شبكة ذي قار
عـاجـل










أيها العرب استعيدوا العراق تفلحوا

لا أدري لماذا تحضرني هذه الدعوة بقوة وتشدني إليها شدا عنيفا كلما أطرقت لبرهة للنظر في أحوال أمة العرب، وكلما سرحت عيني لرقعة أو مصر من هذا الوطن العربي الذي بات ممزقا مقطعا متفجرا ملتهبا تتقاذفه الأعاصير وحمم براكين الغضب والضيم والقهر والتردي الشامل.
أيها العرب استعيدوا العراق تفلحوا

لا أفهم حقا لماذا تستبد بي هذه الجملة وتطرق رأسي منذ حلول الخراب والدمار ببلاد ما بين النهرين بعدما أفلح الغزاة وحلف الشياطين والأشرار في خلخلة الوضع العام فيها وبعدما استباحها شذاذ الآفاق وحثالات زمن القيء الذي نحيى ..

لا أعلم يقينا ما إذا كنت على صواب في استحضار تلك الكلمات في أكثر الأوقات العصيبة، ولا أجزم بمدى وجاهة هذا الدعاء الموجه للعرب.

لا أستطيع حسم رجاحة مناداة العرب لاستعادة العراق طريقا أيسر وأنفع وأكثر مردودية مما سواه.

ولكن ..
أجدني مضطرا اضطرارا لا مناص منه للرجوع لهذا النداء دوما، ولا أكاد أجد لي خلاصا أتصوره للعرب ما لم يدركوا هذه الحقيقة، حيث لا مجال لتخطي العاصفة التي تهز بنيانهم هزا عنيفا وتتلاعب به تلاعب رياح الخريف بوريقات الأشجار في ظل استمرار غياب العراق ودوره وفعاليته وعافيته وثقله متعدد الأبعاد سواء تاريخيا أو ثقافيا أو حضاريا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو عسكريا وغير ذلك الكثير.

إنه وبالنظر مليا في تاريخ الأمة العربية، وبالتحري الموضوعي، لا يمكن لأي كان القفز على ريادية العراق ومحورية أدواره ومركزية فعاليته وتأثيره في الوضع العربي برمته على امتداد العصور.

وإنه من العبث بمكان أن يحاول المرء إنكار العلاقة السببية بل وحتى الجدلية أيضا بين حالتي العراق والعرب، حيث أنه متى كان العراق معافى قويا مزدهرا، ازدهر العرب وتعافت الأمة، ومتى تراجع العراق وتقلص إشعاعه وتقهقر دوره ونماؤه، دخلت العرب في حالة من السبات الطويل والظلام الحالك.

إن هذا الزعم لا يلغي دور بقية مكونات الأمة ولا يقلل من أهميتها ولا ينفي البتة العلاقة بين ازدهار الأقطار العربية الأخرى وازدهار الأمة، ولكن مهما ارتقى التفاعل بين هذا وذاك، فإن الأمر لن يبلغ مرتبة تشابك العلاقة بين العراق والأمة.

ولقد اتضحت هذه الحقيقة واستقرت في الضمير الجمعي العربي خاصة بعد غزو العراق سنة ٢٠٠٣، رغم أنها كانت واضحة أيضا في فترات كبيرة فارقة وسابقة أيضا كاجتياح التتار لبغداد وما خلفه ذلك من أحداث لا ينكرها أحد أو عند انهيار الحضارة البابلية القديمة وهي معلومة معروفة كذلك.

فبعد الغزو البربري للعراق، انهار البنيان العربي انهيار كليا اتسم بالشمولية فبلغ التراجع والانحدار والتردي مداه وضرب مستويات الحياة كافة، حيث انخرمت الموازنة الدفاعية واهتزت المنظومة الأخلاقية وتلاشت ثقة الجماهير بنفسها ولفها سيل من الإحباط القاتل وتهاوت لديها كل الحصون وفترت الإرادة وخارت العزائم.

وبعد الغزو المشؤوم، أفاقت الأمة على وقع الصدمة القاتلة، وتلمس الشعب العربي حجم المصاب وهول الخطب وحجم الفراغ الذي تولد عن تغييب العراق وتدميره وتقويض منجزاته.

ولم تتوقف المأساة التي حلت بالعرب الناجمة عن الزلزال المروع الذي استهدف العراق عند تلك العتبات، بل دشن العرب عهدا جديدا قوامه تتالي التهديدات وتوالي الضربات وتتابع الآفات ناهيك عن تنامي الأطماع الخارجية كما استجدت الانتهاكات وتسارعت عمليات التحرش طورا والقضم أطوارا أخرى، كما أضحى الأمن القومي العربي في مهب الريح لأن استهداف العراق لم يكن محصورا على بلاد ما بين النهرين كما استكان لذلك القاعدون والمتواطئون والقاصرون عن إدراك حقيقة نوايا الأعداء.

لقد خلف غزو العراق فراغا هائلا في حياة العرب لا مجال لإنكاره ولا سبيل لتجاوز ارتداداته إلا إذا أخلص العرب نواياهم وبذلوا قصارى جهودهم لاستعادة العراق، ولقد باتت هذه حقيقة لا يقدر أحد على حجبها مهما أوتي من قدرات تضليلية ووسائل تزييفية.

أيها العرب : استعيدوا العراق تفلحوا!

لطالما لازمتني هذه العبارة كلما استجدت أحداث أو تلبدت غيوم في سماء العرب.

فكما أسلفنا وبينا أعلاه وباقتضاب شديد، ولتلك الأسباب، لا نمل من الطرق على مسامع العرب دوما أن استعيدوا العراق تفلحوا.

إن فلاح العرب رهين استعادة العراق حرا منيعا عربيا واحدا موحدا من زاخو للفاو.

إن الفراغ الذي أحدثه تغييب العراق وإلغاء دوره القومي وإغراقه في سيول الاحتلال المركب والصراعات الطائفية والمذهبية وغير ذلك، هو الذي دفع العدو الإيراني للتكشير عن أنياب حقده الدفين على العرب، وهو الذي سمح للفرس باستباحة مساحات شاسعة من بلاد العرب وإبادة أهلها ناهيك عن تغيير التركيبة الديمغرافية فيها.

وهو ( أي ذلك الفراغ ) يقينا هو الذي سرع بتجرئ تركيا على سورية والعراق وما أبعد منهما حتى باتت لاعبا مهما في ساحة الشطر الإفريقي من الوطن العربي وتعمل على تجيير خيراته خدمة لمطامحها وأحلامها التوسعية.

وهو أيضا ما سمح لأعداء العرب المعلومين والذين لطالما حذر منهم العراق قبل الغزو، بأن يجاهروا بسياساتهم العنصرية فأقدمت إيران وتركيا مشتركتين على تعطيش العراق وسورية وكذا تفعل أثيوبيا المغمورة بمصر وتهدد وجودها وتتلاعب بأمنها المائي وتتآمر جديا بلا خوف على أمن هبة النيل القومي تآمرا غير مسبوق.

وإن تغييب العراق وإنهاء دوره القومي، هو الذي حول أقطار عربية كثيرة لفريسة سائغة للعدو الصهيوني، ما جعل من مذلة التطبيع بطولة تتسابق على الظفر بها أنظمة عربية كثيرة، لتزداد قضية فلسطين تعقيدا ولتتضاعف مآسي شعبها البطل وتتفاقم معاناته وتتعاظم نوائبه بفعل غدر الأقربين.

إن هذا الواقع المظلم الذي ترسف تحت سياطه ملايين من العرب المقهورين المطعونين المغدورين، إنما هو نتيجة حتمية لغياب العراق.

وإنها لهي الحقيقة المفزعة التي لطالما غبطنا عليها كثيرون، وأنكر وجاهتها علينا متنطعون عديدون، واستهزأ منا بسببها مأجورون وموتورون بلا عد.

فهل من أمل لاستفاقة عربية شريطة أن يكون محورها استعادة العراق حرا سيدا عربيا موحدا بوابة رئيسية لفلاح العرب؟

أما وإن استفاق العرب، وشدوا الهمم وشمروا على سواعد الجد، وأدركوا طريقهم للنجاة، فما عليهم إلا أن يرفعوا أشكال الدعم الموجه لحثالات العملية السياسية المتهالكة القذرة في بغداد المحتلة كافة، وأن يسخروا كل أوراقهم للتعجيل بإنهاء الاحتلالين الأمريكي والإيراني للعراق، وأن يتداعوا فورا وبلا تلكئ أو تسويف للانفتاح على القوى الوطنية والقومية العراقية التي قاومت الاحتلال وإفرازاته ولم تتلطخ أيديها بمصافحة الغزاة وأذنابهم، وأن يقدموا لها مختلف أشكال الدعم، وأن يسندوا ثورة تشرين المباركة وشبابها الشجعان.

إن استعادة العراق واسترجاع دوره القومي بأبعاده كافة، هما ضمانة تأثيث صفحات عز جديدة، وهما البديل عن الترنح والتمزق يمنة ويسرة بين الأعداء سيما العدوين التاريخيين العنصريين الصهيوني والإيراني الفارسي.

فهل يبادر العرب وهل ينتخون لاستعادة العراق فيفلحوا؟

( أيها العرب استعيدوا العراق تفلحوا : عنوان مقال نشرناه قبل سنوات في نبض العروبة المجاهدة وفي شبكتي ذي قار والبصرة المجاهدتين وعدد من المواقع الأخرى )




الخميس ١٤ صفر ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / تشرين الاول / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة