شبكة ذي قار
عـاجـل










إلى البعثيين ومن على دربهم. 

 إلى تيار الوعي القائد المؤمن بالعروبة والإسلام، إلى من ظلّت معركتهم الأولى مع أنفسهم اللّوامة كحال أهل الإيمان، يعملون ويتعلّمون، يخطئون ويتوبون، إلى المطمئنون إلى أنهم دعاةٌ للحق لا يَضُرّهُمْ من ضلّ إن اهتدوا وكانوا بمبادئهم يؤمنون، ولا يُوقِف مسيرتهم من شغلته الدنيا فخانْ العهد أو تعثّر فسقط.. ففارق دربهم.

أنتم أيها البعثيون لم تكونوا قط مجرد مجموعة مناضلين ومفكرين ومصلحين، ولستم ثلة خبراء أو منبر علماء أو حِلف تِجار، لقد كنتم كل ذلك ويزيد ... كنتم وما زلتم دعاةً ولم تكونوا قضاة!، دعاة اعتدالٍ واستنارةٍ وأصحاب همةٍ وبأسٍ وحكمة. 

 أنتم حركة تجديدٍ فكري وإصلاح مجتمعي، لها كيانها المتّنوع والممتد وهياكلها.. بدأتم قبل أكثرَ من خمسة وثمانين عاماً، حركةً تَضُمّ صفوة الصّفوة وقلةٍ من رجالٍ ونساءٍ جَمع بينهم الإيمان وروح المبادئ، تعاونتم فأنتجتم أفكاراً عظيمة ومشروعاً نهضوياً عربي، وبفضلكم غدا المجتمع العربي واسعاً، وكياناً لم يَحْدُهُ الزمان أو المكان ولا الوسائل والآليات.. فبفضلِكم أنتم من ثبّتم الأخلاق والقيم العربية الأصيلة في المجتمع العربي، فأشعتم فيه المعرفة بصحيحِ الدَّينِ وأكد البعث أنه مع الإيمان وضد الإلحاد، وجعلتم الرذائلَ منبوذةً، وعمرتم بيوت الله وشيدَّتموها في طول البلاد وعرضها ... وفتحتم أعين أجيال شبّت على الحق والخير وعلِمت الحلال والحرام وَوعت بالحقوق والواجبات.

وأنتم من أكَّد حب الوطن ومعنى الوطنية فعلاً لا قولاً، ليس نصرةً لجهة ولا حميةً لقبيلة ولا حظّ نفس، فحين بلغت القلوب الحناجر وَاسْتُبِيحَتْ حدودنا الشرقية وسُفكت الدماء ودُنِّستِ الأرض، نَفرتم ضد جيوش الظلام الصفوية.

أيها البعثيون الأماجد حكمتم أكثر من ثلاثة عقودٍ وحافظتم على بلادكم بجهدكم وجهادكم، وبدماءِ خياركم

 لقد أخرجتم الحُكم والحُكام من بغداد لسائر العراق فَوُزِّعْتُمْ السُلطة والموارد والخدمات ما وسعكم في هذا الوطن العريض واحترمتم أهله، لقد حَرَستُم الثغور وشيّدتم المدارس والجامعات والمستشفيات وَعَبَدْتُمْ الطرق والدروب واستخرجتُم البترول ومددتم شبكات الاتصالات، لقد وفرّتم الماء حتى نَبْت الزّرعُ ودرَّ الضَّرعُ، وبنيتم المصانع وطوّرتم المدن التي ضجّت بالحياة والعمران وتغيّرت بفضل همّتِكم حياة الناس..

أنتم دون غيركم وبرغم الجِراح امتلكتم الشجاعة واحترمتم خيار أخوتكم في شمال العراق بمنحهم الحكم الذاتي، فلا تأبهوا لفاشلٍ مِحْجاج يُبْخِسّن عَمَلكم، فمن خَلَفُوكم الآن فشلوا حتى في الحفاظ على ما أوجدتموه من العدم، وأَعملوا يد الخراب في كل ساحةٍ ومحلٍّ ومجال.. فثقوا بأنفُسِكم، ولا يَضِرْنَكُمْ ما يقوله البعض فيكفيكم أن الله يعلم والتاريخ حتماً سينصفكم وقد علِم بَذْلكُمْ وتضحياتكم وقد لوّنته دماء آلاف الشهداء.

بِلادٌ ماتَ فِتيَتُها لِتَحيا

وَزالوا دونَ قَومِهِمُ لِيَبقوا.

 أنتم من أثريتم قاعات الدرس والحلقات النقاشية والمؤتمرات مُدارسةً ومثاقفةً وَتَفَكُّرًا ،ولم تكن الثقافة لديكم محضُ شعرٍ ولا دِنَّ وعودِ وتثني، ولم يكن جمعُكُم إلا تفقداً لأحوال بعضكم والناس،  وتدبيراً لشؤونكم وشؤونهم، مع علمٍ يُبذل وَرَأْي يُطرح وشورى تُعمل ،حتى غدا العراق، عراق الأخيار والصالحين والوطنيين والعقلاء والبواسِلِ، وحين شاء الله أمراً آخر نَزَع عَنْكُمْ السُلطان، ولعّله تعالى عَلِم أن فيكم ضَعَفاً فخَفَف عنكم المسؤولية ولم يرفع عنكمُ التكليف وفتح لكم السُّبل لتعودوا إلى منبع قوّتكم الذي شَغَلَكم عنه السلطان إلى الدعوة والمجتمع ، فإنه لا  يَضْعُفُ أهل الفكرة ويقلُ عطاؤهم إلا حين يَشَغْلهُم عنها شاغل ، ولو عَلِم أعداءكم خَطر الحكُمِ عليكم لتركوكم فيه مشغولون بالسلطة وأمورها والناس وتدبير شؤونهم عن أنفسكم وفكرتكم ودعوتكم، فأنتم: 

شبابٌ لمْ تُحطِّمهُ الليالي..

ولمْ يُسلمْ إلى الخصم العرينا

ولم تشهدُهُمُ الأقداحُ يوماً ..

وقد ملأوا نواديهم مُجونا

وقد دانوا بأعظَمِهِمْ نِضالاً ..

وعلماً، لا بِأَجْرَئِهِمْ عيوناً!

فيتَّحدونَ أخلاقاً عَذَابًا

ويأتلفُون مُجتمعاً رزيناً

  أنتم الآن في كل سهلٍ وواد، في كل مدينة وقريةٍ وحيّ، أنتم في كل مهنةٍ وتخَصُص وكل سوقٍ ومجال، أنتم في كُلَّ حلفِ فضولٍ واجتماع عقلاء وبذلِ كرماء وفى كل جهادٍ او نُصرةَ مظلوم..  وحيثما تفرّقت بكم اَلسُّبُل في أرْض الله ذات السعة حملتم بذرَتَكُم فنَبَت جُزِيرَها ونَمَت خيراً وصلاحاً ووعيا لقد تحوّلتم من فكرةٍ إلى واقع ومن صفوةٍ إلى مجتمع عريض، لم تَعُودوا بحاجةٍ في سائر شأنكم لقيادةٍ لصيقةٍ ومراقبة تبصِّركم بدوركم ولا واجبكم، لم تعودوا بحاجةٍ لأوامر عُليا تُنبّهكم إلى كيف تصطفُون حول أهدافكم ولا تبصِّركم بطبيعةِ تحدّياتكم.. لقد كنتم دوماً سابقين لمن معكم علماً وفطنةً وحكماً وصبراً وجسارة وسَبّاقين للخيرات والمكرمات وكان هذا المجتمع ُوما زال هو مفتاح قوتكم قدمكم لأخلاقكم وَهَمَّتْكُمْ وحسن تدبيركم، فكونوا عند حسن الظن دوماً، وأنتم من كيانٍ كبير ٍ مَعْنَى وَمَبْنَى، متماسكٌ تُعلى فيه القيمُ والأخلاق وتتاح فيه المعارف وَتَتَبَادَل الخبرات وتتسعُ العلاقات وتقوى فيه الصلات، فيتطوّر الفرد فيه ويقوى بمن معه فحافظوا عليه وما زال الإنسان غايتكم ووسيلتكم وقاعدة انطلاقكم، والعِلم ومؤسسات العِلم هي مَصدَر قوّتكم.

أيها البعثيون النبلاءُ.. المؤتمنون ، ستتعاظم الامتحانات وتزيد وهذا درب الصادقين، (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ ۗ أَلَآ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ)، وأن صفكم لبُراءُ من كل فاسدٍ وصاحب جُرْم،  ولكنكم لستم ملائكة فدوماً هناك من يخطئون فتعاونوا على البِّر والتقوى ودافعوا عن انفسكم وحزبكم بالحق والمُجازِ من وسيلة، ولقد رأيتم كيف كشف الله الزيف وعرّى الكَذَبة وَالْخَرَّاصونَ بأعجل مما ظننتم وظنوا، سيجتهد عدوّكم في اختراق صفكم فتراصّوا وليُمسك كلٌّ منكم يد من يليه ليستوثق وتذكروا مهما تلوّنت الأمور أنكم أهل المبادئ النقية  ولستم محض ساسة، وأنه مهما طال الزمان فستأتي لحظة يقف كل الشعب  بين أيديكم ويعترف بصدق مسيرتكم فأعملوا لهذه اللحظة، إن الوقتُ الآن للصفوف المتراصة والقلوب السليمة المطمئنة بالله ولعقولٍ لا يَشَغَلها عن قضيتها وتحدّيها شاغلُ خصومةٍ أو خصيصةُ نفس، وقد احتسبنا  نفرٌ من الخيار الذين كُنا نَدَّخِرهُمْ ليوم كريهةٍ وسداد ثغرِ، مَضَوا ولم يُسلموا الراية ولم تَشغَلهم الهواجس والظنون عن حقٍ أمنوا به واتبعوه، فلا تُسلِموا بعدهمُ العرين. 

أيها البعثيون، لا تضعوا لأمتكم، ففي الافُقِ غبار ٌ وقعقعة، ومن لا يسمع ذلك فهو أصم، ومن لا يرى هذا الغبار فهو أعمى. وإن غداً لناظره قريب. 




الاربعاء ١٥ رجــب ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / شبــاط / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زينب علي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة