شبكة ذي قار
عـاجـل










"في ليلةٍ مظلمةٍ ممطرةٍ فارقت الحياة ( عدالة ) ولم يُشيّعْها في تلك الليلةِ غيرُ شيخٍ واحدٍ هو الضَّمير"

في ليلةٍ تحشَّدت بها جحافلُ الظَّلام
ما تركت للعينِ أن ترى أنملةً
سوى الذي يبديهِ ومضُ البرقِ هامِسًـا
مـسلِّـمًا بضوءِ ألفِ نجمةٍ
على الأنام
ريحٌ تهزُّ في جنونِ الهائجين
عرائشَ النّجومِ والشَّجرْ
وتُمطِرُ الأوراقَ والأحجارَ والطيورَ
زخًّا كالمَطَرْ
ووحشةٌ كوحشةِ القطارِ في محطةٍ مهجورةٍ
لمّـا انتهى الصـفيرُ والسَّفرْ
وأغلقَ الأبوابَ كي يموتَ وحدهُ
في وحشةِ الغيابِ والمطرْ
ما بين ظلمةٍ ووحشةٍ وريحْ
رأيتُ نعشَها ..
قد أومضَ البرقُ النديُّ فوقَهُ
رأيتُهُ فصحتُ .. كيف .. من .. وكيف!؟
قيلَ مضت لتستريح
لكثرِ ما تعذَّبت تمنّت الخلاص ..
تعذّبت واسـتُـهجِـنت
وهُجـرت .. ولُوّعت
تمنّت الخلاصْ
"وكيف إن مضت سـتـسـتـقـيمُ بعدها الحياةْ؟"
تبّت حياةٌ دونها
أهذِهِ حياةْ؟
أن يَسلبَ الطُّغاةُ عنوةً بلادَك الّتي تُحب
وإنْ نَطَقتَ كي تُقاومَ الغُزاة
أسموكَ مارقًا وخارجًا عن الصَّواب
ماذا عن الصَّوابْ؟
صارَ الصَّوابُ عندهم
تجارةَ العباد
أهذِهِ حياةْ
مَنْ وَضَعَ الحقوقَ غيرُنا
مَنْ وَضَعَ القانونْ؟
من عمَّـر الكونَ قديمًا قبلنا
مَنْ أوجَدَ الشَّرائعْ؟
أهكذا نكون
نلبسُ ما يفصّـلون؟
وتُستباحُ أرضُنا أمامَنا
أهذِهِ حياةْ؟
نصفُ الّذينَ فوقَها حقيقةً
أموات
من صبرِنا لقبرِنا
غرقى ببحرٍ من أسى
وكلَّما قلنا غدًا يجيءُ دورُنا
نواجِهُ المزيدَ من ظلامِهم وظلمِهم
يا ليـتـنا متنا ولا عشـنا
بهذِهِ الحياةْ
وهل تسمّى هذِهِ حياةْ؟
وا أسفاً لوهمِنا
رحيلُها يؤلمنا
"عدالةٌ" في عالمِ الوحوشِ حـُطّمت
دعوا جثمانَها يمضي كليلٍ هادئ
ترحّموا لها
في ليلةٍ ليلاءَ سار نعشُها
ما سارَ خلفَهُ مشيِّعونَ
لا مشيِّعات
سوى ظِلالِ شيخٍ
مطرق ٍ حزينْ
لم يبدُ منه غيرُ ثقلِ خطوِهِ الرَّزينْ
في لمعةِ البرقِ بَدَت
على خدّيهِ
دمعتان
مَنْ يا تُرى ذاك المشيـّعُ الحزينْ
دفّانُها مثـلي رآه
وقالَ : آهٍ ثم آه
سألته : من يا ترى يكونُ ذلك المشيـّعُ الحزينْ
أجاب : إنـهُ الضَّميـرْ
هُوَ الوحيدُ مَنْ أتى مشيِّعًا
هُوَ الوحيدُ بين كلِّ الخلقِ
أدركَ الخسارة
هُوَ الوحيدُ مَنْ سَيحيا دونَها غَريبْ
في عالمٍ عجيبْ
ورُبَّما من بعدِها يفارقُ الحياةْ
دفّـانُها أهالَ فوقَها التُّراب
والشيخُ قربَهُ ينوح
"حبيبتي الغريبة
منذ انطفأتِ أظلمَ الزَّمانْ
تساوت القبورُ والقصورْ
واختلطَ الغثُّ مع السَّمينْ
تشابَكَ الغَزْلُ فتاهَ مِغزَلي
بلاكِ لا وجودَ لي
بلا هواكِ اختنقْ
أنتِ الجناحُ لي
فكيفَ دونَهُ أطيرْ؟
حبيبتي منذُ انطفأتِ أعتمت
وخانَ البحرُ سرَّه
ما عادَ بعدها من رحلةٍ قبطان
وما تجلّت بعدكِ النُّجومْ
ولا الرَّبيعُ فتّق الأغصانْ
الوردُ ماتَ في أمّاتِهِ
والحُّب غادرَ الزَّمانَ والمكانْ
فكيفَ يا شريكتي أعيشْ؟
وكيف لي
بدونك الحياةْ "؟
ناديتُ : يا ضميرُ .. يا ضميرْ
فلمْ يُجبْ
ناديتُ لمْ يُجبْ
وربَّما مضى وغابَ متعباً حزينْ
في ليلةٍ ليلاءَ ودَّعَ الغريبةْ
رأيتُ تحتَ ومضِ البرقِ حزنَهُ الشَّديدْ
وكانَ خلفَ نعشِها
المشيـّع الوحيدْ ..





الجمعة ١٦ محرم ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / أيلول / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ساجدة الموسوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة