شبكة ذي قار
عـاجـل










دور الشباب في التغيير
الشباب هم العرق النَّابض على هذه الأرض وهم من يقومون ببنائها ويسعون لازدهارها فلا حياة من دون شباب، وماسميت أوروبا بالقارة العجوز إلا بعد أن فقدوا حيوية الشباب لديهم فصاروا يستقطبون شبابًا من الدّول الأخرى ليعمروا لهم الحياة، الشباب هم العمود الفقري لهذه الحياة فإذا ما تأذى ذلك العمود صارت الحياة إلى الشلل والانحدار وأخيرًا السكون على سرير أبيض أشبه بدنيا الأموات، ولو نظرت بلدان العالم الثالث إلى أسباب تخلفها لرأت أنَّ السبب الرئيس وراء ذلك هو إقصاء اليد الشابة عن مضمار العمل والإبقاء على العجائز، وما ذلك تقليلًا من كبار السّن حاشى، بل لكل زمان دولة ورجال، ويُمكن الاستفادة من خبرتهم دون أن يوضع الشباب على رفّ النسيان.

الشباب هم عنفوان الحياة وهم القادرون على تغيير كفة الموازين، فيجد الناظر عشرات بل مئات وآلاف طلاب الجامعة الذين يتخرجون في كل عام ولا يُستفاد من طاقات أولئك الشباب إلا في مجالات محدودة جدًّا، بل والأكثر من ذلك أن يجد الإنسان بعد برهة من الزمن الشاب الجامعي يعمل في غير دراسته وإذا ما سألته عن السبب قال إنَّ الحياة قاسية والشهادة لا تُطعم الخبز، حتى انتشرت منذ فترة وجيزة فكرة خطيرة تُغرس في عقول الشباب أنّ الدراسة ما هي إلا عبء لا يستفيد منه الإنسان في حياته العملية، بل الساحة الآن للصناع والتجار فقط.
لو عادت الذاكرة قليلًا إلى الوراء لرأى المتطلع أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أوكل في إحدى المرات قيادة جيش بأكمله إلى شاب لا يتجاوز عمره السابعة عشر، مع أنَّ ذلك الجيش فيه جهابذة الرجال من أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ولكنّه - صلى الله عليه وسلم - أراد لروح الشباب أن تقف في مكانها الصحيح، وليس معنى ذلك أن يأتي أحدهم الآن بشاب في السابعة عشر من عمره ويوكل له مهمات عظيمة ويقول له فعل أسامة بن زيد قبلك.

دور الشباب في التنمية الاقتصادية
لا يجب إغفال دور الشباب في عملية التنمية الاقتصادية للدولة على وجه العموم، فهم المورد المتجدد للدولة وطاقاتهم المتفجرة هي التي تُساعد على بناء المجتمع السليم الخالي من أيّ أمراض اجتماعيّة، ولا بدَّ للشباب من أن يكون واعيًا تجاه المسؤوليات والآمال المعلقة عليه، وتقع المهمة العظيمة على كاهل المعلمين الذين يبنون العقول ويجب عليهم بناء عقول قادرة على التعامل مع معطيات المستقبل حتى يتم بناؤه بشكل سليم.

لا بدَّ من تنشئة الطفل على تلك الأخلاق الرفيعة والسّجايا الكريمة التي تجعل منه رجلًا بحق، رجلًا يستطيع قلب الموازين فيمحو الباطل ويحق الحق مكانه، وبذلك يكون دور الشباب في تحسين الحياة في بلادهم وبالتَّالي تحسين الاقتصاد، ولا يقع ذلك فقط على عاتق جهة دون أخرى بل لا بدَّ من تظافر الجهود كافة حتى يتم ذلك، فالإعلام هو مادة دسمة للشباب ولا بدَّ من توجيه العقول عبر الإعلام إلى التغيير من الواقع والدفع بالشباب للتمرد على البطالة والخنوع والذل والهوان، فالحياة التي لا كرامة فيها هي أشبه بالموت على قارعة السكون، وربما كان ذلك هو الموت الصامت.

إنَّ دور الشباب في نهضة الأمة عظيم وجليل لا يجب إغفاله أو التغافل عنه، وما نهضت أمة إلا بهمة شبابها وليس المقصود بالشباب فقط الرجال على العكس من ذلك، فالمقصود بالشباب هم النساء والرجال على حدٍّ سواء، فالمرأة هي الجسر القادر على احتمال ضغوطات الحياة المختلفة ومن ثم إيصال الجميع إلى بر الأمان.

لا بدَّ من خطوات عملية حقيقيّة يكون فيها المجتمع قد اختطّ خطواته الأولى في سبيل تحسين الواقع المعاشي وبالتَّالي الواقع الاقتصادي، وقد يكون ذلك من خلال الجمعيات الخيرية وتعاون الشباب بين بعضهم على إقامتها وإحصاء العوائل الفقيرة وجمع التّبرعات وتوزيعها على العائلات التي لا تتسول المال وإذا رآهم الجاهل حسبهم أغنياء من التعفف.

دور الشباب في العمل التطوعي إنَّ العمل التطوعي يحتاج إلى طاقات هائلة عظيمة لا يمتلكها إلا الشباب، وباتت تلك الفكرة في الآونة الأخيرة تأخذ منحى جدّيًا لدى الشباب، فكثير من الحكومات قد تعجز عن العناية بفئات المجتمع كافة، فيكون الحل هو تشكيل مجموعات من الشباب بين بعضها يكون هدفها الرئيس محاولة إيجاد الحلول لبعض مشكلات العوائل الفقير قدر الإمكان، وجمع المواد اللازمة لذلك، ويبرز ذلك في فصل الشتاء حينما تكون الأمطار على أشدها، والرياح تقتلع كل شيء قد يتضرر بيت الرجل الفقير الذي لم يُرممه منذ زمن، ومن هنا يأتي دور الفرقة الطوعية التي تُساعد في ذلك الترميم ، وقد انتشرت كثيرًا فكرة تطوع الشباب في الآونة الأخيرة، ومن ذلك تطوعهم للعمل في تزيين الطرقات بمختلف الرسومات، وهذا ما حدث في كثيرٍ من البلدان العربيّة ومن بينها دمشق التي ازدانت بمختلف الرسومات والفنون التشكيلية وكل ذلك بتكلفة زهيدة الثمن، إذ إنّهم استعموا الزجاج المكسور وأغطية القوارير وغيرها من الأشياء التي أعادوا تدويرها بطريقة لافتة مبدعة.

إنَّ تطوع الشباب في ميدان الحياة يُسهم كثيرًا في بناء المستقبل المشرق الذي يرغب به أرباب المجتمع ورؤوسه، وهذا كله يصب في خدمة الوطن، ولا يجب أن يُغفل كذلك دور الشباب التطوعي في نشر الثقافة والتعليم وتبادل الأفكار الخلاقة وصنع المشاريع الصغيرة ومحاولة تظافر الجهود بين بعضها للوصول إلى عمل لائق بديع، وإن كان ذلك كله يصب في مصلحة العامة، لكن لا يُمكن التغافل أبدًا عن أنَّ ذلك من شأنه أن يرفع سوية الفرد ويصقل مهاراته الشخصية ويعلمه الاعتماد على ذاته وخلق جوّ من التعاون والإحساس بالمسؤولية الكبيرة تجاه الوطن بأكمله وتجاه المجتمع وتجاه الفرد الواحد ، لا شكَّ أنَّ مثل تلك الأعمال من شأنها أن تُعرّف الإنسان على ذاته التي يجهلها، ذاته في المواقف الصعبة وذاته في مساعدة الآخرين والقدرة على الاندماج معهم وتنمية القدرات الشخصية سواء كانت تلك القدرات علمية أم عملية، عدا عن أنَّ الفرد يصبح أكثر معرفة بالمجتمع الذي يعيش به، وذلك يخص الأفراد الذين تربوا بمجتمع مرفهٍ يسوده الاستقرار المادي أكثر من الفقراء، إذ إنّ أصحاب الطبقة المخملية من الحياة يظنون أنَّ الجميع يحيا مثلما يحيون هم، وقد يتشكّل لديهم حالةً من الذهول إذا ما رأوا المصاعب التي يتعرض لها أبناء المجتمع الفقير.

دور الشباب في مكافحة الفساد
من يعرف أنَّ الشباب هم أمل الحياة يعرف أنَّهم أقدر النَّاس على مواجهة الفساد وأنَّ تلك العقول لو بُنيت على الصَّواب فإنَّها ستكون بمثابة الجدار النَّاري الذي يحجب كل المخاطر عن المجتمع، فكل دولة معرضة لأن يستشري الفساد فيها وتكون لقمة سائغة له، وهنا يأتي دور الحكومات حتى تستخدم الشباب في مواجهة الفساد وأسبابه، فالشَّاب تكون لديه القوة البدنية والفكرية لمواجهة مثل تلك الموجة الضارية التي توصل المجتمع بأكمله إلى شط الهلاك.

إنَّ الشباب في هي المرحلة التي يعوّل عليها بناء مجتمع صادق بعيد عن الفساد وعن كل أسبابه، ذلك الذي استشرى وعاث في الأرض فسادًا حتى استهلك أرواح المجتمع وانتهكها عن بكرة أبيها، فصار الشاب ينظر إلى المستقبل بعين الترقب والحذر وهو يرى الفساد بقبع على أبواب النّاس بدءًا من السمان وبائع الخضار وانتهاء بروؤس الفساد التي لولاها لما تجرأ أحد على نشر الفساد والوقوف في صفه.

إنَّ الأمور إذا وضعت في نصابها الصحيح استطاع الإنسان أن يكون عادلًا مع نفسه وحتى مع غيره، ولما يُعطى للشباب حقوقهم ويعرفون واجباتهم تكون هذه هي الخطوة الأولى من أجل ردع الفساد وإبعاده عن المجتمع، فالشّاب الذي لا يُعطى من حقوقه سوى كسرة خبز يقتات بها مع عياله ثم يقوم في كل صباح يلهث وراء القرش حتى يحضر الدواء لأمه المريضة سيكون لقمة سائغة لوحش الفساد، فكثرٌ هم الأشخاص الذين يتصيدون النماذج تلك حتى يصلوا إلى مآربهم دون أن تتلطخ أيديهم بالفساد.

إنَّ المجتمع لا ينهض نهضة واحدة دون أن تتظافر كل الجهود المعنية فيدفعون الأمر إلى أهله ويكون الكبار هم الظهر الحامي للصغار فيأنس الشباب برأي الكبار دون أن تُفرض عليهم رؤية واحدة ولا يُقيّدهم منهج واحد، فتكون هذه هي الحياة المرتقبة التي يطمح بها أي مجتمع ويزدهر، وينتقل من كونه مجتمعًا ناميًا ضعيفًا مع وفرة الإمكانيات إلى مجتمعٍ قويٍّ صلب لا يعبأ بالتغيرات العالمية، لأنَّه يستطيع أن يكون عالمًا لوحده بفضل شبابه الرائعين، ولا ريب أنَّ الشباب هم وقود الحياة وأملها.









الثلاثاء ١٦ شعبــان ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / أذار / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. ابو لهيب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة