شبكة ذي قار
عـاجـل










من المعروف عن الفساد والاصلاح أنهما ظاهرتان متضادتان من أنماط السلوك المجتمعي لا تتفق فيما بينهما .. الا في عراق اليوم فلا يوجد تحفظ لدى ساسته من الجمع بين هذين النقيضين ، انطلاقا من القاعدة الميكا فئليه المعروفة " الغاية تبرر الوسيلة".وفي هذا الصدد لم يتردد رجل الدين المعمم المسمى باليعقوبي من الاعتراف أمام تجمع لأتباعه عام ٢٠٠٨ بمساهمته الفعالة في اقالة وزير النفط آنذاك ابراهيم بحر العلوم المحسوب على حزب الفضيلة ، لأنه لم يستلم أي مبلغ مالي من وزارته رغم مرور ٦ شهور على تسلمه المنصب الوزاري.ولم يشفع للوزير المقال خدماته الجليلة لذلك الحزب من خلال ملئ الوزارة بأعداد كبيرة من الموظفين المنتمين له.علما أن المعمم اليعقوبي يعتبر نفسه داعية للإصلاح ومؤسس لحزب الفضيلة المتستر بالدين والمرجعية.وهذا السلوك الشاذ لليعقوبي والمتناقض مع وضعه الاجتماعي ليس استثناء ا بل ينطبق على أخلاقيات معظم الساسة الذين يحكمون اليوم في العراق.و قد شخص هذه الحالة الشاذة الكاتب الصحفي روبرت وورث في تقرير له بصحيفة نيويورك تايمز، والذي قال فيه " ان السياسة في العراق تشبه حرب العصابات ، فمعظم من يدعي الإصلاح هم ممن يمتلك فصيلًا مسلحًا، ويستخدم نفوذه بالحصول على الوزارات".

فمقتدى الصدر الداعية الأول للإصلاح كما يصرح دائما، معظم وزرائه من التيار يرتبط سجلهم بالفساد والفشل.وتسيطر ميلشياته على ميناء الفاو بينما يمتلك هو شخصيا طائرة خاصة وأملاك تتوزع بين العراق ولبنان وانكلترا علما انه لم يرث من والده سوى سيارة فولفو قديمة.ولا أحد يجرؤ على مساءلته عن مصدر هذه الثروة الضخمة لأنه يتحصن بالدين من ناحية ويلقى دعما ايرانيا خفيا من ناحية أخرى.كذلك فان رجل ايران الأول هادي العامري ومسؤول منظمة بدر الذي أطلق فريته المعروفة أثناء خطبته التي ألقاها بالبصرة في الدعاية عن برنامجه بالانتخابات الأخيرة والتي ادعا فيها بأنه هو وجماعته من الفاشلين قد حاولوا القيام بالإصلاح لكنهم منعوا من ذلك.وهذا النكرة الذي جاء من ايران حافي القدميين، عملت ميليشياته على استغلال قوتها وبطشها بالعراقيين من أجل التأسيس لوجود شركات وهمية عملاقة قامت بالسيطرة على أموال مزاد الدولار في العراق واستعملتها لشراء عقارات في لندن وبناء إمبراطورية اقتصادية كبيرة.بالإضافة الى سيطرتها على مطار بغداد الدولي والمنافذ الحدودية الأخرى.و تطول قائمة الفاسدين الذين أثروا تحت مظلة الاصلاح الكاذب لتشمل الحلبوسي والحكيم وأبو مازن والعديد من شاكلتهم.ويؤكد الكاتب روبرت وورث أن " نوري المالكي دون غيره، اكثر رجل ساعد شبكة السراق في تاريخ العراق، الأمر الذي أدى لظهور داعش عام ٢٠١٤" .. أما اليوم فقد تحول المالكي الى واحد من عرابي الاصلاح الذي يذرف الدموع حسرة على ضياعه في البلاد ويدعي بأنه منقذ العراق الاول من الفساد ، اذا ما أتيحت له فرصة الحصول على ولاية ثالثة في الحكم.

ويستطرد روبرت وورث في تقريره الى أن " الفساد هو السكة الثابتة في السياسة العراقية، مجرد لمسه قد يعرض حياتك وعائلتك الى الخطر.ومثال على ذلك ما حصل لأحد وزراء الصحة النزيهين الذي اشترى دواء بقيمة ١٥ مليون دولار، بينما اشتراه الوزير الذي سبقه بـ ٩٢ مليوناً، الأمر الذي أدى لمحاربته من قبل المتنفذين في الوزارة فاضطر الى الاستقالة وترك البلاد ".

وفي مقاله أخرى بمجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية، أكد الباحث مايكل روبن أن النظام الانتخابي الذي يشجع على المحسوبية والفساد لنواب البرلمان قد أفرغ الإصلاحات من معناها الحقيقي.مما جعل الزعماء السياسيين العراقيين أنفسهم منخرطون اليوم في المساومات والمقايضات السياسية ذاتها التي تثريهم وتساعد في تمكينهم، لكنها تبعدهم عن العراقيين الذين يدعون أنهم يمثلونهم.ويقول جوان كول من جامعة مشيكن في هذا الصدد" ليس هناك أمل كبير يرتجى من السياسيين فى البرلمان العراقي لإصلاح الأمور فى هذا البلد".

ومما يساعد في تمكين السياسيين العراقيين من تحقيق ثراؤهم الفاحش هو وجود رئيس وزراء ضعيف مثل الكاظمي الذي لا ينفك عن التظاهر بتأييده للإصلاحات لكنه لا يقدم شيئا عمليا في هذا المجال.لأنه إذا فعل ذلك فقد يعادي المصالح الراسخة لأناس هو في أمس الحاجة إلى دعمهم له الآن في وقت تتحول فيه طموحاته من الدعوة للإصلاح إلى تمديد فترة ولايته في الحكم.

ان الفساد في العراق لا يقتصر على الكسب الشخصي الغير مشروع، بل يتعداه الى حالات الهدر في ثرواته الوطنية.ففي تقرير للأمم المتحدة أوضح ان العراق يحرق يوميا في الهواء كميات من الغاز الطبيعي تكفي لتوفير الكهرباء الى ٥ ملايين منزل عراقي والتي يعاني العراقيين شحتها منذ سنوات.بالمقابل يدفع العراق مبالغ كبيرة تقدر ب ٥ مليار دولار وبأسعار تصل الى أربعة أضعاف سعرها العالمي من أجل استيراد الغاز الطبيعي من ايران لتشغيل محطات الكهرباء.فلكي تستفيد ايران ماديا ويثري ذيولها ، لا بأس ان يموت بعض العراقيين من شدة البرد القارس كما حصل مؤخرا ، نتيجة لعدم توفر وسائل التدفئة الضرورية لهم ..

ان الاصلاح ليس مجرد عبارات جوفاء تطلق هنا وهناك للاستهلاك السياسي، بل هي ممارسات حقيقية على أرض الواقع تؤدي الى حدوث تغييرات جذرية وملموسة في المجتمع.فالشعب العراقي لا زال ينظر بتقدير وامتنان الى فترة حكم البعث قبل عام ٢٠٠٣ لما لمسه خلالها من اصلاح حقيقي ،على الرغم من أن تلك التجربة لم تكن مثالية بسبب طبيعة التحديات التي واجهتها.وبالتالي فان غالبية العراقيين تفضل العيش اليوم في ظل نظام سياسي مشابه لتلك الحقبة السابقة على البقاء تحت حكم النظام الفاسد الحالي.فالفرد العراقي لا يرى ضوء اً يلوح في الأفق من العملية السياسية الحالية وباتت هذه البطانة الفاسدة مكشوفة أمام الشعب بصورة جلية ولم تعد دعواتها المزيفة للإصلاح تنطوي على أحد لذا يرى الباحث الأمريكي مايكل روبن ، أن نزول شياب تشرين في عام ٢٠١٩ احتجاجا على الفساد المستشري والحكومة العاجزة كان بمثابة طلقة تحذير.كما نبه هذا الباحث ، من أن عجز العراق عن إجراء إصلاحات جوهرية في نظامه السياسي واقتصاده ، سينتهي بثورة شعبية عنيفة لا تفرق بين الأحزاب، وستؤدي إلى الإطاحة بالقادة السياسيين الحاليين بالجملة “إما إلى القبور مبكرا أو المنفى" ..





الاربعاء ١ رجــب ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / شبــاط / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة