شبكة ذي قار
عـاجـل










لماذا لا يتعامل الغرب مع قضايا الاحتلال في الوطن العربي مثلما يتعاطى مع اجتياح أوكرانيا؟


في الزمن المعاصر برزت عدة قضايا مهمة حول تغلغل النفوذ الأجنبي في أراضي الوطن العربي، منها الاجتياح العسكري الأمريكي للأراضي العراقية بحجج باطلة والذي مهد للتدخل الايراني في جميع مفاصل الدولة. وشمل هذا التغلغل الايراني أيضا أراضي عربية اخرى مثل سوريا ولبنان واليمن، في محاولة من نظام الملالي لإحياء الامبراطورية الفارسية التي عفا عليها الزمن. ويعتبر الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية من أسوء حالات الاجتياح الأجنبي لأراضي الغير والذي بدأ عام 1948 بقضم حوالي 55 % من الاراضي الفلسطينية ثم تمدد بعدها تدريجيا ليشمل السيطرة على حوالي 95 % من تلك الأراضي الفلسطينية.

 وفي سوريا كادت الثورة الشعبية أن تطيح بالنظام المتهاوي لحكومة بشار الأسد، لولا تدخل روسيا عام 2015 بكل ثقلها العسكري بعد أن حصلت على مباركة أمريكا لهذا التدخل حسب اتفاق كيري ـ لافروف السري والذي فضحته التسريبات الاعلامية التي ظهرت مؤخرا.  وحسب هذا الاتفاق تم أطلاق يد الروس في سوريا وتنظيم العمليات العسكرية بين الأمريكيين والإسرائيليين على الأرض السورية، بالإضافة إلى تقسيم الثروات السورية بين الغزاة. ومنذ ذلك الحين والطائرات الروسية تستهدف المناطق المدنية حصراً بحجة مقاومة الارهاب، ولم تسلم من هذا القصف الوحشي حتى المستشفيات ورياض الأطفال. ونقل عن وزير الدفاع الروسي تبجحه بقساوة هذا التدخل العسكري لبلاده الذي جعل من الساحة السورية حقل تجارب لتدشين حوالي 350 نوع جديد من الأسلحة الروسية الحديثة.

لذا فان السوريين يعتبرون روسيا العدو الأول لثورتهم والداعم الأقوى للنظام، الذي أذاقهم الويلات ودمر بلدهم وشردهم من بيوتهم ومحافظاتهم وقتل الآلاف منهم. هذا وقد اعترف وزير الخارجية الروسي بأهمية هذا الدعم لبلاده، الذي غبر عنه بقوله: " لولا روسيا لسقط النظام السوري خلال أسابيع". والجميع يعرف أن التدخل العسكري الروسي لم يكن هدفه محاربة داعش، كما زعم الرئيس بوتين قبيل الغزو، بل كان هدفه الأول والأخير القضاء على كل مناطق المعارضة للمقاومة الوطنية ضد النظام الحاكم. وقد عاونه في هذا الدور التخريبي التدخل العسكري الايراني وميليشياته الولائية.

ونحن لا ننسى بأن أوكرانيا كانت من دول العدوان المشاركة بقوات عسكرية في الغزو الذي حصل على العراق في عام 2003، وسبق لرئيسها المتصهين ان زار الاراضي الفلسطينية المحتلة وأبدى انحيازه الكامل لإسرائيل ضد الفلسطينيين، الا أن ذلك لا يمنع من التعاطف مع قضية الشعب الأوكراني في دفاعه المشرف عن أراضيه ضد الغزو الروسي. لأن هذا التدخل العسكري في الأراضي الأوكرانية يعتبر من حيث المبدأ منافيا لمبادئ القانون الدولي الذي يؤكد على تجنب حل النزاعات بين الدول بالطرق العسكرية. علما أن الحكومة الاوكرانية كان بإمكانها تجنب ويلات هذا الصراع على شعبها لو انها أدركت الوضع الجيوسياسي الحساس لهذه الدولة كونها كانت جزءا من الاتحاد السوفييتي السابق. وبالتالي كان عليها ان تتخذ موقفا محايدا مثل دولة فتلتدا، بدلا من الانحياز الكامل الى جانب المعسكر الغربي الذي اعتبرته الحكومة الروسية بمثابة تهديد لأمنها الوطني.

لكن الملفت للانتباه في هذا الصراع الروسي الأوكراني هو الحجم الكبير من المساعدات العسكرية واللوجستية التي يعمل الغرب على تقديمها الى المقاومة الأوكرانية من أجل التصدي للغزو الروسي ومحاولة افشاله، بالرغم من أن أوكرانيا ليست عضوا في الحلف الأطلسي العسكري ولا تمتلك بعد العضوية الرسمية في الاتحاد الاوروبي. ناهيك عن أن دولا أوربية عديدة فتحت أبوابها على مصراعيها لاستقبال اللاجئين الاوكرانيين الذين تجاوز عددهم لحد الان أكثر من ستة ملايين لاجئ.

أما في العراق الذي تمر عليه حاليا ذكرى مرور 19 عاما على الغزو الأمريكي وحلفائها، لم يجد في حينها أية تعاطفا مماثلا من الدول القريبة أو البعيدة ضد هذا الغزو، بل على العكس من ذلك تكالبت عليه الدول من كل صوب لتزيد في محنته ايلاما. ولم تتلقى مقاومته الباسلة ضد الاحتلال الأمريكي أية دعم حتى من الدول اتي كانت تعتبر صديقة لأن الأمريكان حرموا عليهم تقديم مثل هذا الدعم. وبالرغم من هذه الظروف الصعبة والامكانيات العسكرية البسيطة نجحت تلك المقاومة الوطنية في اجبار القوات العسكرية الأمريكية على الرحيل من العراق عام 2011 بعد أن كبدتها الاف القتلى والمعوقين. كما أن المقاومة السورية ضد الغزو الروسي والمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني هي الاخرى قد تعرضت الى تجاهل دولي تام من أجل عيون اسرائيل وتجنب اغضاب الدب الروسي.

ان هذه الازدواجية في التعامل مع حالات الاجتياح لأراضي الغير من قبل دول تدعي الدفاع عن مبادئ الديمقراطية وأحقية الشعوب في التحرر والعيش بسلام تثير الكثير من التساؤل عن مدى جدية هذه الدول في الايمان بتلك المبادئ.. بل أن مثل هذه الانتقائية في التعامل مع حالات الاحتلال لأراضي الدول الأخرى ربما تدل على الانتهازية السياسية التي تنتهجها تلك الدول لخدمة مصالحها الذاتية وليس لغرض تحقيق العدالة في استقلال الشعوب كما تصرح به أحيانا.

أ.د. مؤيد المحمودي    

20/3/2022






الاثنين ١٨ شعبــان ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢١ / أذار / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة