شبكة ذي قار
عـاجـل











( البعث امّا أن يكون قومياً أو لا يكون)

القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق

محمد عثمان ابو شوك


تميز حزب البعث العربي الاشتراكي منذ تأسيسه بالنضال من اجل وحدة الامة العربية على أسس جديدة تقوم على النضال الثوري  للجماهير العربية  فى كامل الوطن العربى.  وقد جسد ذلك في ربطه الجوهري بين قضية التحرر من الاستعمار والهيمنة الاجنبية مع التحرر الاجتماعي  من الاستغلال الاقتصادي، فأكسب قضية التحرر السياسي بعداً جماهيرياً هائلاً.

لذا فقد تميزت دعوة البعث للوحدة العربية عن غيرها، بكونها الدعوة الوحيدة التي قرنت التبشير والنضال من اجل الوحدة العربية بوعاء نضالي موحد، وضع القضية العربية لاول مرة ، ككل واحد .

 وكان من أهم ما عمل عليه البعث هو تحقيق التغيير في الامة بدءً من اعضائه انفسهم وذلك عن طريق تحقيق الانقلاب على الواقع الفاسد وممارسة الواقع الجديد المنشود في نمط سلوك وخُلُق البعثي نفسه كي يستطيع تحقيقه على نطاق اوسع في امته.  وقد أشار القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق الى ذلك فى فبراير 1949 قائلاً: ((الحزب الحقيقي، الذى يمكن أن يؤدى رسالة فى العصر الحاضر للامة العربية، هو الذى يجعل هدفه خلق أمة او بعثها شريطة أن يحقق هذا الوصف فى نفسه أولا، أي أن يكون هو أمة مصغرة للامة الصافية السليمة الراقية التي يريد بعثها )).

وغني عن القول أن اول شروط بناء مثل هذا الحزب هو أن يكون حزبا منَظّماً على نطاق الوطن العربى كله وأن تتحقق فى المنتسبين إليه شروط الانقلاب الكامل على واقع الفساد التجزئة و التخلف  التي تسود وطننا العربى. وبالتالي فقد تأسس البعث على قيم اخلاقية و مبدئية وقواعد فكرية وتنظيمية منسجمة مع ما يناضل من اجله.

كما أوضح القائد المؤسس فى حديثه للبعثيين فى مدينة حمص فى 23 فبراير 1950 معنى انقلابية البعثي على الواقع الفاسد و التخلف واهميتها في تحقيق التغيير المجتمعي المنشود بالقول: (( إن انضمام الافراد إلى حزب البعث العربى ، لا يعنى خروجهم من الواقع الفاسد و تهيؤهم لمحاربته و الظفر عليه إلا إذا تجسدت الروح الانقلابية في فكرهم و سلوكهم ، فإذا لم يتحقق هذا الشرط الأساسى بقى انفصالهم عن الوسط الخارجي شكليا و انتماؤهم إلى الحركة الانقلابية سلبيا ، إذ لامعنى لمبادئ يعتنقونها و لا يتحملون تبعاتها و منطقها العملي الدقيق. ليس البعث العربى مدرسة فكرية حتى يكتفى بإعلان حقيقة آمن بها، وإنما هو حركة رسالتها النضال فى سبيل ظفر هذه الحقيقة)).

ولأن وحدة الامة العربية هي اولى الاهداف التي يسعى الغرب الاستعماري الى منعها وخاصة منذ اعلان مؤتمر كامبل بنرمان، الذي  انعقد في لندن عام 1905 - 1907، وضم ممثلين عن الدول الاستعمارية وهي : بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، و إيطاليا إلى جانب كبار علماء التاريخ والاجتماع والاقتصاد والزراعة والجغرافيا والبترول، وانتهى بوثيقة سرية سموها "وثيقة كامبل"  نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان والتي نصت على ضرورة تقسيم الامة العربية.  ويعد هذا المؤتمر وما تمخّض عنه أخطر مؤتمر انعقد لتدمير الأمة العربية إذ كان هدفه اعاقة توحد الوطن العربي وإسقاط نهضة الامة العربية وضمان عدم استقرار المنطقة.

فقد استعرض المؤتمر الأخطار التي يمكن ان تنطلق من المستعمرات التابعة للدول المشاركة فيه، واكد على أن (( مصدر الخطر الحقيقي يكمن في المناطق العربية ، لا سيما بعد ان أظهرت شعوبها يقظة سياسية ووعياً قومياً ضد التدخل الأجنبي والهجرة اليهودية )). مشيراً الى ان ((خطورة الشعب العربي تأتي من عوامل عدّة يملكها هي: وحدة التاريخ واللغة والثقافة والهدف والآمال وتزايد السكان. اضافة الى عوامل التقدم العلمي والفني والثقافي)). ورأى المؤتمر ضرورة العمل على استمرار وضع المنطقة العربية متأخرا، وعلى ايجاد التفكك والتجزئة والانقسام وإنشاء دويلات مصطنعة تابعة للدول الأوروبية وخاضعة لسيطرتها. ولذا أكدوا فصل الجزء الأفريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي، وضرورة إقامة (الدولة العازلة (Buffer State تكون عدوّة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية. وهكذا قامت دولة الكيان الصهيوني.

لذلك فإن اول ما يستهدفه أعداء البعث و رسالة الامة المتجددة وجماهيرها المناضلة وقواها الحية، هو ضرب الأساس الفكري للبعث المتجسد فى نظريته التنظيمية الوحدوية المتمثلة في وجود : وعاء تنظيمي واحد فى كل أجزاء الوطن العربى تقوده قيادة واحده  ينتخبها مؤتمر قومي يمثل مناضلي البعث فى كامل تراب الوطن العربى وهو ما شدد عليه القائد المؤسس بالقول الفصل (( البعث اما ان يكون قوميا او لا يكون )).

 لذلك نجد ان كل محاولات  تصفية البعث سعت لاستخدام هذا المعول لهدم بنية البعث و أساس بقائه موحَّداً صلباً فى مواجهة أعداء النضال الجماهيرى على مستوى الوطن العربى. والهدف الاساسي هو ضرب رمز وحدة الامة وعقيدتها الوحدوية.

إلا أن كل تلك المحاولات لضرب البعث واستهدافه اصطدمت دائما بتمسك مناضلو البعث بعقيدتهم الفكرية والتنظيمية حتى فى أصعب الظروف، فخسر كل من استهدفهم وبقي البعث صامداً صلباً تغذيه التجارب وتجدده الدروس والعبر.

وكان من اشرس ما تعرض له البعث هو استهدافه بعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003، الا انه انطلق كالعنقاء من رماد الاستهداف والاجتثاث والقتل المنظم والتصفية الجسدية والمعنوية والتضحية بما يزيد عن 160 ألف بعثية وبعثي فى العراق وحده، ليكون البعث رأس الرمح والعمود الفقرى لحرب تحرير العراق من الغزاة واستطاع عمليا هزيمة الجيش الأمريكي المحتل وإجباره على الخروج من العراق في سابقة تاريخية بانطلاق المقاومة المنظمة والواعية مباشرة بعد انتهاء المواجهة العسكرية . لم يحدث ذلك صدفة، بل نتج عن قدرة البعث وحيويته على إعادة تنظيم نفسه وبناء هيئاته الحزبية والجماهيرية بجهود مباشرة من قيادة الحزب القومية والقطرية لاستيعاب المرحلة النضالية الجديدة من خارج السلطة  ولمواجهة اوسع تحالف استعمارى احتلالى. ورغم فقدان الحزب لأمينه العام الشهيد صدام حسين، ومن بعده الرفيق عزة ابراهيم رحمهما الله،  وفقدانه لعدد من قيادتيه القطرية والقومية  إلا أن البعث فى العراق وعلى امتداد الاقطار العربية بقي وسيبقى عصيّا على الاجتثاث.

فلم يوقف احتلال العراق ومحاولة اجتثاث البعث فيه وعلى مستوى الوطن العربى، نمو الحزب لا فى العراق ولا الوطن العربى.. فلقد توسع وانتشر البعث فى اقطار كان فيها محدود التأثير  ليصبح بعد 2003 قوة مؤثرة وفاعلة سياسياً واجتماعياً تجلت فى تفاعل الجماهير العربية مع تنظيماته وطروحاته وشعاراته في كل الاحداث التي شهدها الوطن العربي فلقد افرزت تلك الاحداث وعياً متقدماً فى قطاعات واسعة من الجماهير العربية بالنضال من اجل الديموقراطية وتحقيق دولة الرعاية الاجتماعية، ومحاربة الفساد وغيرها. هذا الوعي المتطابق مع رؤية البعث وتحليله للأوضاع السياسية والاجتماعية فى الوطن العربى، جعل القوى المعادية للبعث والامة العربية تصعِّد من محاولاتها للقضاء على البعث لاقتلاع هذا الوعي القومي الثوري من جذوره دفاعاً عن مصالحها ومطامعها و حلفائها من قوى الانحطاط . غير أن رد البعثيين عليها كان التمسك بالأسس الفكرية و التنظيمية للبعث و فى مقدمتها وحدة الحزب قومياً و قطرياً تحت قيادة قومية واحدة تمثل البعث الذى يحقق وحدة الامة فى نفسه قبل أن يحقق وحدة الامة التي يدعوا لها على صعيد الوطن العربى.

 

لكل ذلك، حرص البعث على وحدته التنظيمية بقيادة قومية واحدة، مجسِّداً ما ورد في نظامه الداخلي الذي اكد على ذلك ، حيث نصت العديد من مواده على شرح وتوضيح هذا الامر من كافة جوانبه. وسنستعرض فيما يلي بعض المواد والنصوص الواردة في النظام الداخلي حول هذا الموضوع :

المادة 5:

 تنص المادة على ما يلي :( تتمتع القيادات العليا (قيادات الأقطار والقيادات القومية) بكامل الصلاحيات في غياب المؤتمر، وتكون مسؤولة مسؤولية ثقة أمام مؤتمراتها عند انعقادها.) وعليه فلا يمكن مساءلة أي قيادة إلا من المؤتمر الذي انتخبها او من القيادة الأعلى منها في السلم التنظيمي، وبهذا المعنى فإن قيادة الحزب القومية مسؤولة فقط امام المؤتمر القومي.

المادة 6:

تنص المادة على ما يلي :( تتحقق المركزية بخضوع الأقلية للأكثرية، والقيادات الدنيا للقيادات العليا.) . وهذا يعني ان خضوع القيادات الدنيا للقيادات العليا هو ممارسة للديموقراطية المركزية بالدرجة الأولى، لأن القيادات العليا يتم انتخابها من قاعدة حزبيه تشمل كل القيادات الأدنى منها، وبطبيعة الحال فإن القيادة القومية هي الاوسع تمثيلا لكونها منتخبة من مؤتمر يمثل كل قيادات الحزب الأدنى منها في عموم الوطن العربي.

المادة 13:

 تنص المادة فيما يخص واجبات العضو وحقوقه على ما يلي :  (يلتزم العضو العامل بما يأتي:

1-      النضال وفق منهاج الحزب وخططه لتحقيق أهدافه وقرارات مؤتمراته وتوصياتها وتنفيذ جميع قرارات وأوامر المنظمات الحزبية المختصة بكل دقة وأمانة.

2-      عدم مناقشة القرارات والتعليمات والأوامر الواردة في الفقرة (1) إلا في جلسات نظامية وضمن التسلسل الحزبي وبعد أداء واجبه في تبنيها وتنفيذها بأمانة.

3-   الالتزام بسياسة الحزب وتنفيذها والتمسك بقواعد النظام الداخلي والعمل على صيانة وحدة الحزب وسلامته والمحافظة على أسراره بدقة تامة.

4-      تبني جميع مواقف الحزب وهيئاته المختصة والدفاع عنها بأمانة وإخلاص).

وعلى الرغم من أن القيادة القومية لم ترد هنا نصّاً، إلا ان التزام البعثي بهذه الواجبات يشمل في اطاره أيضا التزامه بقرارات وسياسات قيادة الحزب القومية  باعتبارها القيادة الأعلى في التسلسل التنظيمي. فلا يمكن تصور أن يكون البعثي ملتزماً ومنفذاً لقرارات قيادة قطر او فرع ومخالفاً في نفس الوقت لقرارات القيادة القومية.

• المادة 35:

تنص  على ما يلي:  (القطر هو منظمة الحزب التي بلغت مستوى قيادة قطر على ألا تقل عن فرعين او ما يعادلهما من حيث عدد الأعضاء وفقا لهذا النظام، ويكتسب وجوده الشرعي بعد موافقة القيادة القومية.)، وهذا يعني ان النظام الداخلي يعطي صلاحية قاطعه للقيادة القومية في البت في شؤون الأقطار او قرارات أي قيادة أدني وذلك انطلاقا من شرح وتحمل مسؤولية قراراتها امام المؤتمر القومي. 

المادة 39:

 في مجال مهام القيادة القطرية، تنص الفقرة (11) على : (تلقي توجيهات وقرارات القيادة القومية والعمل على تنفيذها.)  وهذا يعني ان قرارات القيادة القومية يتوجب تنفيذها فورا دون أي تلكؤ، ولا سبيل إلى الغاء هذه القرارات والتوجيهات سوى القيادة القومية نفسها او المؤتمر القومي الذي يلي اصدار مثل هذه القرارات او التوجيهات.

  المادة 40:

 تنص الفقرة ( 4 ) التي تتناول واجبات امين سر قيادة القطر على: (القيام بمهام الاتصال بالقيادة القومية بشأن جميع الأمور الحزبية.) وهذا يعني ان شرعية اي قيادة تستمد من عرض شؤون تنظيماتها على القيادة القومية.

  المادة 41:

تنص على ان : (المؤتمر القومي، هو أعلى هيئة في حزب البعث العربي الاشتراكي ويضم جميع تنظيماته في داخل الوطن العربي وخارجه) . وهذا يعني ان قرارات القيادة القومية هي قرارات هيئة قيادية منتخبة من اعلى هيئة فى حزب البعث العربى الاشتراكي وهي المؤتمر القومي، وبالتالي فانها الجهة العليا في الحزب لاصدار القرارات بين مؤتمرين.

  المادة 44:

 تنص على ان: (القيادة القومية هي أعلى هيئة قيادية في الحزب في غياب المؤتمر، وتتحدد مهاما في مجال الفكر ورسم إستراتيجية نضال الحزب وسياسته القومية والنضال على الساحة الدولية والإشراف على التنظيم القومي دون الدخول في التفاصيل إلا فيما يشكل انعكاسا على وحدة الحزب). واستطراداً للمادة (42)، فمن حق القيادة القومية الاشراف على التنظيم الحزبي قومياً والتدخل فى تفاصيل عمله إذا ما رأت ما يشكل فى هذه التفاصيل انعكاساً على وحدة الحزب.

  المادة 61:

 في مجال العقوبات الحزبية، تنص الفقرة(4) على : (توقع القيادة القومية أية عقوبات حزبية ترتئيها لحفظ امن الحزب وسلامته).

المادة 73:

 تتناول صلاحيات البت في عودة من ترك او فصل من الحزب ، حيث تنص على :  (كل من يترك الحزب، او يفصل منه، لا يعاد إليه إلا ضمن الشروط المنصوص عليها في أحكام هذا النظام، وإذا رأت القيادة المختصة غير ذلك، فتحيل أمر البت في طلب العودة الى القيادة القومية).

المادة78:

تتناول الفقرة  رقم (1) مرجعية تفسير النظام فتنص على ان : (  القيادة القومية هي المرجع الأخير في تفسير أحكام هذا النظام وعلى مسؤوليتها اللاحقة أمام المؤتمر القومي). وهذا يشير بوضوح الى  ان القيادة القومية وحدها هي صاحبة الحق فى تفسير احكام النظام الداخلي و تطبيقها على واقع العمل الحزبي فى منظمات الحزب فى مختلف الأقطار . 

وهكذا فقد حدد النظام الداخلي واجبات و صلاحيات  قيادة الحزب القومية ، وذلك لضمان متانة وحدة الحزب وكفاءة تنظيماته وهيئاته في تحقيق اهدافه النضالية، ولكون القيادة القومية تمثل التكريس العملي لنظرية الحزب الوحدوية الديموقراطية .

 وسوف نبقى نستلهم ونستنير بقول مؤسس البعث الرفيق احمد ميشيل عفلق القائل: (إن القيادة القومية هي القيادة الحقيقية للحزب.. لأن البعث حزب وحدوي وقيادته واحده. فى القيادة القومية تطرح المصلحة العليا للامة العربية، أما فى القيادات الأخرى فقد تطغى المصالح الإقليمية، وبقدر ما تخضع القيادة القطرية للقيادة القومية، بقدر ما يكون وجودها مشروعا).

 






الاحد ١٢ ذو القعــدة ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / حـزيران / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد عثمان ابو شوك نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة