شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ بداياته الأولى، ملأ حزب البعث العربي الاشتراكي الدنيا وشغل الناس، ولم يكن ذلك محصورا في الحدود العربية أو الإقليمية فحسب بل تجاوزها ليغطي مساحة كبرى ومهمة من الآفاق العالمية والاهتمامات الدولية.

ولم ينقطع البعث عن جلب الاهتمام إليه يوما، إذ ورغم كثرة الآفات التي حاصرته والمحن والخطوب التي فرضت عليه فرضا في مسيرته الطويلة، ظل حاضرا في جميع المناسبات الكبرى وظل اسمه متداولا بإطناب مع نزر يسير من الأسماء العملاقة التي طبعت التاريخ المعاصر.

لقد تعرض البعث لحملة هوجاء من الاستهدافات المتلاحقة التي ما عادت تخفى على أحد ولا ينكرها عاقل، وكان تعقب البعث مدروسا بدقة كبيرة من أعدائه محليا وإقليميا ودوليا، وكان الرهان في ذلك كبيرا بغاية ضربه في عمقه وهزه من داخله ومن ثم الإجهاز عليه نهائيا.

ولقد تكشفت هذه الحقائق بجلاء كبير مع بدايات التكالب الدولي المباشر على البعث ونظامه الوطني في العراق مع انطلاق العدوان الإيراني مطلع ثمانينات القرن العشرين وازدادت حدة مع التحالف الدولي مع بداية التسعينات لتبلغ ذروتها أوائل الألفية الثالثة وما سبقها من حصار وحشي جائر وما تلاها من غزو ودمار هائل وتخريب غير مسبوق.

وفي كل مراحل الاعتداءات الغادرة، ظل البعث محافظا على ألقه متصدرا للاهتمام ومتفردا بانشغال الجميع بمواقفه ورؤاه وقراءاته و مسيرته.

وفي الواقع، كان كل الاهتمام المنصب على البعث مبنيا على رغبة قوية في الإساءة إليه وتشويهه وتبشيعه، حيث لم يفوت الغزاة والمحتلون باختلافاتهم متبوعين بعملائهم وبيادقهم، شاردة ولا واردة من أجل الافتراء على الحزب الذي ناطح السماء بصموده وأعيي مستهدفيه عبر الإصرار الأسطوري والملحمي على الإفلات والنجاة من شراك مبغضيه وأحاييلهم وتلبيسهم.

لقد خرج البعث منتصرا في كل جولة من جولات الحرب الضروس الطويلة التي شنها معسكر الشر عليه سواء كان أقطابه أمريكانا وصهاينة وحلفاء أم فرسا أم أعرابا أم غيرهم، وكانت محافظة البعث على صفاء عقيدته وتماسكه التنظيمي وتوسعه الجماهيري وتنامي التأييد الشعبي له، وبرجاحة رؤاه وصلابة مواقفه وصدقية أطروحاته، هي العناوين الكبرى لذلك الانتصار.

اقترن كل حدث وأيما حادث مهما بدا بسيطا أو هامشيا على الصعيد القومي والإقليمي و الدولي، بالبعث وجوبا، وتم الزج باسمه وبرجالاته في غمار تلك الأحداث.ومع كل حدث، تصيد المتهافتون والخراصون والموتورون الفرصة تلو الأخرى للاستثمار في مجريات الأمور واختلاق مبررات ومسوغات للتهجم على البعث.

ورغم فشل هذه السياسات في الإساءة للبعث على امتداد عقود من الزمن، فإن الإلحاح على انتهاجها ظل ثابتا ومتأصلا في الفاعلين محليا وإقليميا ودوليا.

لقد زج بالبعث زورا وبهتانا أثناء التهيئة والتعبئة والتحشيد لغزو العراق وتم اختلاق علاقة مفتراة بينه وبين تنظيم القاعدة، ثم وأثناء الاحتلال المزدوج للعراق أمريكيا وإيرانيا حدث الادعاء بعلاقة عضوية بين البعث وبين داعش والقصة معروفة معلومة، ناهيك عن اتهام البعث بالإرهاب في علاقة بتصديه لمقاومة الغزاة منذ اليوم الأول لعدوانهم على العراق.وأثناء كل تلك المراحل، كان التركيز العالي على البعث هادفا لتلطيخ تاريخه والحط من سمعته والنيل من سيرته والاستنقاص المغرض من مسيرته.

إلا أن البعث بإيمانه الراسخ وبعقيدته القومية التحررية الإنسانية، وبفضل حنكة رجالاته وقيادته الحكيمة المجاهدة، واستنادا لموروثه النضالي الأغر، ونهلا من فكره النير المبدع الخلاق، وارتكازا على بنائه التنظيمي الحديدي، وبفضل نوعية فرسانه وشجاعة مناضليه الموزعين على امتداد رقعة الوطن العربي الكبير والمتحفزين المتوثبين المستبقين لما تحوكه طغمة الأشرار وأذنابهم، بقي صلبا شامخا باسقا متماسكا عصيا على الكسر والتطويع والتركيع والاجتثاث.
لم تهدأ وتيرة تشويه البعث قط، ولم ييأس أعداء البعث ومن ركبوا ركابهم من الأقزام اللئام الخونة ممن يسمون بحكام المنطقة الخضراء، فظلوا حريصين على وصل الليل بالنهار لضرب البعث والنيل منه ..

لكن هيهات هيهات ..
ولعل آخر رقصات مجمع أعداء البعث، ما رافق زيارة الكاظمي رئيس وزراء جوقة الجواسيس والعملية المخابراتية المتهالكة إلى واشنطن قبل أيام وما رافقها من تسليم إدارة ترامب أرشيف العراق الذي سطا عليه علوج المارينز وبلاك ووتر وغيرهم، واعتبرته الإدارة الأمريكية أرشيف البعث.

اعتقد مناوئو البعث أن خطوة ترامب بتسليم أرشيف البعث للكاظمي إنما هي فرصتهم الذهبية لقصم ظهر البعث نهائيا، ولم ينتظروا طويلا، وانطلقوا مباشرة في النفخ في نيران أحقادهم الدفينة، وبادروا بضخ كميات مهولة من الأكاذيب وهي لا تزيد حقيقة عن مجرد تهيئات وتخيلات، حيث ظن كارهو البعث أن ترمب سقى الكاظمي القطرة التي ستغرق البعث وتحيله جثة هامدة ستتهاوى سريعا بفعل تلاحق الطعنات المسمومة التي توهموا أنهم سيسددونها هذه المرة على خلاف العادة بإثباتات وأسانيد وحجج لا تقبل الرد.

هاج وماج نغول إيران، وانتشى المتساقطون من الأعراب بهذه الفعلة الأمريكية.
ولكن .. ويا لحظهم البائس .. ويا لعدالة الله ..

فلقد خاب فأل الخراصين والناقمين على البعث مجددا، حيث لم تشي التسريبات بما يروي ضمأهم ويطفئ نيران غلهم وبغضهم ونقمتهم على البعث.
جرت رياح أرشيف البعث بغير ما اشتهته وتشتهيه سفن الأعداء الصغار.بل، وجاءت مضامين الأرشيف - الفرصة الثمينة والسراب الذي ظنه أعداء البعث ماء - منصفة للبعث معززة لتاريخه داعمة لنظافة يده مؤكدة لمصداقيته وشفافيته مبرهنة على فضائله ومناقبه سياسيا وفكريا وثوريا وجهاديا.

وتجرعت مجاميع الردة والحقد والعمالة والتآمر مجددا مرارة الخيبة، وتعمقت فيهم عقدة النقص الأبدية من البعث، كما تضاعف إحساسهم بالصغار والهوان والحقار، و انضافت لعارهم لطخات جديدة من العار التي تأبى أن تفارقهم، ليزداد البعث شموخا وارتقاء في سلم الأمجاد والثبات والأصالة.

ومرة أخرى، تتلاشى وتذوب جبال من جليد أوهام طغمة الجواسيس القابعين في المنطقة الخضراء ومن سار على دربهم المخزي، وأبهرتهم شمس البعث الساطعة وأعمت أبصارهم وبصائرهم.

ومجددا، يصطدم أعداء البعث بواقعهم المرير الذين يكابدون ليلا نهارا ويصارعون لأجل تناسيه والقفز عليه، و يكتشفون أن سيول الأكاذيب التي حاصروا البعث بواسطتها لم تعد قادرة على استجلاب مؤيدين غالبيتهم العظمى إما من المأجورين المرتزقة أو من السذج المغرر بهم.

وفات هؤلاء وأسيادهم في طهران وعدد من عواصم الحقد العربية، أن ليس البعث من يخشى نشر أرشيفه أو تسريبه أو تسليمه من أمريكا للكاظمي أو لأي جهة أخرى غيره.

فات هؤلاء الحمقى أن البعث كان منذ يومه الأول متصالحا مع ذاته أمينا مع جماهير أمة العرب حريصا على المصلحة القومية العربية العليا، وأنه لم يهادن في سبيل إعلاء راية العراق والعرب أيا كان.

وفات هؤلاء المغفلين، أن ليس البعث من يخشى أرشيفه، إذ لو كان فيه ما يدينه لما انتظر الأمريكان ١٧ سنة ليقدموا أدلة إدانته، وأن لو كان في أرشيف البعث ما يضيره، فما الذي حمل الأمريكان وهم رأس حربة مشروع غزو العراق وإسقاط نظامه الوطني ومبتكري جرم اجتثاث البعث، على تأخير إشهار ما بحوزتهم؟

وفات أولئك الأراذل والأفاكين، أن ليس البعث من يخشى أرشيفه.
وكيف يخشى البعث أرشيفه، وممن يخشى البعث أرشيفه، ومما يخشى البعث أرشيفه؟

ألم يعاين أولئك الذين ناهضوا البعث دهورا، تلك المناداة الجماهيرية الهائلة في العراق الجريح المحتل وتعطش المواطنين وحنينهم لعهد البعث ومطالبتهم بعودته للحكم وتحسرهم على أيامه وعصره عصر الرخاء والنماء والنمو؟

ألم يصغي أولئك الموتورون لتلك الأهازيج الشعبية العراقية التي تتغنى بالبعث وقيادته ورجالاته.؟ أولم يشاهدوا آلاف التقارير التلفزية لشباب ولدوا ونشؤوا بعد إسقاط حكم البعث، يهتفون للبعث ورجالاته، ويوشحون صدورهم ويزينون هواتفهم بصور شهدائه وعلى رأسهم قائد البعث شهيد الحج الأكبر صدام حسين .. ؟

ألم تتمعن تلك الشرذمة الضالة المضلة في اعترافات كبار أركان معارضة البعث من رجال دين وساسة وغيرهم، يقرون علنا ودونما خجل بأنه لا مجال للمقارنة بتاتا بين حكم البعث وحكم من جاؤوا على خلف غبار دبابات الغزاة من بعده؟

أفبعد كل هذا، هل يعقل أن يخشى البعث نشر أرشيفه؟






الاحد ٢٥ محرم ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / أيلول / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة