شبكة ذي قار
عـاجـل










يؤكد علماء السياسة الجغرافية ( جيوبولتيكس ) على ان الدولة ، أية دولة ، ولأسميها دولة ( أ ) ترسم سياستها الخارجية في ضوء أحكام جغرافيتها السياسية ، ومن السهولة معرفة هذه السياسة واهدافها حين يتطلع المتخصص الى الواقع الجيو - سياسي لدولة ( أ ).

ومن أمثلة احكام جغرافية العراق السياسية، دولة ( أ ) :
وقبل الحديث عن الأحكام، ينبغي تحديد ثلاث دول إحداهما تحمل محور ميزان تعادل القوى في المنطقة، دولة ( أ ) والدولتان الأخريتان هما كفتا الميزان كل من ( ب ) وهي تركيا و ( ج ) وهي ايران.

اولاً - في الشمال الشرقي هناك جغرافية الدولة ( ب ) وهي تركيا ، وتتسم جغرافيتها السياسية بسمات التوسع الخارجي نحو الجنوب .. ومعنى ذلك ، ان دولة ( ب ) لها اطماع في دولة ( أ ) شمال العراق ، وتشكل تحدياً وخطراً خارجياً ليس وشيكاً.وعلى دولة ( أ ) العراق ان تحترس وتوازن عناصر قوتها مع هذا الخطر من جهة، وتؤكد على معايير السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام مبادئ حسن الجوار على وفق مبدأ المعاملة بالمثل.

ثانياً - من جهة الشرق هناك جغرافية الدولة ( ج ) وهي ايران ، وتتسم جغرافيتها السياسية بسمات التوسع الخارجي نحو الغرب .. ومعنى ذلك، ان دولة ( ج ) وهي ايران، لها أطماع في دولة ( أ ) العراق ، وتشكل تحدياً وجودياً وخطراً خارجياً داهماً.وعلى دولة ( أ ) العراق، ان تعمل على توازن عناصر قوتها مع هذا الخطر الداهم من جهة، وتؤكد على معايير السيادة وعدم التدخل واحترام مبادئ حسن الجوار وفق مبدأ المعاملة بالمثل.

ثالثاً - الدول المحاددة لجغرافية الدولة ( أ ) العراق من جهة الغرب - السعودية والأردن وسوريا - دول لا تشكل تحدياً او خطراً خارجياً على دولة ( أ ) العراق، وليست لديها اطماع في سياستها الخارجية، فهي على العكس تعتبر عمقاً استراتيجياً لدولة ( أ ) العراق على مر العقود ، فضلاً عن ان الدولة ( أ ) العراق ، تشكل عمقاً استراتيجياً لها ومصداً لفعل التعرض الشرقي ومصدره الدولة ( ج ) ايران ، كما ان هذه الدول ترى ان الدولة ( أ ) العراق، تشكل عمقاً استراتيجياً لها او مصدا لفعل التعرض الشمالي الشرقي ومصدره الدولة ( ب ) تركيا.

هذا الواقع، يعكس ( خطران جغرافيان - سياسيان تاريخيان ) يهددان الدولة ( أ ) العراق بالإجتياح وبالتفريس والعثمنة.الأمر الذي يتوجب على الدولة ( أ ) العراق، ان تراقب عناصر قوة الدولتين ( ج ) ايران و ( ب ) تركيا من حيث القوة والتسليح، وأن ترفع من قدراتها التسليحية والعسكرية وتعزز من عقيدتها القتالية وتوظف مواردها المالية والبشرية وتضعها في اطار رؤية جيوبوليتيكية على جغرافية العراق السياسية وتوزيعها بطريقة الدفاع في العمق والتمكن من صيغة الردع، مهما تكن المخاطر وشيكة أو مؤجلة.

وعلى هذا الأساس، بنى النظام الوطني في العراق قوته، ليس من اجل التوسع او العدوان على جواره ابداً، إنما على اساس الدفاع، لأن تاريخه يفصح عن ذلك - وموضوع دخول الجيش العراقي الى الكويت ما هو إلا لصد عدوان امريكي وبريطاني وشيك، وحشودهما كانت مهيئة لإحتلال جزيرتي وربه وبوبيان والقفز نحو احتلال البصرة في جنوب العراق - ، وإن بناء قواته المسلحة قائم من اجل الدفاع كما حصل حين دافع الجيش العراقي الباسل عن العراق والأمة وارغم ايران المعتدية على قبول قرار وقف اطلاق النار بإنتصار العراق .. كما ان عقيدة الجيش العراقي القتالية، وهي دفاعية، عبرت عنها القيادة السياسية الوطنية بالدفاع عن أي جزء من اجزاء الوطن العربي يتعرض الى تهديد خارجي جدي، مثل – الدفاع عن دمشق والدفاع عن السيادة المصرية والدفاع عن الكويت ودول الخليج العربي والدفاع عن السودان والدفاع عن موريتانيا ، إلخ

اما الحديث العام الشامل عن افكار - أن دول جوار العراق لا يريدون عراقاً قوياً - فتلك افكار خاطئة لا ترتقي الى مصاف التحليل الإستراتيجي للواقع الجيو - إستراتيجي للمنطقة، وذلك لإعتبار أن العراق هو الذي يحمل ميزان تعادل القوى أمام جغرافيا - سياسية لدولة ( ب ) وهي تركيا وأمام جغرافيا - سياسية لدولة ( ج ) وهي ايران .. هذه الأفكار جاءت على لسان رئيس المركز الأستراتيجي - الصقر - لدول الخليج العربي الدكتور ( مثنى الحديثي ).ولأن مسألة الإعمام مسألة غير موفقة علمياً، وذلك لأن الدولة ( ج ) وهي ايران لا تريد العراق قوياً كما تعمل على إلغاء الجيش العراقي النظامي من التخطيط وإستبداله بمجاميع من المليشيات الولائية المسلحة يقودها الحرس الايراني مباشرة وبقرار من علي خامنئي عبر الجنرال قاآني .. وان الدولة ( ب ) وهي تركيا لا تريد العراق قويا .. وهذا صحيح ، ولكن الواقع الجغرافي - السياسي للدول العربية المتاخمة للعراق من مصلحتها الإستراتيجية والقومية ان يكون العراق قوياً وهو ما كان عليه عبر التاريخ مصداً لتعرضات المغول والتتار والصفويون الذين اجتاحوا العراق وانساحوا الى حدود اليمن ووصلوا الى الشمال الأفريقي ، وكما كانت صفحات التاريخ تفصح عن ذلك، كانت تتحدث عن التوسع التركي الذي بلغ معظم الاقطار العربية في ظل الحكم العثماني.

قد يقول احدهم ان الظروف الموضوعية تغيرت وان المعطيات الراهنة هي غير تلك في عمق التاريخ وإن ادوات الحروب قد تغيرت تماماً ، وهذا صحيح ، ولكن قواعد الاحكام الجيوبوليتيكية ما تزال قائمة والتعرضات قائمة والتخطيطات بالإجتياح قائمة والنيات على مستوى القيادات العليا السياسية والعسكرية لدى دولة ( ج ) وهي ايران ولدى دولة ( ب ) وهي تركيا ما زالتا قائمة .. وما نراه الآن من اجتياحات تنفذها الدولة ( ج ) وهي ايران في العراق وسوريا واليمن ولبنان خير دليل، وكذلك ما تنفذه الدولة ( ب ) وهي تركيا من اجتياحات لشمال سوريا وشمال العراق خير دليل على ذلك ايضا.

دول الخليج العربي وهي معرضة لخطر اجتياح الدولة ( ج ) وهي ايران وقياداتها السياسية والعسكرية لا تعترف بهذه الدول ولا بشعبها العربي ، ومع ذلك تقيم معظم دول الخليج علاقات تجارية وتعزز مصالحها الاقتصادية والصيرفية والتحويلات المالية والبنكية مع الدولة ( ج ) وهي ايران، ثم تشتكي سياسياً وإعلامياً من تدخل ايراني ومن تهديد ايراني وتتوسط من اجل منع الحرب ومنع اندلاعها حتى بالردع.!!

فعلى ماذا يتحدث معهد الدراسات الإستراتيجية في الخليج عن مسائل القوة في برنامج ( التغيير ) الذي اطل علينا في الأسبوع الفائت؟ هل يريد ان يلوي الحقائق؟ ويغيير منطق علوم الجغرافيا - السياسية والأستراتيجية بطريقة خلط الأوراق ؟ فهذه سذاجة أو مخاتلة تطرح بإستحياء ولكنها مكشوفة تماماً أمام حقائق الواقع الموضوعي عبر التاريخ وحتى الوقت الراهن.!!




السبت ١٩ جمادي الثانية ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / كانون الثاني / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة