عجب العجاب وطني يتسلط فيه الخونة وبعض أبنائه يرقصون لهم - الحلقة
الثانية
زامل عبد
القرآن الكريم وردَت فيه العديد
من الآيات التي تحذِّرنا من صِفة الخيانة ومن الميل إلى الخائنين أو الركون إليهم ،
أو الدِّفاع عنهم ، فالله تعالى يُبطِل خيانتهم ولا يُصلِح لهم عملًا كقوله تعالى *
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ
بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * ( النساء
: 105 ) ، وقوله تعالى * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ
وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * ( الأنفال
: 27 )
، وقوله تعالى * وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ
إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الخَائِنِينَ * ( الأنفال : 58 ) ، وقال جل علاه * وَإِنْ
يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ * ( الأنفال : 71 ) ، وقال تعالى * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ
وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * ( يوسف
: 52
) وقوله تعالى * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ * ( غافر
: 19 )
أراد الخالق جل علاه الواحد الاحد من
خلال الآيات تربية مجتمعا نظيفا خاليا من هذه الافة الخيانة ، بل تسد
كل الأبواب الموصلة إليها ، ولم يرخص الله تعالى استعمالَها حتى مع أعداء الإسلام ، وإنَّ
الأحاديث النبوية المطهرة بها ما يسد الذرائع أمام هذه الافة الخطيرة بكل أشكالها ، ما صغر منها وما كبر ، وما
قل منها وما كثر ، قال رسول الله صل الله عليه
واله خير البرية (( سيأتي على النَّاس سنوات خدَّاعات ، يُصدَّق فيها الكاذب ، ويُكذب فيها الصَّادق ، ويُؤتمن
فيها الخائنُ ، ويُخون فيها الأمين وينطِق
فيها الرُّوَيْبِضة )) ، قيل وما الرُّويبِضة
يا رسول الله ؟ قال
(( الرجل التَّافِه في أمر العامَّة ))
( رواه ابن ماجه ) ، وقوله صل الله
عليه واله خير البرية وسلم (( من تقوَّل عليَّ ما لم أقل ، فليتبوَّأ مقعده من
النَّار ، ومَن أُفتيَ بفتيا بغير علمٍ كان إثم ذلك على مَن أفتاه ، ومَن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رُشد فقد خانه
)) ، وعن أبي سعيد عن النبي صل الله
عليه واله خير البرية وسلم قال (( لكلِّ
غادرٍ لواء عند استِه يوم القيامة )) ، وفي رواية
(( لكلِّ غادر لواءٌ يوم القيامة ، يُرفع له بقدر غدره ، ألَا ولا غادر أعظم غدرًا
من أمير عامَّة )) ( رواه مسلم ) است : مؤخَّرُ الشَّخص ، حلْقة الدُّبُر
( مؤنَّثة ) ، وعن أبي حميد الساعدي قال :
بعَث رسول الله صل الله عليه واله خير البرية وسلم رجلًا من الأزد يقال له ابن اللُّتْبِيَّةِ على الصَّدقة ، فقال : هذا
لكم ، وهذا أُهدي إليَّ ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم : فحمد الله وأثنى عليه ،
ثم قال (( ما بال العامِل نبعثه ، فيجيء فيقول : هذا لكم ،
وهذا أهدي إليَّ ؟! ألا جلَس في بيت أبيه فينظر
أيُهدى إليه أم لا ؟! والذي نفسُ محمد بيده ، لا نَبعث أحدًا منكم فيأخذ شيئًا إلَّا
جاء يوم القيامة يَحمله على رقبته ، إن كان بعيرًا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تَيعِر
)) ، فرفع يديه حتى رأيتُ عفرة إبطيه
فقال ((
اللهمَّ هل بلَّغت ؟ ثلاثًا
)) ( رواه البخاري ومسلم ) تيعر :
يعَرتِ الشَّاةُ أو المعزى : صاحت
وروى أحمد في الزُّهد والمسند والبيهقي عن ابن مسعود قال (( القتل
في سبيل الله يكفِّر الذنوب كلها إلَّا الأمانة
)) ثم قال : (( يُؤتى بالعبد يوم القيامة وإن قُتل في سبيل الله
فيقال : أدِّ أمانتَك فيقول : أيْ رب ، كيف
وقد ذهبَت الدنيا ؟ قال : فيقال : انطلِقوا
به إلى الهاوية ، فينطلق به إلى الهاوية ،
وتمثَّل له أمانته كهيئتها يومَ دُفعَت إليه ، فيراها فيعرفها ، فيَهوي في أثرها
حتى يدرِكها فيحملها على منكبيه ، حتى إذا نظر ظنَّ أنه خارج ، زلَّت عن منكبيه ، فهو
يَهوي في أثرها أبدَ الآبدين )) ، ثمَّ قال ((
الصَّلاة أمانة ، والوضوء أمانة والوزنُ أمانة ، والكَيل أمانة ، وأشياء عدَّها
، وأشد ذلك الودائع )) وعن عمران بن حصين قال رسولُ الله صل الله عليه واله خير البرية (( إنَّ خيركم قرني ، ثمَّ الذين يَلونهم ، ثمَّ الذين
يلونهم ، ثمَّ يكون قوم يشهدون ولا يستشهدون
، ويَخونون ولا يؤتمنون ويَنذرون ولا يُوفُون ، ويظهر فيهم السِّمن )) ( متفق
عليه ) ، السِّمَن : البدانة وكثرة اللَّحم والشحم ، وفي العصر
الحديث يتم إطلاق مُصطلح - الطابور الخامس -
أو الخيانة العظمى على الخوَنة وأعوانهم حيث يصِف المصطلح مجموعةً من الناس
تتعامل غالبًا مع أعداء دتخليين أو خارجيين ، بغرَض التخريب والتضليل ، وإشاعةِ الفوضى
، وزعزعةِ أمور البلاد ، وتقوم أركان الخيانة العُظمى عند قيام شخصٍ بخدمة
دولة أجنبيَّة ، وتعهُّد مصالحها على حساب مَصلحة دولته التي يَنتمي إليها ، ما يؤدِّي
إلى المساس بأمن بلَده واستقراره أو الإضرار
بمركزه السياسي ، كلمة الخيانة من الكلمات
التي تلقي ظِلالًا بشعة ومُفزعة داخل النفس وذلك لأنه بمجرد ذكرها تتوارد على النفس
جرائم التآمر والقتل والجاسوسية... إلخ ، ولكنْ هناك أنواع عَديدة من الخيانات يقَع فيها الناس استهانة بأمرها ، وهم لا يُدركون
أنَّها من أبشَع أنواع الخيانة فالخيانة لها أشكال متعدِّدة نذكرها دون الخوض في التفاصيل ومنها خيانة الله ورسولِه من خلال تعدي الحدود
وتعطيلِ الفرائض ، وانتهاك الحرمات
قوله تعالى * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ
وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * ( الانفال
: أية 27 ) وخيانة الوطن عن طريق موالاة أعداء الله تعالى
ومداهنتهم ، والميل والركون إليهم قوله تعالى
* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا
الْيَهُودَ والنصارى أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ
مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * ( سورة المائدة : 51 ) ، والخيانة
في البيع والشراء والكسب غير المشروع ، بأيِّ وسيلة كانت قال تعالى
* وَآتَى الْمَالَ على حُبِّهِ ذَوِي
القربى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِيْنَ
* ( البقرة: آية 177 ) وقال تعالى
* وَلاَ تَأْكُلُوْا أَمْوَالَهُمْ
إلى أَمْوَالِكُمْ إنَّه كَانَ حُوْبًا كَبِيْرًا
* ( النساء : آية 2 ) وقال
تعالى * وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ
النَّاسِ بِالإثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ *
( البقرة : آية 188 )
يتبع بالحلقة الثالثة