شبكة ذي قار
عـاجـل










عقدت تنظيمات شعبة الكرخ / المركز في حزب البعث الاشتراكي ندوة حزبية، في نهاية شباط ١٩٦٧ في منزل أحد الرفاق في حي القادسية جنوبي غربي بغداد، حضرها الرفيق صدام حسين رحمه الله وبعض أعضاء قيادة فرع بغداد.

لم يأت توقيت الندوة اعتباطاً، بل جاء بعد أربعة شهور على انعقاد المؤتمر القطري السادس للحزب والذي انعقد في بغداد في تشرين الأول ١٩٦٦، وأدى إلى وقوع انشقاق واسع في تنظيمات الحزب، ربما استقطب معظم التنظيم العراقي إلى جانبه، لأنه رفع شعارات يسارية متطرفة داعبت مخيلة الشباب المتحمسين، شعارات تحاكي الشعارات التي رفعها الانقلابيون في دمشق يوم ٢٣ شباط ١٩٦٦، وذلك نتيجة تمرد عناصر من القيادة السورية وخروجها على الشرعية الحزبية بانقلاب عسكري دموي.

تحدث الرفيق صدام حسين عن أزمة الحزب الناتجة عن ردة شباط ١٩٦٦ في سوريا، فأكد على واحدة من أهم الحقائق التاريخية التي عاشها الحزب، فقال لم يسجل أي انشقاق في تاريخ الحزب، أو خروج على الشرعية نجاحاً منذ تأسيس الحزب عام ١٩٤٧، حتى لو كان هذا الانشقاق بقيادة عناصر تحتل أعلى المواقع القيادية في الحزب، وضرب أمثلة على ذلك في محاولة انشقاق عبد الله الريماوي وفؤاد الركابي مطلع ستينيات القرن الماضي، ثم محاولة علي صالح السعدي الخروج من الحزب وتشكيل حزب بديل، بعد ردة ١٨ تشرين ١٩٦٣ في العراق، وأخيرا هذا الانشقاق الذي نعتبره أخطر ما واجهه الحزب في تاريخه، وقال بحزم أستطيع أن أجزم بأن الانشقاق في العراق مآله إلى زوال في وقت سريع.

ان الدخول الى متن المقالة انطلاقاً من اقوال الرفيق صدام حسين ، يعيد تسليط الضوء على ان الانشقاقات تهاوت كلها لانها كانت تمردا على الشرعية الحزبية ويسجَّل للحزب في العراق انه كان دائماً مع الشرعية وحصناً حصيناً لها.

فما هي شرعية القيادة القومية؟ ولماذا تنظيم العراق؟

للإجابة عن هذين السؤالين سأفرد لهما مبحثين :

الأول : شرعية القيادة القومية
فما هو المقصود بالشرعية كمفهوم حزبي أم اصطلاحي؟

الشرعية بمفهومها الاصطلاحي هي القيم التي يكتسبها الفرد خلال مسيرة تطوره في الحياة، والتي تفرض عليه قواعد راسخة واعترافاً لا لبس فيه، بنظام حكمٍ أو كيانٍ سياسي متفق على أسس قيامه، ويُعد الخروج عليها نسفا لقواعد أخلاقية وقانونية تم عقدها بين شركاء في مشروع سياسي أو اجتماعي أو تنظيم حزبي، ومرد احترام هذه الشرعية يأتي من تقاليد ترسخت عبر ممارسات متكررة عاشها التنظيم الحزبي أو الكيان السياسي أو الاجتماعي، وقطعاً تُنظم هذه الشرعية بقواعد قانونية واضحة ونظم توجب الاحترام، ويعد الخروج عليها خروجا على ما تم الاتفاق عليه، ولا بد من وجود عقوبات زاجرة تمنع تهديد وحدة المؤسسة، وإلا سيتحول ذلك الكيان إلى سوق متعدد التخصصات.

أما الالتزام بالشرعية فهو سلوك أخلاقي والتزام شخصي، يدلل على نضج ووعي اكتسبهما الانسان في مسيرته نحو التكامل، ومن خلال ما يتلقاه من تربية في أسرته في مراحل التكوين الأولى، ثم ما يحصل عليه من روافد فكرية وثقافية تُنمّي مداركه وترسم له طريق حياته، وهنا نتحدث عن التزام طوعي بالشرعية عن وعي وإدراك وليس بالقسر والطاعة العمياء المرادفة لمنطق الاستعباد والانقياد الجمعي الأمي.

لقد اختار البعثيون الانتماء للحزب عبر مسيرته الطويلة نتيجة دوافع مختلفة، قد لا يأتي الوعي والإيمان بفكر البعث في مقدمتها، فهناك كمٌ كبير انضم للحزب، وخاصة في العراق، في ظروف سياسية عصيبة، وجدوا فيها أن البعثيين فرسان شجعان وإقداميّون لا يهابون الموت فانتزعوا اعجاب الجماهير، وهذا ما حصل بعد ١٤ تموز ١٩٥٨ وما رافقها من اصطفافات سياسية خطيرة، فرأى العراقيون في البعث القوة الوحيدة القادرة على إعادة العراق إلى امته العربية، كما أن هناك الهبّة العامة التي تمّيز مجتمعنا العربي بأن هناك وعيا إستلابيا، يُحدد مساره انحياز الجماعة المنقادة، ويقمع كل النزعات الرافضة لثقافة القطيع.

البعثيون في جميع أقطار الوطن العربي، عندما اختاروا البعث كوعاء وتيار سياسي وفكري جديد في الساحة العربية، للتعبير عن تطلعاتهم في وحدة الأمة العربية على أساس مجتمع العدالة الاجتماعية وحرية الفرد والمجتمع، فقد اختاروه إما عن وعي مبّكر بأهدافه والالتزام بقواعد الانضباط التي يفرضها عليهم نظامه الداخلي، أو أنهم تعرّفوا عليها خلال مسيرتهم الحزبية اللاحقة، ومن أهم هذه الاشتراطات احترام الشرعية الحزبية للقيادات صعودا إلى القيادة القومية.

بين آونة وأخرى تتعرض قيم الالتزام بتلك القواعد، إلى ارتدادات خطيرة على وحدة الحزب، تبعاً لما يواجه مسيرته من هزات سياسية، فنلاحظ أن الأزمات الداخلية على المستوى التنظيمي، لا تبرز إلا بعد كل أزمة تعرض لها الحزب بفعل عوامل خارجية، كما حصل بعد ١٨ تشرين الثاني ١٩٦٣ في العراق أو بعد ٢٣ شباط ١٩٦٦، فقد أدت الردتان إلى وقوع انشقاقات خطيرة هزت وحدة الحزب، صحيح أن تلك الانشقاقات جاءت بعد تباينات وُصفت بأنها فكرية ، ولكن في العودة إلى جذورها سنجد أنها نتاج سيء لمنطق العصبوية الذي سيطر على عقول بعض المتسلقين في المؤتمرات الحزبية الذين ظنوا أنهم فرصتهم توشك ؟أن تفلت من بين أيديهم.

وعندما تطفو تلك الظواهر المدانة يذهب المنشَقون إلى طرح شعارات تتعلق بفكر الحزب ومدى قدرته على التجديد، وخاصة بروز تيارات الطفولة اليسارية، وهذه الشعارات في واقعها غير ما كانوا يفكرون به قبل وقوع الأزمة، فقد كانوا يُلبسون خروجهم على الحزب، أرديةً عقائدية لم تكن إلا نزعة تبريرية لضيقهم بالنظام الداخلي، الذي رأوْا أنه لا يلبي لهم كل طموحاتهم غير المشروعة، فعدم استعدادهم للتقيّد بالانضباط الحزبي وشروطه المعروفة، وعدم خضوع القيادات الأدنى للقيادات الأعلى، أو للمؤتمرات التي تفرزها، كل ذلك أدى إلى بروز ظاهرة العصبوية في بنية الحزب الداخلية.

حزب البعث المطلوب رأسه من قبل تحالف دولي يضم أعتى قوى الشر في العالم من الشرق والغرب، ملاحق برموزه وقياداته وقواعده، وهذا الظرف الاستثنائي فرض عليه اختيار بعض القيادات، بما فيها عضوية القيادة القومية من دون عقد مؤتمرات حزبية، أو أضطر لإرجاء المؤتمرات الحزبية لفترات طويلة، وبالتالي تمديد مدد تولي القيادات لمواقعها، وهنا نلاحظ أن الطرف المستفيد من هذا الوضع يستميت في الدفاع عن تلك التدابير الاستثنائية التي اتخذت، ويضع آلاف الحجج لتبرير عدم انعقاد المؤتمرات الحزبية، وبمجرد أن يُبعد عن موقعه أو تتغير علاقاته داخل المؤسسة الحزبية، نراه يتغير في مواقفه تغيرا جوهريا، ويبدأ في التثقيف ضد قرارات تعيين القيادات هذه، التي يعتبرها غريبة عن تاريخ الحزب، فالموقف هنا تحدده المصلحة الخاصة وليس مصلحة الحزب.

بعد رحيل الرفيق الأمين العام للحزب الرفيق عزة الدوري، حصلت اصطفافات متعجلة في إشغال بعض المواقع القيادية وخاصة في الساحة العراقية التي تعيش ظرفا استثنائيا لم يمر به العراق ولا الحزب في تاريخهما، أوشكت أن تتحول إلى بروز تيار انشقاقي جديد، انتقل من الحوار داخل المؤسسات الحزبية إلى حوار على وسائل التواصل الاجتماعي وهذا ما لم يحصل من ذي قبل، وهو ما فاقم من مستوى الاختلاف المسموع بين رفاق الأمس، وهنا مارست القيادة القومية واجبها في إطار صلاحياتها المنصوص عليها في النظام الداخلي للحزب، لضبط إيقاع المسيرة الانتقالية في أجواء رفاقية، ولكن المتضررين من تلك الاجراءات حاولوا جمع الأنصار حولهم وشقوا عصا الطاعة وارتفع صوتهم بالحديث عن النظام الداخلي للحزب، وبدأت شعاراتهم تتبدل تبعاً لمصالحهم، وارتفعت شعارات التشكيك بشرعية القيادة القومية التي كانوا جزءً منها، وحقها في البقاء بموقعها من دون انتخابات لزمن طويل، حسنا لماذا لم تعترضوا على قرارات تعينكم في مواقعكم القيادية التي قد لا يستحقها بعضكم لو كانت الظروف اعتيادية؟ أو أن انتخابات حزبية قد جرت في أجواء حزبية حرة؟

الظروف الاستثنائية تفرض اجراءات استثنائية أيضا، وخاصة تأجيل الانتخابات والذهاب إلى الاختيار أو التعين، استنادا إلى قناعات الأمين العام ومجموعة من القيادات المشاركة معه في اتخاذ القرارات الصعبة، خشية من أي تهديد أمني معادٍ من قوى تتربص بالحزب الدوائر، صحيح أن تلك الظروف يمكن أن تطرح أسماءً ليست جديرة بالمواقع المرشحة لها، إلا أن الصحيح أيضا أن الأمين العام رحمه الله اجتهد في ضوء المساحة المتاحة له أمنيا وسياسيا، فرشح بعضاً من الأسماء القيادية لإشغال مواقع قيادية في الصف الأول.

إن الشرعية التي تمتلكها القيادة القومية والتي تستند عليها في قراراتها وإجراءاتها، ليست مرتبطة بمزاج هذا الطرف أو ذاك، فإن جاءت لمصلحته تبناها ودافع عنها بحرارة واستخرج لها الحجج والبراهين الحزبية، وإن ضربت مصلحته تصدى لها بقوة واستخرج لها حججا كثيرة لدحضها، تبقى للقيادة القومية رمزيتها وشرعيتها خاصة وأن كل أعضائها قد شغلوا مواقعهم النضالية اما في عضوية القيادة او تشكيلاتها العليا خلال الفترة التي سبقت الغزو الأمريكي واستمروا في اداء دورهم النضالي وخاصة في ادامة النضال القومي واعادة التشكيلات الحزبية في قطر العراق بعد الهزة الكبرى التي اصابتها عقب الغزو مباشرة ، ولا يحق لعناصر قيادية جديدة في قطر ما الخوض بما هو ليس من حقها، لا أخلاقيا ولا سياسيا، لأنها تنسف الأسس التي أقسمت يمين الولاء لها.

الثاني : تنظيم العراق
من المعروف أن الحزب بعد تأسيسه في ٧ نيسان ١٩٤٧، أخذ قوة دفع تاريخية عندما بدأت تنظيماته تتسع في العراق، ربما بوتائر أسرع مما حصل في مسقط رأس الحزب "سوريا"، وحصل ذلك إما عن طريق طلبة عراقيين يدرسون في سوريا، أو طلبة سوريين يدرسون في العراق، أو مقاتلين شاركوا في كتائب البعث في حرب فلسطين عام ١٩٤٨، فتشبع الجيل الأول الذي انضم إلى البعث بفكره، الذي نظر إليه مؤسس الحزب الرفيق ميشيل عفلق والبعثيون الأوائل بأنه حزب فلسطين، فتأسس على اكتاف الطلبة وعقول مفكريه وسواعد الجيش، وانتشر بسرعة في أوساط الشباب نتيجة لروح الإقدام التي تحلى بها البعثيون الأوائل وأصبح رقما لا يمكن تجاهله في خارطة العراق السياسية، فقد شارك بفعالية عام ١٩٥٧ في تأسيس جبهة الاتحاد الوطني، التي ضمت إضافة إليه كلاً من الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال والحزب الشيوعي، وبعد ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ أصبح أمين سر القيادة القطرية، وزيرا في أول حكومة شكلها الزعيم الركن عبد الكريم قاسم، وعندما انحرف قاسم بالثورة عن مسارها وتقرب من التيارات الشعوبية وقع الصدام الذي شطر المجتمع العراقي عموديا إلى شطرين، قاد التيار القومي حزب البعث، وقاد التيار المضاد الحزب الشيوعي.

وخاض البعث معارك طاحنة لتثبيت البوصلة القومية ودفع بسببها أثمانا باهظة وخاصة في الموصل وبغداد وكركوك، ومما عزز من مكانة البعث على مستوى الشارع العراقي، تنفيذ محاولة اغتيار عبد الكريم قاسم، التي خطط لها ونفذها بعثيون شباب، ثم ما أعقبها من محاكمات أظهر فيها فرسان البعث صورا نادرة من البطولة والشجاعة، مما حفّز آلاف العراقيين إلى الانخراط في صفوف البعث، من دون أن يعرف معظمهم عقيدة البعث ولا نظريته التنظيمية، وفي غضون عقدين ونيف تمكن الحزب من الوصول إلى السلطة في العراق مرتين، الأولى عندما كان عمره أقل من ستة عشر عاما، وهو الحدث الكبير الذي غيّرَ مسار الحزب في العراق أي قيادته لثورة ٨ شباط ١٩٦٣، ومع كل ما تعرض له الحزب من ضربات قاصمة، فقد تمكن من العودة إلى الحكم قبل أقل من خمس سنوات، محملا بخبرة كبيرة استمدها من تجربته السابقة.

كان العراق ومنذ الأيام الأولى لنشوء تنظيمات الحزب فيه، أكبر خزان بشري لثقل الحزب على الصعيد القومي، مع خاصية إضافية قد لا تتوفر بنفس الدرجة من نوعية الرجال المنتمين للحزب، وهي أنهم خاضوا غمار معارك سياسية داخلية عنيفة ضد قوى موتورة، وهذه المعارك منحتهم خبرة عالية في مواجهة كل ما اعترض مسيرتهم من صعوبات، وأدت بالنتيجة إلى أن القوى المعادية للحزب سلمت في نهاية المطاف بالدور القيادي للحزب في المجتمع العراقي، لقد ذلل البعثيون بجَلَدهم وصبرهم وتحملهم، كلَ أشكال البطش الرسمي الذي تعرضوا له من أجهزة الأمن القمعية أو من أطراف أخرى، فقد كان تنظيم العراق مما يصح أن يُطلق عليهم أنه "معهد اعداد حزبي لتخريج الكوادر المناضلة والتي تحمل وعيا عاليا بطراز المعارك التي يخوضون غمارها".

وبسبب المعارك التي خاضها العراق دفاعا عن الأمة العربية بقيادته التاريخية، وخاصة حرب الثماني سنوات دفاعا عن البوابة الشرقية للأمة العربية، فقد تزود العراقيون بأعلى درجات الخبرة النضالية لمواجهة أعداء الأمة، أما عندما تعرض العراق للعدوان الثلاثيني عام ١٩٩١ تحت لافتة "تحرير الكويت"، وما أعقبها من حصار ظالم لثلاثة عشر عاما، فقد ضرب العراقيون خلاله وتحت القصف الجوي والصاروخي الذي كانت الولايات المتحدة تسعى لحذف العراق من الخارطة جغرافيا وسياسيا أروع أمثلة الثبات على مواقفهم، فقد تمسك العراقيون بقيادة البعث بكل الخيارات التي ساروا عليها منذ ١٧ تموز ١٩٦٨، وأخفق الأعداء في إخراج العراق من دوره التاريخي في منظومة الأمن القومي العربي، لهذا أقاموا التحالف الثلاثي الإيراني الصهيوني الأطلسي، وظن المعتدون أنهم نجحوا في إقامة المجتمع المدّجن الذي سعى إليه جيران العراق والقوى الدولية الكبرى، فضلاً عن قوى محلية باعت نفسها لقوى الشر الخارجي ورهنت إرادتها لها، فأرادوا العراق خزينة منتهبة لا تنضب لكل مافيات العالم وكل الباحثين عن الثروة بلا تعب أو جهد، فأعادوا العراق إلى الوراء وبدأ المواطنون يقارنون بين ما فعله هولاكو يوم أسقط بغداد وهم لم يروه وبين فعل عملاء إيران في وطنهم الذي كانوا يلمسونه في كل حي وزقاق.

ومرة أخرى يخرج العراقيون على كل القوالب التي ظن الأعداء أنهم أحكموها على رقابهم، فإذا بثورة تشرين تُخرّج شبابا جديدا من تحت الرماد، في صيحة واحدة تلخص رفض العراقيين للبضاعة التي خطط الإيرانيون طويلا لتمهيد طريقهم لإقامة امبراطوريتهم الفارسية الجديدة، مسخرين الشعارات الطائفية كأفضل ما توصل إليه كهنة معبد النار في يزد.
بذل الإيرانيون بالقول المباشر أو بالصمت من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني العنصري، جهودا كبرى لتأجيج الحرب على أساس صراع المذاهب في العراق، وأنفقوا من الأموال الشيء الكثير، وفي لحظة غياب الوعي، أو تحت تهديد السلاح، تمكنوا من تحقيق خطوات مهمة على طريق الانتشار، حتى جاءت انتفاضة تشرين، مطرقة كبيرة على رأس ولاية الفقيه، فكانت شعارات الثورة أبلغ رد أنجزه وعي الشعب العراقي، لتأكيد انتمائه العربي الراسخ.

هذا الشعب وعلى الرغم من أن كثيرا من المنتفضين، لم يعيشوا حكم الحزب، أو أنهم وُلدوا بعد الاحتلال، فإن هتافاتهم للحزب ولتجربته الثورية العميقة، كان أبلغ رد على أحلام إيران الإمبراطورية، وأوضح برهان للعرب بأن تجربة ٣٥ عاما من حكم البعث، لم تكن عبثا، فقد ترسخ البناء وإن كان البناء المادي قد تهدّم، فإن الحزب نجح نجاحا ساحقا في بناء الإنسان على أرسخ الأسس وأقواها.

وعندما أتحدث بفخر عن مكانة تنظيم القطر العراقي وأثره منذ أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، فليس معنى هذا أن "بعث العراق" هو شيء آخر غير ما نعرفه عن تنظيمات الحزب من المغرب الأقصى مرورا بالجزائر وتونس وليبيا وحتى شاطئ الخليج العربي واليمن، لقد ترك مناضلو الحزب في تلك الأقطار بصماتهم الواضحة على كل صفحة من صفحات النضال القومي من أجل الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي والبريطاني، وعلى حركة الجماهير من أجل حريتها وحقها في الحياة الحرة الكريمة وما زالوا يخطّون صفحاته المجيدة، وعندما اكتب عن هذا كله، فلست في الموقع الذي يُؤهلني لإصدار أحكام، لا ترتقي إلى مستوى التضحيات الجسام لمناضلي البعث في بلاد الشام وجزيرة العرب وبلاد المغرب الأقصى والسودان، فذلك تاريخ كتبته دماء الضحايا الذين سقطوا وهم يقارعون الظلم في مظانّه ونظم الحكم القمعية والمرتبطة بمخططات الأعداد، وكتاب "نضال البعث" يحكي ذلك التاريخ المُشرّق لتنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي في كل الأقطار العربية التي نهضت منظماتُه بواجبها القومي والاجتماعي على أكمل وجه.وانه بمثل هذا التكامل بين قوة تنظيمات الحزب وفعلها في كل ساحات الوطن العربي وبين قيادته القومية وشرعيتها يتحقق التجسيد العملي لفكر الحزب القومي وتتجلى قوته وديمومته لقيادة النضال العربي.









السبت ١ رجــب ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / شبــاط / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة