شبكة ذي قار
عـاجـل










ما فتئت اللعبة الإعلامية المتداولة إقليميا ودوليا تسعى جاهدة لترسيخ العداء الفارسي الإيراني المزعوم للصهيونية وكيانها الغاصب والتسويق له على كونه حقيقة ثابتة لا يرقى إليها شك، وأنيطت بالمتنفذين في الحقل الإعلامي وصناع الرأي العام الدولي إحدى أقذر المهام على الإطلاق والمتحمورة حول موضوع بالغ الأهمية ألا وهو مصطلح مقاومة إيران للمشروع الصهيوني والأجندا الصهيونية في منطقة الشرق الأوسط، فاحتلت طبيعة العلاقة بين إيران وكيان الغصب مساحة كبرى من التركيز والدرس والتمحيص، وكان لتكرارها والإصرار على تناولها باستمرار أن ولد تشكيل وعي أحول ومهزوز ومغلوط لدى غالبية المتقين العظمى كاد أن يعانق حدود الجنون بل وخلف لدى العارفين بحقائق الألاعيب الإعلامية والمكر السياسي سخرية قارسة واشمئزازا منفرا بسبب حجم المفارقات ومدى التلاعب بالعقول والاستهار بالحقائب والقفز على الوقائع.

لقد شكلت الذبذبات الإعلامية العالمية ساحة حرب كلامية حامية الوطيس بين الفرس الإيرانيين من جهة وأمريكا والصهاينة وهما المقدمان على أنهما الشيطانان الأكبر والأصغر من جهة أخرى، ومثلت منابر الإعلام والصحف أرضية اشتباك وتراشق وتهديد ووعيد وإرعاد وإزباد لا نهاية لها، وغدت بذلك إيران رائدة ملحمة الصمود بوجه ما تسميه بقوى الاستكبار والطغيان.

وهنا تحديدا، تشكلت كبريات معالم الفاجعة في الوطن العربي الجريح، فتم التلبيس على العرب والتحيل عليهم في إحدى أكبر المسرحيات الميلودرامية المقرفة، فانجروا بناء عليه لدوامة لا آخر لها وسحبوا لفخ وكمين محكم لا سبيل للإفلات منه إلا لمن احتمى بقوة العقيدة واحتمى بإدراك عميق للوقائع و الحقائق، ولمن خبر دسائس السياسة وتعقيداتها.

انخدع العرب بجبة المقاومة الإيرانية المضللة، وتأثروا بالخطب الرنانة والوعود والشعارات الطنانة التي أطلقها جنرالات طهران وأئمتها الخطباء وساستها، فتقاطروا وتسابقوا للارتماء في الحضن الإيراني متلمسين فيه آثار دفئ الخطاب الرسمي ممنين النفس بصد الغاصب الصهيوني ورعاته، واستقبل الإيرانيون هؤلاء المهرولين بحفاوة مخاوزة وأغدقوا عليهم من الأعطيات و الأموال لتشجيعهم على الصمود بوجه المغتصبين كمقدمة لاستخدامهم كأذرع وبيادق فيما بعد لا دور لها إلا تنفيذ المشروع الإيراني في الوطن العربي فقط لا غير، وهو المشروع القائم على استغلال قضية فلسطين فقط دعائيا ودون أن يتجاوز ذلك حد المناوشات الكلامية.

ولضمان عدم انكشاف التحالف الوثيق بين الكيانين الصهيوني والإيراني الفارسي، كان لا بد من إشعال جبهات معينة عل.كددود فلسطين المحتلة سيما في الجنوب اللبناني حيث تتمركز كبريات الميليشيات الإيرانية وهي ميليشيا حسن نصر، يتم الاتفاق سلفا على تواريخها ومساحة دوائرها ومسارحها وآجالها وخسائرها ومخرجاتها، وكان الهدف من ورائها مزيد إقناع المتابعين بصدقية الادعاءات، وكان يتكفل مندوبو طهران وميليشات إيران بالعمل العسكري دون أن تشارك فيه إيران فعليا إلا من خلال التمويل و الإسناد اللوجستي والفني الاستشاري.

كانت إيران ومريدوها من العرب يطنبون في التسويق لتلك المناوشات على أنها معارك على درب حرب التحرير الكبرى، وكان طبيعيا أن يرتفع رصيد المقاومة المزعومة شعبيا وسياسيا وغير ذلك.

إلا أنه ورغم كل اللغط المرافق لمعارك الإعلام وبعض النزاعات العسكرية المحددة كما أسلفنا، ورغم الحرص من الطرف الإيراني وميليشاته على الادعاء بأنها حروب تحريرية، فإننا كنا نصر ونستميت في الحكم عليها بأنها لا تزيد عن الحروب التحريكية التي يراد من خلالها تحقيق كل شيء ما عدا التحرير بمفاهيمه ومدلولاته ومراميه وماهيته حقيقة.

ونظرا للتدليس والفبركة المتواصلين على الصعيد الإعلامي، فإن صوت الحكمة والعقل ظل عاجزا عن الولوج للضمائر والعقول والأرواح، وهو ما عمق من حجم المعاناة والمكابدة والنضال من أجل فضح الرواية الإيرانية ونسفها، فكان لزاما على المتصدين لمهمة تنوير المواطن العربي أن يوغل طويلا في البحث و التنقيب بين الوثائق والحقائق المطموسة عمدا، كما عليه ملاحقة المتغيرات والوقائع على الأرض وسبر أغوارها وبسط جوهرها للإنسان والمتلقي العربي.

ورغم الجهود المضنية التي بذلت في هذا الشأن، ورغم التفاني في إزالة الغشاوة من على الأعين، فإن التجاوب العربي كان دون المأمول سواء على الصعيد الرسمي أو على الصعيد الشعبي.

وتعمقت هذه المسألة وازدادت تعقيدا بعد غزو العراق سنة ٢٠٠٣، كما ساهم التحشيد الطائفي والاستقطاب المذهبي في منح المخطط الإيراني بعض التقدم، ناهيك عما وفرته المخالب والميليشات والأحزاب الموالية لإيران في الوطن العربي من ورقة ذهبية أوجدت مواطئ قدم لإيران ومكنتها من مزيد مخادعة العرب وإيهامها بأنها قائدة لقاطرة مقاومة الصهيونية.

أنكرت إيران والسائرون في ركابها فضيحة إيران غيت وحقيقة التعاون العسكري الوثيق بينها وبين الكيان الصهيوني إبان حرب إيران على العراق ثمانينات القرن الماضي، وقللت من أهمية تكفل ميليشيا حزب الله بحراسة أمن الصهاينة منذ ٢٠٠٦ وحماية الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة بمنع أي عمل فدائي مقاوم يستهدف الكيان الصهيوني من أراضي لبنان، وواصلت التشدق بمقاومة الصهاينة.

واستغلت إيران كل تطور سياسي لتدعيم موقفها المزعوم، وانتهزت كل فرصة مهما كان حجمها أو جنسها للتأكيد على التزامها بنهج المقاومة.

ووجدت إيران ضالتها مؤخرا في حادثتي التطبيع المشؤوم بين دويلتي الإمارات والبحرين من جهة وبين الكيان الصهيوني من جهة ثانية، وعاودت التذكير بموقفها الثابتة الرافضة لأي تعامل ( علنيا على الأقل ) ، وعلقت على المسألة بحدية كبيرة.
ولكن، ويا للغرابة ..

ففي أقل من شهرين، يفاجئ المتابعون بخبر صادم ومخيب وصاعق، حيث رشحت الأنباء عن انبثاق مسار ترسيم الحدود بين لبنان وشمال فلسطين المحتلة، وهو ما يعني رسميا التقاء الصهاينة وميليشيا حزب الله السيطرة كليا على الجنوب اللبناني وعلى معظم الأمور في لبنان ككل، الأمر الذي ينسف كل الإرث المقاوم الكاذب لإيران.

إذ، هل يعلق أن يتم الاتفاق على الانطلاق في ترسيم الحدود بين لبنان وشمال فلسطين المحتلة دون علم إيران ودون صدور موافقتها عليها؟

أليس حزب الله وباعتراف علني صريح من حسن نصر الله ذاته، ميليشيا إيرانية خالصة تعمل على تنفيذ سياسة ما يسمى بالجمهورية الإسلامية في إيران بحذافرها، وأنه قائم على التمويل والتخطيط والتوجيه والدعم الإيراني بالكامل؟

وماذا يعني ترسيم الحدود هذا إذن؟

أليست مثل هذه الخطوة لوحدها كفيلة بدحض كل الروايات والأحاديث الإيرانية السمجة عن المقاومة وعن الشياطين أصغر وأكبر ومتوسطا وماردا ومريدا وغير ذلك؟

ألا يقتضي ترسيم الحدود بين جهتين أيا كانتا هتين الجهتين، أن كليهما يعترف بالآخر؟

ألا يعني هذا القرار بأن حزب الله قد انخرط ولعله استبق غيره في التفاوض مع الصهاينة ليفضي ذلك التفاوض في نهاية المطاف لاعتراف متبادل من الطرفين استقرت بهما الأمور لترسيم الحدود؟

ولما كانت ميليشيا حزب الله فارسية الهوى وإيرانية الهوية، أفلا يعتبر ترسيم الحدود هذا لحظة فارقة تتحقق فيها الجماهير العربية المخدوعة بانكشاف الوجه الحقيقي لإيران التي كانت وستظل حليفا استراتيجيا للصهيونية العالمية قديما وحاضرا ومستقبلا؟

ألم يئن الوقت للعرب فيغادروا سذاجتهم القاتلة فيعرفوا أعداءهم ويعولوا على ذواتهم فقط بعد الله؟




الاربعاء ٤ ربيع الاول ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢١ / تشرين الاول / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة