شبكة ذي قار
عـاجـل










يعتبر الجاحظ أول من صاغ مصطلح ( الشعوبية ) بمعنى معاداة العرب والحط من شأنهم وذلك في كتابه ( البيان والتبيين ) وجاء في القاموس المحيط ( الشعوبي بالضم محتقر أمر العرب وهم الشعوب ) وعرفت الموسـوعة البريطانية الشـعوبية أي - حركة مناوئة للعروبة - ، ويعتبر الشــاعر الفارسـي أبو القاسـم الفردوسـي مؤلف ملحمة ( الشاه نامه ) أو ( كتاب الملوك ) من أكثر الشـعراء شعوبية من حيث تمجيده للفرس واحتقاره للعرب ، وتعد الشاه نامه الملحمة الوطنية للفرس ، وبعد قيام الدولة العباسـية كان تأثير الفرس واضحا وجليا فيها حتى أن الجاحظ وصفها بـ ( عجمية خراسانية ) أي على عكس الدولة الاموية والتي كانت ( عربية اعرابية ) ، فقد كان أغلب خلفاء بني العباس من أمهات جواري أغلبهن فارسيات إضافة الى الروميات والتركيات والحبشيات ، تأثر بني العباس بالفرس الى درجة أن الخليفة أبو جعفر المنصور أختار اسما فارسيا لمدينته المدورة ( باغ داد أو بغ داذويه ) وكما جاء في معجم البلدان لياقوت الحموي كان للفرس حضور قوي داخل القصور العباسية وذلك بفضل نسائهم خاصة البرامكة الذين سـيطروا على كثير من المناصب في عهد هارون الرشـيد الذي أرضعته زوجة يحيى بن خالد البرمكي ، وبعد الرشــيد بدأ صراع الأخوة الأعداء الأمين ابن ( زبيدة العربية الحرة ) ، والمأمون ابن ( مراجل الجارية الفارسية ) ، فمحمد الأمين كان مساندا من قبل العرب وعبدالله المأمون كان مدعوما من قبل الفرس وخاصة من أهالي خراسان ، وكان الصراع بين الأخوين يمثل صراعا بين العرب والفرس والذي انتصر فيه الفرس على العرب بانتصار المأمون على أخيه ، وبتوسع الدولة العباسية في أعماق بلاد فارس ومن ثم وصولا الى بلاد السند والهند اعتنق معظم سكان تلك البلاد الإسلام ايمانا بالدين الجديد أو خوفا من السيف أو ربما رغبة في الغنائم التي كانت تزداد بتوسع دولة الإسلام وبالتأكيد كان من بين المعتنقين للدين الجديد العلماء والمفكرين والفلكيين والنحويين وأصحاب العلوم الأخرى إضافة الى العلماء الذين ولدوا من أصول فارسية ونشأوا تحت السيادة العربية الإسلامية ومن هؤلاء (( الامام الأعظم أبو حنيفة ، وعبد القادر الكيلاني ، والخوارزمي ، والرازي ، وابن سينا ، وسيبويه والامام البخاري ، ومسلم ، والغزالي ، والنسائي ، والسجستاني ، وابن المقفع ، وبديع الزمان ، الهمداني والأصبهاني والطبري ، والثعالبي ، والنيسابوري ، والبيروني ، وعمر الخيام ، والفردوسي ( مؤلف الشاه نامه ) وأسدي الطوسي وغيرهم كثيرون )) وبعد أن ضعفت الدولة العباسية نشأت اسر قبلية فارسية تولت السلطة في أقاليم بلاد فارس ثم ازدادت قوة وتوسعت الى ان سيطرت على مركز الخلافة الإسلامية وأصبح الخلفاء مجرد حكام رمزيين ومن تلك الاسر الفارسية (( بنو بويه وهم سلالة نشأت جنوب بحر قزوين - بحر الخرز - سيطرت على غرب بلاد فارس والعراق من ٩٣٢ الى ١٠٥٦ م ثم بعد ذلك جاء السلاجقة وهم وان كانوا من سلالة تركية إلا انهم حكموا أفغانستان وبلاد فارس ثم توسع نفوذهم وسيطروا على العراق وسوريا وأجزاء من الاناضول والجزيرة العربية وكان حكمهم بين ١٠٣٨ و ١١٥٧ م ))

* - الصراع الديني – المذهبي ويعد هذا من اخطر الصراعات التي شهدتها التأريخ لما ترك من اثر وشق صف العرب المسلمين ، لقد كانت السيطرة البويهي ومن ثم السلجوقي على العراق تمثل بداية الصراع ( الديني - المذهبي ) فقد كان البويهيون من المدعين بانهم شيعة والسلاجقة من المدعين بانهم من اهل السنة والجماعة ، وحاول كل منهم أن يفرض مذهبه على الساحة العراقية وأصبح الأناس العاديين أداة المواجهة بين القوى المغتصبة باسم الطائفة والمذهب واصبح ذلك الصراع المذهبي الحجر الأساس للصراع المذهبي على الساحة العراقية فيما بعد بين الصفويين والعثمانيين وعلى نطاق أوسع وبشكل اعنف ، فمنذ أوائل القرن السادس عشر أصبح العراق مسرحا للصراع الصفوي – العثماني ، فتارة وقع تحت الاحتلال الصفوي ( الشيعي ) وتارة تحت الاحتلال العثماني ( السني ) ومن الجدير بالذكر عندما جاء الصفيون الى الحكم كانت بلاد فارس بصورة عامة على المذهب ( السني ) ماعدا بعض المناطق وبعد أن طردوا القبائل التركمانية وأخضعوا معظم بلاد فارس تحت سيطرتهم أعلنوا المذهب ( الشيعي ) مذهب الدولة الرسمي واستعانوا بعلماء شيعة من العرب وخاصة من لبنان الذين توافقوا معهم لتحقيق أهدافهم وغاياتهم من خلال منحهم المراكز والجاه والمنفعة الدنيوية لنشر المذهب الشيعي من خلال تأسيس الحوزات الدينية وتأليف كتب الفقه وفقا لما يتلائم وتوجهاتهم واهدافهم الصفوية ، وكان ذلك التحول كرد فعل عن ما فعلته القبائل التركمانية الغازية والذين كان أغلبهم على المذهب ( السني ) كقبائل ( الآق قويونلو والقرة قويونلو ) الخراف البيض - الخراف السود الذين حكموا أجزاء من بلاد فارس والعراق إضافة الى الاناضول والقوقاز وأذربيجان وأدى ذلك التحول الى المذهب ( الشيعي ) من قبل الصفويين الى مضاعفة العداء بينهم وبين العثمانيين ، إضافة الى العداء القومي والصراع على النفوذ أصبح العداء بين الطرفين عداءا مذهبيا أيضا وكان الصراع بينهما عنيفا الى درجة أن السلطان العثماني أمر بقتل جميع الاسرى من الصفويين بعد الانتصار عليهم في معركة جالديران سنة ١٥١٤ م ، وأمر بعمل نصب على شكل هرم من جماجم القتلى في ساحة المعركة ، وعندما دخلت القوات العثمانية بغداد واحتلتها سنة ١٥٣٤ م كانت الورقة الطائفية حاضرة على الساحة ففي الوقت الذي أدعت فيها بأنها حامية ( للسنة ) عملت على التنكيل ( بالشيعة ) وهذا انطبق على الاحتلال الصفوي مرة أخرى عندما اسـتعان الشـاه عباس بالبريطانيين وخبراتهم واحتلوا بغداد سنة ١٦٢٣م وأعلنت نفسها أيضا حامية ( للشيعة ) ونكلت ( بالسنة ) وبعد أكثر من عقد من الزمن استطاع السلطان العثماني مراد الرابع ان يهزم الصفويين وأن يحتل بغداد سنة ١٦٣٧ م ووقعت مذبحة كبيرة حيث قتل فيها عشرات الالاف من الجنود الصفويين إضافة الى عشرات الالاف من المدنيين ( الشيعة ) وفي النهاية تم عقد معاهدة وصلح بين العثمانيين والصفويين سنة ١٦٣٨ م لإنهاء الصراع بينهما حيث احتفظ العثمانيين بالعراق بموجب تلك الاتفاقية حتى أوائل القرن العشرين عندما احتلت بريطانيا العراق خلال الحرب العالمية الأولى ١٩١٤ - ١٩١٨

يتبع بالحلقة الرابعة





الجمعة ٥ محرم ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / أب / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامل عبد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة