شبكة ذي قار
عـاجـل











في العراق الآن اصطفافان متناقضان يسيران في مسارين متوازيين لا يلتقيان، هما شعب العراق الرافض للعملية السياسية الاحتلالية مذ ولدت من رحم الجريمة والغدر والباطل ومن تبعهم بعد أن جربوا واقتنعوا بأنها كارثة، والاصطفاف الآخر هو الأحزاب والمليشيات وبعض الافراد الذين تعاونوا مع الاحتلال وكانوا أدلاء لقواته الغازية، ممن يرون بقناعة راسخة إن بقاءهم ومصالحهم ومصالح أسيادهم من الدول الأجنبية تتحقق في حالة واحدة هي بقاء العملية السياسية.

بحسابات البيدر وفي افتراض القدرة على النفاذ إلى صدور الآخرين نستطيع التأكيد بكل ثقة أن كلا الاصطفافين يعرفان أن العملية السياسية ليست غنيمة نزلت من السماء على العراق وشعبه بل هي جريمة متعددة التوصيفات والعناوين والمسميات، دمرت العراق ومزقت شعبه.
الجميع يدرك الآن إن مصلحة العراق تتقاطع تقاطعاً صارخاً مع كل ما زرعته العملية السياسية وتنبذ كل ثمارها التي ليس فيها أقل مرارة من ثمرة الحنظل، لكن المصالح الدولية التي خنعت لها الأحزاب والمليشيات ومصالح ذاتية وفئوية وعائلية هي التي تفرض على اصطفاف الخيانة والعمالة المكابرة والسقوط في براثن من تأخذهم العزة بالإثم ليواصلوا عدوانهم وجرائمهم وفسادهم.

فعلى مستوى العراق وشعبه جلبت العملية السياسية الاحتلالية عوامل التشظي والفرقة بين الكتلة البشرية العراقية التي عاشت آلاف السنين متصاهرة متآخية، فالعملية السياسية خزقت المفاهيم الأساسية للديمقراطية وفصلتها على كيانات الطوائف والمذاهب والأعراق في تسيير غاشم للديمقراطية يذبح الديمقراطية ويذبح معها الوطن والشعب.

توقفت التنمية وتراكمت العطالة والبطالة حتى وصلت نسباً خرافية لم تحصل من قبل في تاريخ العراق رغم الارتفاع المهول في واردات العراق المختلفة بعد الغزو الذي أدى عملياً إلى إنهاء الحصار الجائر الذي سبق الغزو ومهد له بإفقار العراقيين وبإضعاف قوى وطنهم.

أحرقت وأغلقت مئات الشركات والمصانع التي كانت تشكل عموداً من أعمدة الاقتصاد الوطني لتحقق هدفاً من أهداف العملية السياسية ألا وهو الاعتماد على إيران في كل ما تنتجه صناعياً وزراعياً وكذلك لتهيئة أسواق خاصة للدول الغازية وفق ما خططت له وفي القطاعات التي خططت لها.

شحت المياه وترك العنان للأطراف اللاعبة بها لتبور الأرض وتمحل وتضمحل الزراعة ومنتجاتها فصار العراق سوقاً لكل دول الجوار في الوقت الذي غزت أرضه الخصبة الأملاح والسبخ وتصاعدت المياه الجوفية الضارة بخصب الأرض.

تدهور التعليم بكل مستوياته ومراحله وأنواعه وتفرعاته عبر تراكم الأعداد المليونية من الخريجين العاطلين عن العمل وعبر تخريج أعداد كبيرة من الشهادات العليا في برامج الداخل دون تخطيط فصار في العراق لأول مرة في تاريخه حملة ماجستير ودكتوراه عاطلين عن العمل وتعجز المنظومة الحاكمة عن تعيينهم مع التزايد المخيف في قطاع التعليم الأهلي الذي عرف العراق لأول مرة في مستويات الرياض والابتدائية والثانوية.

فساد في المناهج والاشتغال والمخرجات وكساد في قطاع المعلمين والتدريسيين يغلفه تغيير مظهري في رواتب البعض لم يفرضها ارتقاء اقتصادي بل فرضها واقع حال ما بعد الغزو وإنهاء الحصار المصحوب بالعشوائية والنهب المنظم والسرقات المصممة للقادمين من وراء الحدود يحملون الجشع ويتعاطون معه محركاً لأخلاقهم البائسة وانتهاكاتهم للقيم والثوابت والمبادئ.

قيدت العملية السياسية مستقبل العراق ورهنته بمواد دستور يحتوي لغماً في كل سطر من سطوره، لغم لا يكتفي بقتل العراقيين فحسب بل الأخطر من ذلك، هو قتل العراق بوضعه على مسارات التقسيم نتيجة الطائفية والمحاصصة والفساد والإجرام.

لا يوجد شيء واحد على الإطلاق يخدم العراق في العملية السياسية ومناهجها ومنتجاتها بل على العكس، وعليه فإن التمسك بالعملية السياسية هو أسوأ من التمسك بالحصار الذي امتد لأربعة عشر سنة، فعلى الأقل كانت الدولة في زمن الحصار تعالج لصالح الشعب والإنسان كل المعضلات وتجد لها حلول، غير أن العملية السياسية لا تجد منفذاً للعلاج ولا مساراً للإصلاح لأنها ولدت من رحم موبوء بالعفن والفطريات والبكتريا والجراثيم والفايروسات والعوامل المسرطنة وعوامل سد الأوردة والشرايين معاً وعوامل رفع السكر والضغط والسموم في الجسد العراقي.

العملية السياسية غنيمة لإيران ولأمريكا وللكيان الصهيوني ولمن ظنوا أن بوسعهم خداع العراق وشعبه لتبرير انضوائهم تحت خيمتها الممزقة لجني ثمارها الحنظل المسببة للقيح والأمراض، فليس كل من كسب المال السحت الحرام فاز وانتصر وتواصل مع الله، فكل من جنى ثمار الغزو هو خاسر حتى لو حسبها بعقلية الغرب إنها كانت فرصته التي غنمها ألا ساء ما يحسبون.





الثلاثاء ٥ صفر ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / أيلول / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة