شبكة ذي قار
عـاجـل










تشهد فرنسا حملات هوجاء استهدفت الإسلام بلغت ذروتها خلال الفترة القصيرة الماضية، واتسمت هذه الحملة بالعدائية الشرسة والعدوانية المجانية المستفزة كما شابها هبوط أخلاقي كبير وتدني حضاري أكبر ناهيك عما انطوت عليه من عنصرية مقيتة ونقمة مستهجنة تجمعت كلها فغذت سهام حقد غادرة وأوقدت رماد لهيب دفين في صدر فرنسا يتقد بغضا وحنقا على الإسلام باعتباره ثاني الأديان السماوية من حيث عدد معتنقيه في العالم.

ولقد احتدمت وتيرة استهداف الإسلام في فرنسا بارتقاء هذه الحماقة إلى الحد الذي غدت فيه سياسة من أبرز سياسات الدولة الفرنسية حيث تجند المعتوه ماكرون لريادتها بإطلاقه جملة من التصريحات العبثية القاطرة حقدا على الدين الإسلامي وربطه ربطا سمجا ميكانيكيا خبيثا بالإرهاب، وتزداد الطين بلة بتأكيد ماكرون على دعمه للأعمال المسيئة لرمز الإسلام والمسلمين ولرمز الإنسانية قاطبة وعلمها ومعلمها وقائدها وأعظمها وأسماها على الإطلاق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

إن ما تشهده فرنسا على الصعيد الرسمي اليوم من تحامل صريح وعداء واضح للإسلام ليست أحداثا معزولة ولا مبتورة، والأخطر أنها لا يمكن تصنيفها مطلقا في دائرة الاجتهادات أو الآراء الشخصية، ذلك أن استهداف الدين الإسلامي اليوم هو نتيجة حملات تحشيد عليه وتشويه له وتخويف وترهيب منه منذ زمن قديم واحتدمت وتيرتها خلال العقدي الماضيين، حيث ما انفك الإعلام الفرنسي وصناع القرار فيها يحرضون ضد الإسلام والمسلمين ويتصيدون الفرص لتنفير الناس منهما وتأليبهم عليهما، ولم تتخلف الأجهزة الرسمية الفرنسية عن النفخ في هذه النيران.

إن مثار الاستغراب مما يجري في فرنسا من سجال مفتوح منذ سنوات حول الإسلام ومخاطره المزعومة عليها، إنما مرده أن فرنسا ظلت تتشدق طويلا بكونها عاصمة الأنوار والتفكير الحر وأنها دولة علمانية بل ولائكية من أوكد البديهيات فيها ضمان التعايش السلمي بين المكونات والأراء والمعتقدات والإيديولوجيات المختلفة والمتناقضة بل وحتى المتصارعة، إلا أنها كانت تسقط في كل مرة في مهاوي التعصب والانغلاق ورفض الآخر كلما تعلق الأمر بالإسلام والمسلمين والعرب.ففرنسا التي دأبت وحرصت على الظهور دوما كقبلة للتسامح والانفتاح والحريات في أوروبا والعالم الغربي المتقدم عموما، تصاب بحالة من الهيستيريا والاضطراب والتناقض مع ذاتها متى تم التطرق للإسلام.والغريب الأغرب أن أغلب الموجات العدائية الفرنسية الموجهة ضد الإسلام غالبا ما تكون بلا مبررات قوية أو واقعية ولا حتى واضحة، إلا بالتعكز على الشماعة التي لم تعد تنطلي على أحد غير السذج ألا وهي شماعة الإرهاب وربطه وجوبا بالإسلام والمسلمين.

تناقض فرنسا نفسها دوما، وتخرج عن تلك الصورة المثالية الريادية التي سعت لتثبيتها التي تكون فيها ضامنة للتعدد وراعية للتنوع وصائنة للاختلاف .. وتغادر فرنسا باستمرار البروتوكولات وضوابط الدبلوماسية متى تحدثت عن الإسلام .. فعندها ودونما سابق إشعار، تسقط الأقنعة الزائفة وتتلاشى المساحيق التجميلية لتظهر الحقيقة وفرنسا الحقيقية : فرنسا الحاقدة على الإسلام والمسلمين، وفرنسا المتعصبة المهووسة بالضغائن، وفرنسا المعادية لكل اختلاف والرافضة لكل تنوع ورأي مخالف إلا متى كان قد قبل أهله الذوبان والتلاشي داخل التركيبة الفرنسية وفق المعادلات والضوابط الفرنسية حصرا ..

فرنسا المنفتحة المختلفة، يتسع صدرها لعبادة الأصنام والحيوانات ولعبادة الشياطين، وترحب بالأديان السماوية والأرضية كافة إلا أنها تتحرج وتضيق ذرعا بالإسلام والمسلمين.

فرنسا بطم طميمها، يهتز جبروتها بمجرد ارتداء شابة للحجاب، ويخدش كبرياؤها رفع أذان وإقامة صلاة جمعة، وينفطر قلبها وقلوب القائمين عليها لنحر الأضاحي يوم عيد الأضحى، ويهرول حماة الطبيعة رعاة حقوق الحيوان لذرف دموع التماسيح لمجرد ذبح خروف ..

فرنسا .. تستدعي كل مفردات الإرهاب وقواميسه متى خاضت في موضوع الإسلام.

لكن .. فرنسا نفسها، لا تخجل من كل موروثها الدموي الفظيع، ولا تتحرج من سجلها الإجرامي المخزي الذي سطره جيشها وفرق الاغتيال التابعة لها في مختلف بلاد العرب والمسلمين، وتسقط من ذاكرتها تباهي جنرالاتها بقطع رؤوس المقاومين في الجزائر وتونس والمغرب وسورية ولبنان والسودان ومالي وغيرها من بلاد إفريقيا المسلمة، كما لا تخجل فرنسا المرتعبة من الإرهاب المزعوم من اغتصابها لملايين نساء المسلمين وبقر بطون مثيلاتهن وغير ذلك.

تسقط كل هذه التواريخ التي لن يمحوها الزمن، من ذهن ماكرون وغيره .. ولكن لا مجال عندهم لتفويت الفرصة لاتهام الإسلام والمسلمين بما ليس فيهم ..

إن فرنسا التي يعتبر رئيسها ماكرون أن الإسلام يعاني عزلة في كل مكان، ويتهمه بالضلوع وراء الإرهاب، إنما تحاول لي عنق الحقيقة ..

ففرنسا هي التي تعاني تراجعا حضاريا مفزعا، ويتقلص إشعاعها على العالم بعد أن فقدت كل مراتبها وتذيلت الولايات المتحدة الأمريكية وانبهرت بها انبهارا كليا حتى غدت فرنسا تعيش على وقع أمريكي ووفق نمط أمريكي بحت، وتكاد لغتها يهجرها حتى أهلها، ناهيك عن بقية أزماتها التي لن يفلح حمق ماكرون ومن معه في إنكارها.

وحتى مقارنة بالإسلام، فإن فرنسا تعيش على وقع رهاب حقيقي وفوبيا مدمرة من الإسلام، وذلك بالنظر لتسارع وتيرة دخول الفرنسيين في الإسلام بعدما وجدوا فيه ظالتهم وبعدما تلمسوا في تعاليمه السمحة وطقوسه وثقافته كل ضمانات توازن الفرد واستقراره وسعادته .. فغزو الإسلام لفرنسا حير كبار المتحكمين في شأنها من المتعصبين المتزمتين المنغلقين الرافضين لغير فرنسا المسيحية ( الصليبية واقعا ) وإن روجوا بخلاف ذلك للتغطية على حقيقتهم، وجعلهم يتسابقون ويسابقون الزمن لتنفير الناس منه وتبشيعه وتشويهه.

إن تصريحات ماكرون، والجدل الإعلامي والثقافي حول الإسلام في الدوائر الفرنسية والأجهزة الحساسة إنما يؤكد بطلان ادعاءات ماكرون وفرنسا، ويشي بتنامي مخاوفهم من ازدياد اعتناق الفرنسيين سيما الشباب منهم للإسلام، ولذلك ترى تضارب الأرقام والدراسات حول ظاهرة الدخول في الإسلام في فرنسا، حيث تحاول الرواية الرسمية التلاعب بالأرقام وتعمد للتقليص منها عساها تؤخر الغزوة الكبرى التي ستصبح فيها كلمة الله هي العليا في فرنسا وكلمة عباد الشياطين والمتصهينين والماسونيين هي السفلى.

إن تهجم ماكرون على الإسلام، وتحمسه وتحمس الأجهزة الرسمية مؤخرا للأعمال المسيئة للرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والدفاع عنها بشراسة، يدلل على بطلان أكاذيب احترام الأديان في فرنسا وتجريم المس منها، بل إنها تؤكد مجددا على سياسة الكيل بمكيالين في هذا الشأن تحديدا، إذ لا يشهر سيف هذا القانون الكاذب إلا متى تعلق الأمر بالصهاينة، فيواجه المرء وقتئذ بقانون معاداة السامية وقانون المس من الأديان والتعصب والحض على الكراهية وغير ذلك.

وإن الإساءة للرسول الأعظم، رسول الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إنما هي اعتداء مجاني على الإسلام والمسلمين، وهو اعتداء حقير وجبان وصفيق ولا ريب، يعبر عن حجم التخبط والصبيانية والمراهقة السياسية التي تعصف بماكرون.

وإن فعل ماكرون، يشي أيضا بحقيقة الأطماع الاستعمارية لفرنسا التي شاخت وتعاني تقهقرا حضاريا رهيبا، ولا يمكن قراءتها من خارج دائرة كونها تعبير عن حلم فرنسي لإعادة احتلال الدول العربية والإسلامية التي طردت منها شر طردة والتي كان شيوخها وحملة القرءان فيها رواد الثورة بوجه فرنسا وزعماء مقاوميها.

ومهما يكن الأمر، فإن هذه السياسة الفرنسية المعادية للإسلام ولرسوله الأكرم عليه أفضل الصلاة والسلام، لن تنال من الإسلام ومن سمو مكانة رسوله في نفوس أتباعه إلى يوم الدين، ولكنها - أي تلك السياسة - لن تجلب لفرنسا إلا مزيدا من الكراهية والحقد في نفوس جماهير العرب وعموم المسلمين، كما ستكون سببا لمتاعب ومصاعب ستقض مضجع ماكرون والدولة الفرنسية بكل تأكيد.






الثلاثاء ٢٤ ربيع الاول ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / تشرين الثاني / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة