيازات المالية على (المقاومة) في الوقت الذي يئن فيه الشعب وجيشه من الفقر والجوع والعوز؟

 

وأخيراً إذا عاد أعضاء المؤتمر، وخاصة الأوصياء عليه إلى التبرير، سنعود إلى البرهان وكشف الأكاذيب بمقالات أخرى.

 

فهل وصلت الرسالة؟

 

 






الثلاثاء ١٣ ذو الحجــة ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / تمــوز / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حسن خليل غريب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة