شبكة ذي قار
عـاجـل










من المعلوم في قاموس نظريات القوة التي دونها المعنيون بشؤون السياسات الدولية وعلم الجيو - بولتكس، قد فرقوا بين عدد كبير من المفاهيم الإصطلاحية، لكي لا تختلط وتتداخل وبالتالي تمسي تحليلات المواقف هي الاخرى متداخلة ومشوشة .. فالمفكرون االمعنيون اوضحوا مفهوم ( الردع ) البسيط والأقصى، وكذا أنواع الردع ، المنفرد والمتبادل، المحدود والشامل المؤكد .. كما يفرق خبراء الإستراتيجيا بين الردع النووي والردع المقرون بالقوة التقليدية .. إذن، هنالك مفهوم للردع النووي والردع التقليدي، ويصعب الخلط بينهما.فيما يمثل مفهوم ( الرعب النووي ) مدخلاً قد يكون منفرداً او ثنائياً او رعباً يشترك فيه فرقاء معنيون اقليميون ودوليون مهتمون بصياغة تحالفات قد يكون طابعها استراتيجي.

الكيان الصهيوني ( كيان نووي ) يخفي الاعلان في استراتيجيته النووية .. وامريكا دولة نووية ترتبط مع هذا الكيان بمعاهدة الدفاع المشترك منذ عام ١٩٨٥ رغم انهما نوويتان .. الهند وباكستان دولتان نوويتان تتوازنان بـ ( الرعب النووي ) وتختلفان في عناصر الردع التقليدي وكذا عناصر القوة، فيما يقع عامل ( الردع النووي ) في قمة إهتماماتهما الإستراتيجية .. اما الصين وامريكا فهما دولتان نوويتان و ( الردع النووي ) بينهما يمنع صانع القرار من التفكير حتى بتوجيه الضربة النووية الإستباقية الآولى، لأن الضربة الثانية كرد تمثل عنصر الإفناء الكامل والشامل .. وعلى اساس هذا المفهوم يمتنع صاحب القرار من حتى التفكير بإتخاذ مثل هذا القرار، لأن النتائج الشاملة والمؤكدة ستوكون وخيمة وكارثية ومحصلتها لا احد ينتصر في حرب نووية.

مارست امريكا النووية سياسة اسمتها ( اقصى الردع ) على ايران ، والأخيرة ليست نووية ، وبوسائل القوة التقليدية.إذ تستطيع امريكا ان تُشَذِبْ او تُعَدِلْ او ان تمحقَ السلوك الشاذ للدولة الإيرانية منذ عقود، ولكنها تريد ان تبقي سلوك النظام الإيراني يهدد المنطقة وجيرانها لإعتبارات تتعلق بإستراتيجية امريكية معدة منذ ما قبل عام ١٩٧٩ مكنتها من تسيير عملها السياسي والدبلوماسي والإستخباراتي في المنطقة، وتيسير ماكنتها الإعلامية القائمة على التناقض والكيل بمكيالين.فالدولة الايرانية لا تمتلك خيار ( الردع النووي ) ، وإن ما يسمى بخيار الرعب لديها مفقود لعدم امتلاكها القدرة على تكريس واقع الرعب النووي .. ومن هذا يتضح الفرق في المفاهيم ومدلولاتها المرتبطة بعناصر القوة .. والقوة في معناها الشامل تضم حزمة جيو - بوليتيكية واسعة من ( قوة الأقتصاد وتنوعه، وقوة الصناعة وتنوعها، وقوة التقنيات وتنوعاتها، والقوة العسكرية وإتساعها، وقوة التنوع الزراعي، وقوة المؤسسات الصحية والخدمية وقوة البنى التحتية ذات الطابع الجيو - بوليتيكي، وقوة المؤسسات الفكرية والبحثية والعلمية والتعليمية، فضلاً عن قوة الموارد المعدنية والمالية والبشرية وتوزيع هذه الموارد بهدف استخلاص عناصر القوة في صورتها الشاملة وتوظيفها في مجالات الردع، وتوزيع قدرات القوى على مساحات الأرض واهميتها التكاملية الخاصة في الدفاع في العمق او العمق في الدفاع .. ففلسطين مثلاً يعوزها العمق الإستراتيجي، الأمر الذي جعل الكيان الصهيوني يستخدم حروبه العدوانية في خارج فلسطين، وقد حطم العراق الوطني نظرية الأمن الإسرائيلية حين جرد أو شل قدرته الدفاعية في العمق ولم تعد هذه النظرية موجودة لحد الآن رغم ان هذا الكيان المسخ كيان نووي يعتمد في كل شيء على الخارج.

الردع التقليدي امام الردع النووي لا يصمد إلا إذا دخل الفريقان المتصارعان او المتنافسان في لعبة ( التوافق السياسي المحدود ) كما يحصل الآن بين امريكا وايران .. فيما يتضح أن الردع الجيو - بولتيكي العربي في اطار العلاقات مع ايران يكاد ان يكون مفقوداً لعدد من المسببات :

اولاً - فقدان وحدة الردع الجماعي العربي على المستوى التقليدي ، وذلك لإرتهان النظم السياسية في المنطقة لعوامل منها
ثانياً - دخول بعض هذه النظم في مجال الحماية الخارجية، وتكاد توجهاتها تدور في فلك ( حامي الحمى الأجنبي ) ،
ثالثاً - عدم اعتمادها على قواها الذاتية في وحدة القرار السياسي والاقتصادي والتعبوي والعسكري.

رابعاً - إن معظم هذه النظم السياسية ترتبط تجارياً وماليا وصيرفياً مع نظيراتها في ظل النظام الصفوي في طهران .. فهي نظم لا تملك خياراتها، لكونها ترتبط بمعاهدات الحماية الخارجية من جهة، وبعلاقات تجارية ومالية ومصرفية من جهة اخرى، ومع ذلك فهي ( مهدده ومهانه من نظام طهران كل يوم ).فلو كانت هذه النظم العربية قد امتلكت وحدة القرار ( الرادع ) سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ، لمجابهة التهديد الايراني لتحقق الردع التقليدي مع هذا النظام المنفلت بإرادة امريكية وإسرائيلية.

خامساً - والسبب الجوهري يكمن في ( التكوين ) النظمي لبعض هذه النظم من جهة، وعدم إيمانها بوحدة العمل العربي المشترك على صعيد القوة والمنعه، الأمر الذي حدى بالنظام الايراني ان يستهين بكل علانية ووقاحة ليس بهذه النظم، بل يحتقر شعوبها، ودائما يطلق قادة النظام الايراني تسميات قذرة ومنحطة على العربي ( أكلي الجراد وشاربي بول الإبل ، وهم رعات اغنام يعيشون خيام .. وسنرجعهم الى صحرائهم .. إلخ ، من التوصيفات التافهة والحقودة التي تعبر عن حقد اكثر من الف واربعمائة عام على تحطيم امبراطوريتم المجوسية التي تعبد النار .. الآن هم يدعون ( الأسلام ) ويحملون كل هذا الحقد على العرب والأسلام والمسلمين ).

سادساً - اراد العراق الوطني ان يعزز مكانة هذه النظم فتآمروا عليه وسهلوا العدوان الاجنبي الغاشم عليه وحطموه وسهلوا للصوص قيادته والرعاع من ذيول النظام الإيراني.!!
فالمفاهيم الخاصة بالردع التقليدي تختلف في معناها ومغزاها عن الرعب النووي، وكذا عن الردع النووي الشامل والمؤكد .. وإذا كانت هنالك من تطورات تقنية في عالم الصناعة النووية، فإن ذلك يعتمد على القدرة الفائقة المعدة لهذه الاسلحة النووية المقننة ، كالقنابل النووية المحدودة النطاق، والصواريخ النووية المتخصصة في تعطيل المفاعلات النووية ودفنها في اعماق الأرض دون أية إشعاعات تذكر،

كانت العلاقات الامريكية – السوفياتية تعيش في ظل الردع النووي المتبادل، وهو رعب نووي حقيقي، والكل يتذكر ازمة الصواريخ الكوبية التي وضعت العالم على حافة الدمار النووي الشامل المؤكد، على الرغم من امتلاك الولايات المتحدة اعداد الصواريخ ذات الرؤوس النووية عابرة للقارات تفوق اعداد ما يملكه الاتحاد السوفياتي بكثير .. ولكن هذا الكم الهائل يستطيع ان يدمر الكرة الأرضية عشرات المرات، فبضع صواريخ تكفي للردع النووي المتبادل بينهما، الأمر الذي دفع بالقوتين العظميين الى الجلوس على طاولة مفاوضات ( سالت ١ وسالت ٢ ) وتمكنا من حصر إمتلاكهما بمائة صاروخ نووي عابر للقارات وبمائة منصة إطلاق ،

وعلى اساس هذا الإجراء ظهرت معاهدة سالت ١ وسالت ٢ اللتان حددتا حجم الردع النووي المتبادل بينهما .. عالم الردع النووي يمكن اختزاله وعالم الردع التقليدي قد بلغ مرحلة مهمة ليس في تدمير مراكز القوة لدى الخصم بوسائل لا تبيد البشر ، بل بوسائل تعطل وتشل القدرات تماما وتمنع إندلاع الحروب التقليدية وحتى النووية .. !!






الجمعة ٢٩ ذو القعــدة ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / تمــوز / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة