شبكة ذي قار
عـاجـل














نزعم أن هذا الملف، موقف العراقيين، هو من بين الملفات التي لم تدرس كوحدة واحدة، ولم يجرِ التقييم بعينين إلا نادراً، بل كانت المنشورات والفعاليات الإعلامية المختلفة إما تتهم وتشتم هذا الطيف العراقي أو ذاك أو تكيل المديح والثناء بلا وزن ولا حساب.وأغرقت وسائل التواصل بخطابات ترتكز على مدح يتعكز على الطائفية أو ذم، أيضاً يتعكز على الطائفية من جهة، وجرى الفصل الميكانيكي بين عراقيي الداخل وعراقيي الخارج الذين غادروا البلاد بالملايين لأسباب مختلفة، ولكن القاسم المشترك الأعظم بين هذه الأسباب هو البيئة العراقية الطاردة التي صنعها الغزو والاحتلال.

عراقيو الداخل :
هم العراقيون الذين بقوا في العراق ولم يغادروا بعد الغزو، ولا مفر من اعتبار من كانوا في الخارج وعادوا للبلاد على أنهم جزء من شريحة عراقيي الداخل، وهم أيضاً ممن خرجوا بعد الغزو مباشرة ثم عادوا ليستقروا في الداخل.

وبغض النظر عن هذا التصنيف السريع فإن بوسعنا أن نقسم مواقف هؤلاء العراقيين على الوجه الآتي :
أولاً : عراقيون لم يحركوا ساكناً تجاه الغزو والاحتلال، وظلوا يتفرجون وينتظرون كيف تتطور الأحداث، وبعض هؤلاء واعٍ لما يقوم به من عمليات الترقب والرصد، وآخرين طغت عليهم البساطة والسذاجة وكأن غزو وطنهم واحتلاله لا يعنيهم بشيء.

ثانياً : العراقيون الذين تفاعلوا بشكل أو بآخر ونشطوا في السياسة والإعلام والتجارة وهؤلاء هم مَن ركن إلى قناعات مفادها أن الغزو والاحتلال قد استوطن العراق لزمن يساوي المتبقي من أعمارهم أو يزيد، وبالتالي فإن العقلانية المفترضة من قبلهم والحكمة التي غازلت مخيلاتهم أوصلتهم إلى حال الاستسلام والانطلاق في ممارسة حياتهم وتحقيق مصالحهم بغض النظر عَمَّا يحل بالوطن وبالشعب.

ثالثاً : العراقيون الذين قدموا مع الغزو وبعده وهم مؤيدون موالون لكل ما يقوم به الغزاة وأطراف الاحتلال الدولي المركب وجيوشه، وهؤلاء طبعاً كانوا يشتغلون تحت يافطات ( التحرير ) و ( الديمقراطية الوليدة الناشئة القابلة للارتقاء ) و ( النمو الداروني–نسبة إلى دارون عالم نظرية التطور ) – للعملية السياسية حتى توصلهم إلى الغايات المرسومة في أيديولوجية كل منهم، والتي يمكن أن تكون أيديولوجية إيرانية طائفية، أو أمريكية امبريالية صهيونية، أو عربية رجعية، أو دينية كهنوتية تغلف نفسها بهالة دينية كاذبة مزيفة.

رابعاً : العراقيون الرافضون للغزو والاحتلال من عامة الشعب أو المنتمين إلى قوى وطنية وقومية، ومن بينهم انطلقت أسرع مقاومة وطنية ضد الغزو والاحتلال قد عرفها تاريخ الشعوب.

بعثيو الداخل :
لله وللتاريخ، إن البعثيين في محافظات الجنوب والوسط قد قاتلوا قوات الغزو بشراسة ضمن تشكيلاتهم المسلحة المختلفة، واستشهد كثير منهم في مواجهات شرسة وغير متوازنة مع دبابات العدو وأسلحته الفتاكة.

نحن شهود على تلك الأيام العصيبة وعشناها بكل تفاصيلها، وبعض هؤلاء الأشاوس هم من التحق بالمقاومة الوطنية التي فجرها البعث تزامناً مع دخول القوات الغازية، وشهدت معارك ومواجهات وعمليات بطولية أسطورية دمرت العدو وأفقدته توازناته، وأرغمته على تغيير خططه التكتيكية والاستراتيجية على حد سواء.

استشهد مئات الآلاف من البعثيين في شهور وسنوات الاحتلال الأولى ولغاية استحداث داعش الإرهابية التي صُنعت لتغتال المقاومة في حاضنتها الباسلة غرب العراق ووسطه وشماله، واغتيل المئات منهم في عمليات فرق الموت التي أسستها أميركا وإيران واستهدفت بقوائم معدة سلفاً كوادر الحزب وقيادات قواعده وأعضاءه وأنصاره وضباط الجيش والطيارين وكوادر الدولة وخبراءها.

نزح ملايين من البعثيين داخل العراق، واعتقل مئات الآلاف منهم، وما زال الكثير منهم قيادات وأعضاء يرزحون في سجون ومعتقلات الاحتلال وزبانيته.
وتخاذل البعض ، واستسلموا وانبطحوا، بل وغدروا بالحزب ورفاقهم عن طريق التطوع الرخيص والعمل كأدلاء لعناصر فرق الموت الجلبية والحكيمية وغيرها.

عراقيو الخارج :
يمكن تصنيفهم إلى مجاميع، فمنهم من كان موجوداً خارج العراق عندما حصل الغزو لأنه يشتغل في سفارات العراق في مختلف دول العالم، أو لأنه كان يدرس أو يعمل.

معظم هؤلاء كانوا منتمين إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، ومعظمهم بقي خارج العراق، والمؤكد إن هؤلاء العراقيين لم يعيشوا ظروف الداخل الكارثية قبيل الغزو وإبانه وبعده، ومَن لا يرى بعينه لا يستطيع أن يقدر تقديراً صحيحاً ولا يفهم فهماً عميقاً كما يقدر أهل الداخل، الذين كانوا في الخارج لا يعرفون ما حل بالعراق وشعبه وجيشه وحزبه، فالأهوال لا توصف، والوقائع ما زالت لم تسجل ولم تصور كما ينبغي بحكم الظروف القاهرة التي فرضها الغزاة وأحزاب الخيانة.

ثم، كان هناك ملايين العراقيين الذين غادروا بعد الغزو واحتلال بغداد وتوزعوا على دول عربية، وسجل كثيرون منهم عند مفوضيات الأمم المتحدة وحصلوا على لجوء إنساني في بلدان كثيرة.

وقد عاد بعض مَن هاجروا إلى العراق، غير إن نزيف الهجرة ظل باتجاه الخارج أكثر وكفته مرجحة على أعداد العائدين، والذين عاد بعضهم لسوء ظروف المعيشة في البلاد التي قطنوها وتردي أحوالهم المعيشية، ومات كثيرون في بلاد الغربة.

يجهل عراقيو الداخل الظروف التي تحيط بالمهاجرين في بلاد الشتات، ويحمل كثير من العراقيين صورة وردية بعيدة عن الواقع عن ظروف الغربة والبعد عن الوطن، وما يهمنا هنا أن نذكره ونؤكده :

أولاً : إن كثير من البعثيين الذين هاجروا قد غادروا الحزب وتركوا التنظيم وركنوا إلى السكينة والهدوء، ورغم إن كثير منهم كانوا ضمن قطاع الإعلام المدلل في زمن الحكم الوطني إلا إنهم لم يكتبوا كلمة واحدة لا ضد الاحتلال ولا مع المقاومة الوطنية الباسلة التي شرفت العراق والعرب كلهم، بل وشرفت الإنسانية الحرة.

ثانياً : في سنوات الغزو الأولى بشكل خاص، حرّمت الدول التي استضافت العراقيين وخاصة العربية منها حرّمت عليهم أي نشاط سياسي، بل ومنعت حتى تشكيل هيكل للجالية العراقية عندها، ومنعت هذه الدول أي احتجاج ولا نشاط إعلامي ضد العملية السياسية الاحتلالية.

ثالثاً : اضطر بعض البعثيين للنشاط على وسائل وقنوات التواصل الاجتماعي بأسماء حركية لسببين أولهما : لتجنب ملاحقة مخابرات الدول التي تستضيفهم وتحرم عليهم أي نشاط، والثاني : لأن لبعضهم عوائل وأقارب في العراق يمكن أن يتعرضوا للانتقام والأذى من قبل أحزاب الاحتلال وميليشياته المجرمة.

وثمة عدد قليل من العراقيين الذين هاجروا قد عادوا ليلتحقوا بالعملية السياسية الاحتلالية المجرمة، منهم بعثيون سابقون.

الخلاصة :

الموقف الوطني والقومي للعراقيين لا تعرفه جغرافية ولا انتماء سياسي، فمَن يحملون عقيدة رفض الغزو قد قاتلوا واستشهدوا حتى حلت داعش الإرهابية في حواضن المقاومة ودمرت معظمها، وفرضت ظروف ما بعد داعش حالاً أسوأ حتى من أحوال سنة الغزو ٢٠٠٣.

هناك عراقيون ومنهم بعثيون قد خذلوا أنفسهم وخذلوا البعث وقواهم الوطنية والقومية، وتعاونوا مع قوات الاحتلال، وهناك عراقيون في الخارج نافحوا ولما يزالوا ينافحون، وبعضهم طوى صفحة الوطن ورقد رقاد أهل الكهف.

ومن البعثيين مَن سقط في متاهات أوربا وانخرط في ممارسات لا تخدم الوطن ومُجافية لقسم اكتساب شرف عضوية حزب البعث العربي الاشتراكي.

من أقسم وهو يردد شرف العضوية في حزب البعث يبقى أمينا على القسم مخلصا ومضحيا أينما يكون موقعه لأن موضوع مواجهة الاحتلال هي قضية لا يختلف عليها أي وطني يريد وطن حر.




الجمعة ١٣ جمادي الاولى ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / كانون الاول / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب البروفيسور كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة