شبكة ذي قار
عـاجـل










يعدُ انفجار مرفأ بيروت المزلزل في الرابع من هذا الشهر ( آب ) الأقوى والأعنف منذ قنبلة هوريشيما وناغازاكي النووية في حروب القرن الماضي، ومنذ قنابل يوم القيامة ( الموآب ) التي ألقيت على بغداد في القرن الحالي عام ٢٠٠٣ م، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الشهداء الذين صهرت أجسادهم ومركباتهم العسكرية، وكانت سبباً رئيسياً في سرعة احتلال بغداد وإسقاط نظامها الوطني التقدمي، مما يعزز الشك ويدفعنا جازمين للاعتقاد أن انفجار بيروت الهائل سيكون له هو الآخر تداعياته وإرهاصاته في مختلف الزوايا، والتي حتماً ستنعكس سلباً على كل مجريات الأمور في القطر اللبناني الشقيق، وقد تعيده مرةً أخرى لشبح الحرب الطائفية المدمرة التي اندلعت هناك في منتصف سبعينيات القرن المنصرم وتلحقه بسلسلة العواصم العربية المحترقة من بغداد إلى دمشق فصنعاء وطرابلس.

وبالنظر لهول الانفجار وحجم انعكاساته الكارثية وما يجري في المحيط العربي والفلسطيني من حرائق مشابهة أوقدتها الصهيونية وربيبتها الولايات المتحدة، لابد هنا من الوقوف بجدية عند الأسباب الحقيقية وراء الانفجار، مع عدم إهمال العامل المحلي المتمثل بالفساد الحاكم للبلد، وحيث اختلطت الأوراق وبات هناك مصالح مشتركة بين العدو المحلي الفاسد والعدو الخارجي الذي اعتدنا على جرائم مماثلة له بحق أبناء الأمة العربية بهدف التورية والتغطية على المجرم الحقيقي، من أجل عدم إثارة الشارع والمجتمع ومنعاً للانجرار إلى مربعات ومعارك لا يرغب فيها الطرفين نزولاً عند أجنداتهم الأنانية وحساباتهم الضيقة، وهذا ما يفسر بالضبط حالة الصمت المريعة وعدم إيفاء الحكومة اللبنانية حتى هذه اللحظات بتعهداتها كشف الحقائق ونتائج التحقيق أولاً بأول، والتي ستوجه فيها حتماً أصابع الاتهام للعدو الصهيوني المتمرس في العمل الإرهابي من العيار الثقيل وبهذا الحجم الذي أحرق بيروت وأدمى شعبها، وحيث شوهد طيرانه يجول في الأجواء قبل التفجير بلحظات.

إن مسلسل الحرائق المشتعلة تباعاً في العواصم العربية منذ سقوط بغداد في قبضة الاحتلال الأمريكي وما لحق ذلك من تكثيف الجهود الرامية لتصفية القضية الفلسطينية برعاية أمريكية وبريطانية عبر مشروع الفوضى الخلاقة الذي ابتدعته العقلية الصهيونية المسيطرة على مصدر القرار في واشنطن كوصفة ناجعة لهلاك العرب وتدمير كل مقومات العروبة إلى الحد الذي يجعل من الأمة كالشاة المذبوحة يتقاسم لحمها دول الجوار على أن تبقى الحصة الأكبر فيها للصهيونية العالمية ومعها القوى الإمبريالية الاستعمارية.

لقد بات واضحاً وجلياً وإزاء قتامة المشهد العربي وسواد ليله الذي لا يبشر خيراً بمستقبل أبنائنا وأحفادنا وأجيالنا القادمة أنه لا منجاة لنا ولأمتنا التي تصارع الموت إلا بخوض معركة المصير العربي المشترك، معركة الشعب وجماهير الأمة قاطبة في مواجهة التحديات الجسام بعد نبذ كل ما يفرقنا ويضلل مسيرتنا النضالية، والعمل بطاقة خارقة لوضع البرامج والخطط النضالية للمرحلة القادمة بالاستناد لمبادئ الوحدة ودحر مشاريع التقسيم وكل أشكال الاستعمار والاحتلال والاستغلال والاستبداد والرجعية العربية وصولاً نحو دولة عربية حرة وديمقراطية تكفل العيش الرغيد لكل مواطنيها بالقفز عن الطائفية والقطرية الضيقة والعشائرية وكل ما يفرق أبناء الأمة، وبما يضمن أيضاً للجميع العيش بأمن واستقرار وسلام في ظل دولة العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص التي من خلالها نستنهض طاقات الأمة وإبداعاتها على طريق النهوض والتحرر والتقدم والازدهار، وعلى طريق وضع الأمة في مكانها الطبيعي رائدةً طليعية بين الأمم، وهذا جل ما يخشاه أعدائنا.




الثلاثاء ٢٩ ذو الحجــة ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / أب / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ثائر محمد حنني الشولي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة