شبكة ذي قار
عـاجـل










منع وزير الداخلية الفرنسي، جيرار دارمانان، تظاهرات دعم الشعب الفلسطيني في باريس ضد الهمجية الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من أسبوع على أهالي قطاع غزة.وانقلب هذا المنع إلى حدث، وأصبح خبرا تتناقله الوكالات العالمية وشاشات التلفزة، ما يسيء، بشكل واسع، لصورة فرنسا، ليس في المنطقة العربية فحسب، بل وفي أرجاء العالم.خلال أسبوع، تغير الخطاب الحكومي الفرنسي والإعلامي الذي بدأ بدعم تام وكامل للدولة العبرية وحكومة نتنياهو اليمينية، إذ وبسرعة، ومن اليوم الأول، اتصل الرئيس إيمانويل ماكرون بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، ليدين بشدة إطلاق صواريخ من حركة حماس وما سمّاها "المنظمات الإرهابية" الأخرى، التي "تضع في خطر سكان تل أبيب، وتؤذي أمن دولة إسرائيل".أما الوزير دارمانان فقد نشر تغريدةً يبرّر فيها منعه التظاهرات بأنها ستسبب، كما في عام ٢٠١٤، باضطراب للأمن العام، معتبرا ما يجري توترا في الشرق الأوسط!وتبعت هذه التصريحات مجموعة أخرى من الشخصيات اليمينية المتطرّفة وشخصياتٌ من الحزب الاشتراكي، مثل مارين لوبن ورئيس الوزراء السابق مانويل فالس، بالإضافة إلى شخصياتٍ من اليمين التقليدي الذي يتهيأ للانتخابات، مثل فاليري بيكرس وبرونو راتاليه، التي اقتنصت الفرصة لتعبر عن دعمها للكيان الصهيوني.

وفي اليوم التالي، بدأت مجلات وصحف وقنوات فرنسية كثيرة تغطياتها المنحازة لإسرائيل ووحشية جيشها ضد الفلسطينيين، بكيفيةٍ لا علاقة لها بالمهنية، ولا بمعايير المبادئ والحقائق، بل تتغذّى من مشاعر العنصرية والإسلاموفوبيا السائدة والمتزايدة منذ وصول ماكرون إلى الحكم، وليكرّسوا المقالات والمداخلات بشأن الشعب الإسرائيلي المسالم، متجاهلين الأخبار التي تتناقلها الوكالات وقنوات التلفزيون من استهداف الجيش الصهيوني وقصفه المدنيين، والموتى بالعشرات من نساء ورجال وأطفال، ومن اعتداءات المستوطنين المتطرّفين، تساعدهم شرطة الاحتلال لطرد الفلسطينيين من أراضيهم والاستيلاء عليها.

بل ألقت الشرطة الفرنسية، وهذا يحدث لأول مرة في سابقة خطيرة جدا، القبض على رئيس جمعية التضامن الفرنسي الفلسطيني برتران هيلبورن، عند خروجه من وزارة الخارجية بعد لقاء مع مسؤول عن الملف الفلسطيني والشرق الأوسط، وتم إيقافه طوال اليوم، بحجة دعوته إلى تظاهرة لمناصرة الشعب الفلسطيني.وقد قال هيلبورن "لم تكن هناك في أي يوم مشكلة مع الشرطة، لتنظيم تظاهرة من أجل فلسطين.لقد ذهبت مع النائبة ريموند بونسيه، والنواب إيلزا فوسيون وسابين روبن وممثل عن الاتحاد اليهودي الفرنسي، إلى وزارة الخارجية، لمناقشة الأوضاع في فلسطين، وعندما أردنا الخروج من الوزارة، قال لي ثلاثة من الموظفين إنني موقوف.رفعت الصوت لكي يعلم مرافقي بما قيل لي، لكي يتصرف زملائي.بعدها تم اقتيادي مقيد اليدين كأي مجرم.لقد تظاهرنا قبل أن نعرف أن البوليس رفض طلبنا، وعندما علمنا بالرفض أخبرنا جميع المتظاهرين، ولم تكن هناك أي مشكلة ولا إخلال بالأمن".

إيقاف رئيس جمعية التضامن الفلسطيني الفرنسي بهذه الطريقة، وتسجيل إدانات للنقابيين المعروفين المشاركين بالتظاهرات في اليوم نفسه سابقة خطيرة في فرنسا لقمع الرأي الآخر، لأن القوانين تمنع حظر التظاهرات.ولا تتناقض هذه التظاهرة مع قانون الطوارئ المعمول به منذ سنوات، بل هو إجراء بوليسي لردع الفرنسيين من أصول عربية لدعم القضية الفلسطينية، والتضامن مع الشعب الفلسطيني، ولتحقيق رغبات الجمعيات الصهيونية وشخصياتها الضاغطة والمؤثرة هنا بشكل واسع، في ظل حكم الرئيس ماكرون.

وعلى الرغم من منع وزارة الداخلية الفرنسية التظاهرة التي كان مقرّرا أن تؤكد تضامنها مع الفلسطينيين الذين يتعرّضون لعدوان إسرائيلي، إلا أن كل الجمعيات التي وقعت عليها قد أكدت على استمرارها وحضورها.ولأول مرة، تقوم وزارة الداخلية بتحضيرات واسعة لمنع وصول المتضامنين، إذ أغلقت المواصلات المؤدية إلى المكان وسيجته بالشرطة من مسافات بعيدة، قبل ساعات من موعد التظاهرة.ومع تجمع آلاف المتظاهرين، أرسلت الشرطة خراطيم الماء والقنابل المسيلة للدموع، كما شارك في قمع التظاهرة وتفريقها خيالة وعربات شرطة، وتمت ملاحقة المتظاهرين حتى إلى داخل الشوارع الفرعية من الحي ساعات.وتجاوز منع التضامن إلى منصات التواصل الاجتماعي، إذ منع الناشطون المعروفون في الساحة الفرنسية من منصّات فيسبوك، لقطع التواصل بين النشطاء والآخرين، ومنع مشاركة أي معلومات وأخبار وتداولها حول ما يجري في الداخل الفلسطيني.

في اليوم السادس من الاعتداء الإسرائيلي، تغير خطاب الساسة والإعلام، حينما ظهر أن فرنسا هي الدولة الوحيدة في العالم التي منعت تظاهرات التضامن مع الشعب الفلسطيني، لكن هذا الخطاب الجديد لم يتنازل عن إساءاته، حيث بدأ بالتحجّج بأن التظاهرات معادية للسامية، وأنها تسبب تعكيرا للأمن.ليس ذلك فحسب، بل بدأ الإعلام الداعم لإسرائيل بإبراز الشخصيات اليهودية التي تلفق الوقائع الموثقة بالصوت والصورة، وتخترعها وتشوههها، بشأن بعض أحداث التظاهرات في الأعوام المنصرمة لإدانة الشباب العربي بمعاداة السامية.والحقيقة أن الشرطة الفرنسية تسمح، في كل تظاهرة تضامن مع الشعب الفلسطيني، لأعضاء في رابطة الدفاع اليهودي، وهي مليشيا ممنوعة في إسرائيل والولايات المتحدة، وتسمح بها الحكومة الفرنسية للاعتداء على المتظاهرين، وعلى الشخصيات المهمة التي تساند القضية الفلسطينية، بل تتغاضى الحكومة الفرنسية حتى عن اعتداءات أعضاء هذه المنظمة على الشرطة الفرنسية نفسها.وغالبا ما يتساءل سياسيون فرنسيون مستهدفون من أفراد هذه المليشيا عن سبب عدم إلقاء القبض على من اعتدى منهم، وطعن بالسكين شرطيا فرنسيا، وطرد نائبا برلمانيا من إحدى التظاهرات، وعدم معاقبتهم!

يعدّ منع الحكومة الفرنسية تظاهرات التضامن مع الشعب الفلسطيني تحقيقا لما تطالب به الأوساط الصهيونية، لأنها هي التي تحرّض ضد العرب وضد الفرنسيين من أصول عربية، وتقود حملات شيطنة الشباب العربي ونشر الإسلاموفوبيا من أجل منع هذه الجالية من التعبير عن مساندتها فلسطين، من أجل تحييد ملايين من المساندين للحق في واحدة من أهم الدول الأوروبية، ومنع الشعب الفرنسي من الاستمرار في مساندة الشعب الفلسطيني.

بعد أسبوع من الاعتداءات الصهيونية على الشعب الفلسطيني، يبدو منع الحكومة الفرنسية تظاهرات التضامن إجراءً متواطئا مع العدوان، وهو ما ردّده الشباب المتظاهر في شوارع باريس من هتافات "إسرائيل تقتل" و"ماكرون متواطئ".وهو ما تضمنته أيضا رسالة شخصيات بارزة سياسية من المجتمع المدني الفرنسي إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، تحتج فيها على مساواته بين الضحية والمعتدي، وتذكّره باعتداءات المستوطنين وهتافاتهم "الموت للعرب" وسرقة هؤلاء البيوت والأراضي الفلسطينية، كما تذكّره باقتحام معتدين إسرائيليين المسجد الأقصى في شهر رمضان، بينما يصوم المسلمون ويؤدّون شعائر دينهم، لتعتدي عليهم، وتلقي قنابل الغاز، وتقول له إن هذه الاعتداءات ليست فردية، بل حكومية يشجّعها نتنياهو وحكومته وحزبه.ولا تعبر هذه الرسالة فقط عن نخبةٍ فرنسيةٍ من السياسيين والمثقفين، لأن الحقيقة أن غالبية الشعب الفرنسي تدعم الحق الفلسطيني، بل هذا الدعم الواسع والمتزايد، عاما بعد عام منذ عقود، هو ما تحاربه الأوساط الصهيونية في فرنسا، لأنها تخاف من نزع شرعية الكيان الصهيوني بمثل هذا التأييد الشعبي الفرنسي.في كل مكان، يعمل الكيان الصهيوني على تجميل صورته أمام الرأي العام العالمي، ويصرف الملايين، بينما الأوساط الصهيونية في فرنسا تدفع إلى الإساءة لصورة فرنسا في الداخل والخارج.وتتوهم هذه الأوساط أن في وسعها تحييد أكثر من خمسة ملايين مسلم وعربي من التضامن مع الشعب الفلسطيني وحقه في أرضه، فمثلما تولد أجيال فلسطينية وعربية لتحمل الراية ممن سبقها فالأمر لا يختلف هنا : أجيال جديدة تولد في فرنسا وتكبر، متمسّكة بدعم الحقوق، لا تتنازل، ولا تذعن للإرهاب الفكري الصهيوني الذي يريد أن يملي عليها أكاذيبه وإملاءاته.






السبت ١٠ شــوال ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / أيــار / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ولاء سعيد السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة