شبكة ذي قار
عـاجـل










يعود مفهوم الردع، ليس على المستوى النظري، إنما يأخذ مداه التطبيقي ( الملتوي ) على ساحة معينة ومحددة هي منطقة الشرق الأوسط، وقلبها المنطقة العربية ، وهو كما يبدو مفهوم مفرغ من مدلوله المنطقي، حين يظهر علانية في شكل حديث لـ "لويد أوستن" وزير الدفاع الامريكي يتناول فيه مفهوم ( الردع ) الذي تتبناه امريكا تجاه سلوك النظام الإيراني العدواني في هذه المرحلة.

ونود هنا ان نعرج، كما أسلفنا سابقاً حين انصب الحديث عن انواع الردع واشكاله ومضامينه واهدافه، على مغزى المفهوم الملتوي للردع الذي أدلى به وزير الدفاع في حكومة جو بايدن :
اولاً - يلخص "أوستن" مفهوم الردع الامريكي تجاه ايران بأنه ( محاولة منع تخفي ايران وراء إرهاب اذرع مليشياتها ) في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وتهديدها ساحات عربية اخرى.والمعنى في هذا المفهوم، هو الاستمرار في فضح وكشف وتقييد السلوك الايراني المتخفي خلف عناصر الارهاب في المنطقة.ولكن مثل هذا المفهوم لا يمت لمفهوم الردع بصله ، لأن المنع حالة من حالات الدفاع وليس الردع ، أي منع الخصم من التجاوز أو التطاول على المصالح، أما الردع فهو تذكير الخصم بعواقب وخيمه ، وهو تهديد بإستخدام القوة لم تنفذه امريكا منذ عام ١٩٧٩ وحتى الآن .. !!- انظر مقالنا الذي نشرته شبكة ذي قار وشبكة البصرة المناضلتان يوم ٩ / تموز / ٢٠٢١ - وإنما يأتي مفهوم الردع في سياق الحديث، عبارة عن محاولة بائسة لتسويق تبريرات مخادعة للتغطية على المهانة التي تعيشها الادارة الامريكية الراهنة التي تواجه احتلال مجاميع الحوثيين لسفارتها في صنعاء، تنفيذاً لسيناريو طبقه خميني عام ١٩٧٩ حين اقتحمت مجاميع من رعاعه السفارة الأمريكية في طهران وأذاقت ادارة كارتر ( ٤٤٤ ) يوماً من الإذلال والمهانة ، واتضح في ما بعد ان العملية برمتها هي ( تلميع لثورة النظام الفارسي وتسويقها للمنطقة لكي تتساوق منهجيتها مع مزاعمها في تحرير فلسطين عبر احتلال العراق ).فما الذي ستفعله امريكا تجاه الاقتحام الحوثي لسفارتها في صنعاء ؟، والحوثي يكتسب قوته التسليحية واللوجستية والمعلوماتية والمالية من إيران التي تستنزف ثروات العراق بدورها لهذا الغرض.؟ وإلى أي مدى تكذب الادارة الامريكية وتغطي تعاملها الإستراتيجي مع النظام الفارسي لتغيير المنطقة برمتها، وجعلها بلا وطنية ولا هوية قومية، وكيانات مفككة تابعة وهامشية مستولى على مواردها المالية والبشرية.؟

ثانياً - النظام الفارسي الذي وضع الادارة الامريكية في زاوية الاذلال والمهانة في العراق أمام مليشيات استولت بتدبير ايراني على الاسلحة الامريكية وباتت تهددها ظاهرياً وتتعامل معها باطنياً على اساس اقتسام النفوذ والمصالح دون اي اعتراض على حصة الاسد التي تصر عليها ايران لتمويل اذرعها بأموال العراق وثرواته ، إضافة الى استنزاف هذه الثروات بإنعاش الاقتصاد الايراني المتدهور - وهنا يمكن ان نتسائل ، كيف يعيش النظام السوري ويبقى على قيد الحياة وهو لا يملك الموارد التي تبقيه مستمراً لحد هذه اللحظة؟ وما الذي يبقي النظام الايراني ذاته مستمراً الذي تطَوَقه سلسلة من العقوبات الاقتصادية والنفطية منذ بداية ولاية "دونالد ترامب" ولحد الان، لولا تحويل موارد وثروات العراق الى طهران؟ وكيف يمكن ان تستمر مليشيات الحوثي تقاتل الدولة السعودية وتحالفها العسكري من دون امدادات ايران؟ وكيف يمكن ان يستمر حزب الله اللبناني في فعالياته العسكرية والتمويلية في داخل لبنان وخارجه من دون الدعم الايراني.؟

هذه الأسئلة يمكن الأجابة عليها بالارقام والوثائق، التي تؤكد على ان إيران تستنزف ثروات العراق في تمويل فعالياتها الارهابية المسلحة، ولولا ثروات العراق، لما تمكنت طهران من إدارة صراعاتها الارهابية في خارج حدودها الأقليمية ، وهي تعاني من تدهور كبير في اقتصادها ونضوب ثرواتها وطاقاتها النفطية والمائية .. فمن أين لها الموارد التي تجعل مليشياتها في سوريا ولبنان واليمن والعراق وخلاياها في الخليج العربي ودول المغرب العربي وفعالياتها الاستخباراتية في اوربا وامريكا اللآتينية تستمر في ارهابها.؟

ثالثاً - إن تسويق مفهوم ( الثورة والدولة ) ، واهمية كبح جماح الثورة لكي يتم التعامل مع الدولة، المقصود بالثورة هو النظام الثيوقراطي الذي يستخدم اجهزة الدولة لأغراض التوسع والإرهاب، هو كلام قام بتسويقه " هنري كيسنجر" وزير خارجية امريكا الأسبق .. وعلى هذا الأساس تم بناء الأستراتيجية الأمريكية الخاصة بتعاملها مع النظام الايراني .. وذلك لأن ايران محكوم بإستراتيجية كبرى بأوجهها النظرية والتطبيقية ، فالدولة الايرانية جهاز يتولى تسويق او تصدير الثورة ، ومن دون هذا الجهاز يتعذر تسويقها او تصديرها، والثابت في سياسة الدولة الإيرانية، يحكمه اصلاً ( دستور ) الدولة الايرانية ولا مجال للفرز بين الدولة ومنهجها الارهابي، فهما كيان واحد اقتضت الإستراتيجية الأمريكية التفريق بين ( الثورة والدولة ) لأغراض ممارسة دبلوماسية مراوغة .. والملفت ، إن إدارة بوش الأبن لم تتبن هذا المفهوم ازاء العراق ، حين احتلته ودمرته وفككت جيشه الوطني وخربت مؤسساته واحالته إلى ( لآدولة ) .. فلماذا تفرق امريكا في مفاهيم إدارة الصراع الحربي والأمني والإستراتيجي ولم تقل انها تواجه ( الثورة والدولة ) في العراق؟ وعملت على تدمير الثورة والدولة معاً في آن واحد ؟

نعود الى مغالطات "أوستن" وزير الدفاع الامريكي حين تحدث عن سياسة بلاده الأستراتيجية ( سنعمل على تعزيز الردع ضد ايران وحماية قواتنا في المنطقة ضد هجمات ايران ووكلائها ) .. فما الذي فعلته امريكا حين احتلت عناصر الحوثيين السفارة الامريكية في صنعاء؟ وما الذي فعلته امريكا حين تعرضت السفن التجارية في المياه الاقليمية العربية الى القرصنة الايرانية؟ وما الذي فعلته امريكا ازاء تفجير السفن التجارية واحتجاز طواقمها ؟ وما الذي فعلته امريكا حين تعرضت سفارتها في بغداد وقتصليتها في اربيل الى القصف، وهي تعلم علم اليقين وبالأدلة والبراهين القاطعة ان ايران هي صاحبة القرار وهي الجهة المستفيدة.؟

رابعاً - امريكا ممثلة بإدارة "جو بايدن" لن تفعل شيئاً لأنها لن تقاتل نيابة عن ( الشركاء والأصدقاء ) في المنطقة ، وإنما ستمارس سياسة ( الردع المشترك ) مع الأصدقاء والشركاء في المنطقة العربية عن طريق ( دعم ) مبيعات السلاح لهم ، ودعم مهام الدبلوماسية للدفاع عن مصالحها ومصالح شركائها .. وكل هذا الحديث الذي ادلى به أوستن" لا يخرج عن الاطار ( التخديري ) الذي تستخدمه امريكا في اكبر مخادعة كبرى في تاريخ المنطقة، وهي خدعة الدفاع عن المصالح، فيما نرى المصالح الامريكية ومصالح الشركاء والاصدقاء تتهاوى امام ضربات الارهاب الايراني وقرصناته التي تجعل منطقة الشرق الاوسط تعيش على فوهة بركان .. وامريكا تريد ان يستمر هذا البركان يقذف دخانه ثم حممه على سفوحه لتحصد الاموال أولاً وتحمي الكيان الصهيوني ثانياً وتنهب ثروات المنطقة وفي مقدمتها النفط والغاز بأسعار زهيدة وميسره ثالثاً ، ثم تنتهي الى تفكيك خرائط المنطقة وإعادة تشكيلها على وفق رؤيتها للشرق الاوسط الجديد.

أما مفاوضات الملف النووي الايراني فهو يحمل من الغرابة الكثير من الاتهامات بالتسويف والمراوغة في اكتساب الزمن من جهة، والدفع التدريجي الى حشر المنطقة في مباريات ( سباق التسلح النووي والتقليدي ) ، لكي تجني هي وحلفاؤها الغربيون ثروات النفط العربي ( بترودولار ) واحتجازها الواردات العربية في بنوكها ومصارفها وسندات خزائنها .. فالتسلح النووي في المنطقة يفضي الى الردع المتبادل، كما هو حال الردع المتبادل الثنائي ( الهندي الباكستاني ) و ( الهندي الصيني ) .. إلخ .. ولا احد يستطيع ان يفكر بإستخدام السلاح الذري حتى في المنطقة العربية لأن الرد في الضربة الثانية سيكون مؤلماً ومحدوداً أو قاتلا وإفنائياً.أما النظام الإيراني فلا احد يأتمنه على كلمة أو تعهد أو قرار.

لقد عافت امريكا مفهوم ( الردع الأقصى ) الذي لن يفضي لشيء سوى الوصول الى حافة الهاوية المتفق عليها ، وتحولت الى ما تسميه الردع المشترك أو الشراكة في الردع من اجل المشاغلة واستنزاف الموارد الوطنية والقومية على اساس مجابهة أو ردع الكلب الايراني المسعور.!!





الاربعاء ١٩ ربيع الثاني ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / تشرين الثاني / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة