شبكة ذي قار
عـاجـل










 

 لماذا تعويم مناهج (تجديد الفكر العربي) نحو العالمية؟!


من أكثر الإشكاليات تعقيداً وإيهاما هو القفز على مرتكزات الفكر ومبدأ أولوياته في التحليل المنهجي ، فضلا عن طرح الفكر المجرد بعيدا عن واقعه .. والفكر في طبيعته متنوع له مدخلاته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والتقنية والصناعية والعسكرية ونظرياتها التي لا تعد ولا تحصى في عالم الفكر والمعرفة، تتوزع على بيئات اقليمية ودولية متنوعة كل له عمقه وحقائقة الجغرافية والتاريخية .. فكيف يراد بمنهج ما يسمى (تجديد الفكر العربي) أن يُسْحَبَ إلى فضاءات عالمية بهدف 1- تشتيت الجهود وبعثرت المفاهيم 2- وإبقاء واقع الأمة بكل مضامينه الموضوعية، على حالها من التجزئة والتخلف والاحتلال الأجنبي ؟  حيث عالجها حزب البعث العربي الإشتراكي فكراً وسلوكاً وعملاً ،منذ ان وضع الحزب افكاره في الوحدة والحرية والاشتراكي حين تأسس مؤتمره الأول وإشهاره لمنطلقاته النظرية القومية، ومن ثمَ تحويله لهذه المنطلقات الى تجربة رائده في العراق عام 1968 ، كانت إنموذجاً اربك اعداء العراق والأمة بثورته التي كان الغرب والكيان الصهيوني والنظام الفارسي يخشون هذه التجربة الرائدة .. فتكالبت عليه القوى العدوانية تقودها الإمبريالية الأمريكية التي انتهت بغزو العراق بدعاوى فاسدة واسقطت نظامه الوطني.

فما الحاجة الى تجديد الفكر العربي الذي سبق وتم تحليل مضامينه في التأكيد على ان امراض الأمة لا تتم معالجتها إلا بوحدة الأمة ، ولا يمكن معالجتها إلا بحرية الأمة في استقلالها السياسي والاقتصادي، ولا يمكن معالجتها إلا بالعدالة الأجتماعية .. هذه معالجات جذرية لواقع الأمة، ولم يغفل الحزب ادوات هذه المعالجات ولم يترك حلقات المعالجات النظرية (مغلقة) بل كانت (منفتحة) على الفكر والتطور العالمي .

تجديد الفكر في فضاء (العالمية) وترك الواقع بدعوى التصحيح او التجديد هو أمر مريب .. والتساؤل هنا : هل ان التحليق في فضاءات واسعة شاسعة تتناول مناهج متعددة وتتوزع على ملفات متنوعة (فلسفيا وفكريا واجتماعيا واقتصاديا  وعولمياً) هل هو مدخل ممكن وسليم منهجياً؟ ثم ، إلى أين ينتهي منهج التجديد في فضاءات الفكر غير المتناهية، خاصة حين يحلق في متاهات هذه الفضاءات وهو منهج يدعو في ذات الوقت الى تجديد الفكر العربي؟

الضياع هو مآل هذا المنهج ويبدو ان المطلوب من (المعهد العالمي لتجديد الفكر العربي) جر منهج التجديد الى العالمية بدعوى البحث في الفكر العربي.!!

ما الذي يحدث ؟ من هي الجهة التي تدعو الى منهج العالمية التي يراد سحب الفكر العربي ورواده ومفكروه وفلاسفته وكتابه وباحثوه الى فضاءاته ومتاهاته؟

دعونا نأخذ 1- الأيديولوجيا الماركسية- اللينينية، فهي تدعو الى العالمية وتقفز على ضرورة تطور الوطنية وتطور القومية ، وكما نرى ان هذه الآيديولوجية قد فشلت تجربتها فشلاً ذريعاً وانهارت وتفككت نتيجة لفضاء العالمية . 2- ايديولوجية الأخوان المسلمين فهي تدعو الى العالمية وتقفز على ضرورة تطور (الوطنية)  وتطور (القومية) ، لكي تعوم في فضاءات عالمية من الفكر لا نهاية له ولا قرار، ومن العسير تحققها في عوالم التضادات والتناقضات وتنوعات المجتمعات البشرية. وكما انهارت الايديولوجيا الماركسية- اللينينية وتفككت ، نرى ان ايديولوجيا الاخوان المسلمين تعيش في مأزق، كما إنها تعيش في أزمة فكر وأزمة تنظيم وفقدت جميع أطرها التي بنتها منذ (محمد عبده وحسن البنا) ولحد الآن .

الدولة الوطنية والدولة القومية .. كيف نفهمهما ؟ :

فإذا كانت الدولة (القومية) قد بنت كياناً (جغرافياً) تمهيداً للتوحد (القومي) ، مثل ما فعلته المانيا وايطاليا في اوربا، ثم توسعتا في المجال الحيوي خارج الجغرافيا السياسية للدولة القومية .. هذا الأمر لا ينطبق اطلاقاً على وضع الأمة العربية .. فجغرافية الأمة معروفة من المحيط الأطلسي الى الخليج العربي، متكاملة المقومات اللغوية والسكانية والتاريخية وقوميتها عربية تتآخى معها قوميات واقليات عرقية ودينية عالجها فكر البعث العربي الاشتراكي معالجة فكرية وعملية محسوبة – لقد ترك البعث للشعب العربي في كل ساحة عربية قراره في إنهاء (التجزئة) التي فرضها الاستعمار بين الاقطار العربية ، وذلك بطريقة 1- (التكامل الاقتصادي) 2- وتلاحم (التنظيمات الجماهيرية المهنية والاتحادية والطلابية العربية) ، حيث ينتهي الأمر ببناء دولة الوحدة على وفق مقومات يؤمن بها الجميع، والتي تتشكل تمثيلياً من كل ممثلي الاقطار العربية في مجلس اعلى يتولى نظام التناوب في الرئاسة لإدارة الشؤون الخارجية وتصريف الشؤون الداخلية .. وهذا النظام كما أتصوره شخصياً ، يعزز كيان الامة ويحفظ للأقليات القومية والدينية حقوقها، كما حصل مع الكرد في العراق عن طريق الحكم الذاتي وفي ظل قوانين الدولة وتشريعاتها الدستورية .. وإذا قارنا حالة التوحد الالماني والتوحد الايطالي فهي تختلف جذرياً عن نظام التوحد العربي، الذي يعمل عليه حزب البعث العربي الاشتراكي، إذ ليس هناك من طموحات قومية في التوسع الاقليمي خارج اطار الجغرافيا السياسية للأمة العربية، وهو اطار معلوم من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي .. فلا مجال للمقارنة بين الدولة (القومية) العربية في واقعها، والدولة (القومية) الايطالية والالمانية في واقعهما الاوربي المنفتح في الحربين الاولى والثانية .. والحديث عن هذا الامر مخاتلة واضحة يكرسها (الاخوان المسلمون) في اطروحاتهم الغامضة صوب العالمية وعدم الاعتراف بالدولة (الوطنية) ولا بالدولة (القومية)، إنما فقط بالدولة (العالمية) التي تذوب – حسب زعمهم – كل حكومات العالم في حكومة واحدة في دولة اسلامية واحدة .. وهذا لن يتحقق ابداً ولن يحصل .!! فالدولة (الوطنية) المستقلة والمستقرة القوية القائمة على العدالة تعد خطوة اساسية نحو (الدولة القومية) الموحدة وليس هناك من مساعي او طموحات في ما يسمى بالتوسع الذي مارسته ايطاليا والمانيا في المجال الحيوي والاستعماري الغربي. .. فالقفز على الدولة (الوطنية) والقفز على الدولة (القومية) نحو (العالمية)، هو منهج اخواني مريب يتبناه (معهد تجديد الفكر العربي) هدفه اشغال الامة بقضايا لا خلاصة فيها وتبعثر قواها وتجرها الى متاهات الفوضى.. فبدعوى التجديد يتم العمل على سحب الفكر العربي ومفكروه الى متاهات لا نهاية لها تصب في جعبة اعداء الأمة..!!

د. أبا الحكم

10/06/2022    

 






الاثنين ١٣ ذو القعــدة ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / حـزيران / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة