شبكة ذي قار
عـاجـل










ولادة البعث من رحم العروبة

زينب علي

 


شهد القرنان الثامن عشر والتاسع عشر ظهور الدول القومية في أوربا، بينما الوطن العربي في تلك الفترة عانى من الهيمنة السياسية الأوربية واحتلالها الطويل، الذي انتهى بتجزئة الوطن العربي، غير أن أخطار الهيمنة العقائدية كانت أكبر، لأنها اتجهت إلى الإنسان وتاريخه.

لم يقتصر أثر المرحلة الاستعمارية على الجوانب العامة للحياة العربية، فلم يتوقف عند صنع التجزئة واستغلال الأمة وفرض الجهل والفقر والتخلف، إنما امتد إلى حد إعداد جيل عربي يعتنق حضارة أوربا وعقائدها، ويعتنق أفكارها ونظرياتها ويحدد تطلعاتهم الفكرية ويشكل وعيهم، فالخطر الثقافي كان كبيراً لأنه لم يوقف وعي المجتمع إنما شوه اتجاهاته.

لكن الأمة العربية لديها تراث عظيم شامل لجميع الجوانب، أصبح أداة حفز اجتماعي عبر التاريخ العربي مد الأمة بمقومات الاعتزاز بالذات وعزز ثقتها بنفسها وبمبادئها وأثار فيها الشعور بالمسؤولية التاريخية، وألهمها صيغ الثورة والتجدد. وقد اكتشف حزب البعث العربي الاشتراكي هذا البعد الثوري في التراث فاستمد منه أسس النشأة وعبر عنه بمبادئه.

إذن العروبة تتمحور بأبعاد ستة، الوحدة في مواجهة التجزئة، والمشاركة الشعبية في مواجهة الاستبداد، والاستقلال الوطني في مواجهة التبعية، والتنمية في مواجهة التخلف، والعدالة الاجتماعية في مواجهة الفجوات بين مكونات المجتمع، والتجدد الحضاري في مواجهة التغريب والأسر للماضي.

العروبة هي امتداد حضاري تاريخي، ورابطة تتصل بالثقافة المشتركة من تبادل المعرفة والأدب والفن والعلم والتراث، وهي رابطة موضوعية لا يمكن إنكارها، ووفقا لهذا المنظور فالعروبة رابطة وجدانية وشعورية وإنسانية جامعة وهي ليست ثابتة بمعنى سكونية بل متطورة وحركية، هي أرخبيل مفتوح تتفاعل مع غيرها وتؤثر فيه وتتأثر به ارتباطاً بالتطورات الكونية والأمر ينطبق على جميع الهويات.

العروبة كهوية انتماء ثقافي حضاري بدأت مع ظهور الإسلام ومع ارتباط اللغة العربية بالقرآن الكريم وبنشر الدعوة بواسطة رواد عرب، فالعروبة هي إضافة حضارية مميزة أوجدها الإسلام على السمة العربية كلغة نتيجة ارتباط الإسلام بالوعاء الثقافي العربي ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.

إن العروبة هي حالة انتماء إلى مضمون حضاري مميز بعلاقته مع اللغة العربية، وتقوم على قاعدة الثقافة العربية، وتلبية لتطلعات وحاجات الأمة العربية إلى التغيير الشامل، تأسس حزب البعث كحركة سياسية أصيلة من رحم العروبة ومن واقع حي، لأن أساس وجوده هو الحاجة للتغيير والحلم بواقع جديد والتطلع إلى ما هو أفضل وأكثر استجابة لضرورات العصر، وتعبير عن حاجة الأمة لمثل هذا الفكر واستعدادها لقبوله، واستجابته وطموحاتها.

إن حزب البعث العربي لم يكن مصطنعاً أو سطحياً أو جاء نتيجة لموقف سياسي عابر، أو لرغبة لدى فئة معينة في ولوج مضمار العمل السياسي أو لمصلحة فئوية محدودة، أن ما يميز حزبنا أنه يعبر عن سياق تاريخي موضوعي مرتبط بصيغ تنظيمية تعبر عن أصالة فكرته وتطلعات الجماهير العربية.

فالبعث تمثل الروح العربية والتاريخ العربي الحي ورسالة العروبة وتجلت هذه الأهداف من خلال مواقفه النضالية المعروفة.






السبت ٧ رمضــان ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / نيســان / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زينب علي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة