شبكة ذي قار
عـاجـل










أدت الثورات العربية المستمرة منذ العام ٢٠١١ في عدة اقطار عربية الى بروز ظاهرتين تستحقان التأمل والدراسة بعمق :

- قيادة الجماهير والشعوب لحراكها بعيداً عن الأحزاب والقوى المنظمة لتعود وتصطفت هذه الأحزاب والقوى بمرحلة لاحقة خلف الشعوب بهدف الاستفادة من الحراك والقبض على السلطة ( تجربة الاخوان المسلمين في مصر، وحالة الحوثيين في اليمن ).

- في الأقطار التي انتصرت فيها الشعوب على الأنظمة الحاكمة، تم اسقاط النظام والدولة التي بنى النظام مؤسساتها وأجهزتها لخدمة مصالحه والامعان في قمع واستغلال مواطنيه؛
وكانت عملية إسقاط الدولة من قبل الشعوب الثائرة مقدمة لإعادة بناء وتأسيس الدولة القادر على تحقيق مصالح الناس؛

اما في الدول التي لم تسقط فيها الأنظمة المستبدة، ولا سيما في سوريا؛ تأطرت كل الأنظمة الاستبدادية في المنطقة من عرب وفرس وترك خلف النظام السوري واخذت هذه الأنظمة برفد النظام السوري بالاعداء والحلفاء لشن ثورة مضادة لمشروع النهضة والحراك الشعبي العربي لتتحول الأرض السورية، ولاحقاً الأرض العراقية الى ساحة معركة جرت الويلات على شعوب المشرق العربي ودمرت مقدراته؛

ما يهمنا في هذا البحث، هو الدور التركي - والإيراني بالثورة المضادة المشار اليها؛

- اندفع كل من الجيشيين الإيراني والتركي داخل سوريا والعراق، مصحوباً بميليشيات حليفة ( مرتزقة وفقاً للمفاهيم القانونية ) ولتشكل الدولتيين حالة استعمارية داخل أراضي العراق وسوريا؛

والهدف المباشر التحول الى قوة امبريالية مسيطرة على دول المشرق العربي؛

والهدف غير المباشر، ابعاد عدوى الربيع العربي عن الشعبيين الإيراني والتركي نظراً لتشابه أدوات سيطرة النظاميين ( الداخلية ) مع الأدوات المستخدمة من الأنظمة المستبدة في المشرق العربي؛

ان الادبيات السياسية للقوى الاستعمارية والامبرياليات العالمية ( الغربية ) بررت قديماً غزواتها الاستعمارية بالتفاوت الثقافي بين شعوبها وبين الشعوب التي تم استعمارها، كما ورفعت شعار تقديم رسالة التمدن والتحضر للشعوب المغلوبة؛

إضافة الى ذلك، كانت الدول المستعمرة تنضح بالقوة والامكانيات من داخلها مما مكنها من تحمل التبعات الاقتصادية المالية لغزو الشعوب الضعيفة واستعمارها ونهب ثرواتها؛

ايران وتركيا، لا تملكان المقومات والامكانيات الثقافية والاقتصادية للمارسة هذا الدور الاستعماري الامبريالي

النظام الإيراني سواء نتيجة الحصار الأميركي على ايران وتجاوب غالبية الشركات و المؤسسات والدول مع هذا الحصار، او نتيجة الآثار المدمرة إقتصادياً لجائحة كورونا على اقتصاد العالم ( وايران ) ، فإن هذا الاقتصاد يترجع ويوشك على السقوط؛

وخير دليل على ذلك وصول سعر الدولار الأميركي الى اكثر من ( ٢٥٠،٠٠٠يال إيراني ) في السوق السوداء الإيرانية؛

ترتكز إيران الى ثورة مستمرة منذ العام / ١٩٧٩ / مع العلم ان الثورة حدث يقع وينتهي لحظة الانتصار و تبدأ بعدها الدولة ويبدأ الإصلاح؛

- النظام في ايران يعتبر نفسه ( على المستوى الأيديولوجي ) حامل لرسالة إلهية مقدسة، وهو وارث الأنبياء استطاع هذا النظام ان يتلمس انحرافاً تاريخياً في الدين ولا بد من تقويمه؛

- وبالتالي هذا النظام يمارس عملية ثأر من التاريخ وتقويض له ويمارس اسقاط للتاريخ العربي الإسلامي، يضاف الى ذلك اقصاء تام للمجتمع للايراني عن الحاضر وكل هذا الابتعاد والاقصاء للمجتمع الإيراني عن الدنيا بهداية من المرشد ( وارث الأنبياء بعصمته ) والانغلاق يؤدي بالمجتمع الإيراني الى الانقطاع عن كل الثقافات وعن الحاضر و المستقبل ( ورغم زيف شعار محاربة وعداء الغرب ) ليغوص عميقاً في الماضي ويعيش هذا الماضي؛

مما يفيد بإنتفاء أي تفوق ثقافي او سياسي لإيران على شعوب دول المشرق العربي بل العكس هو الصحيح والتفوق الثقافي كامن داخل البيئة المجتمعية العربية التي انتجت وفعلت هذا الحراك التغييري العميق؛

- اما تركيا، التي تعيش قيادتها الحالية نوستالجيا الدولة العثمانية؛

ان هذه القيادة ورغم شعاراتها الإسلامية هي وليدة العلمانية التركية التي اسقطت واطاحت بالدولة العثمانية؛

ومحاولة الرئيس اردوغان فتح القسطنطنية مجدداً من خلال تحويل متحف آيا صوفيا الى مسجد هي محاولة لإعادة المجتمع التركي ( العلماني ) للعيش في الماضي السحيق اسوة بما يفعله نظام المرشد في ايران هذا الالتقاء في الأهداف و المسار بين النظاميين التركي والإيراني يوضح وحدة المنبع الفكري للنظاميين ( حركة الاخوان المسلمين ) ويوضح احد أوجه الخلل العميق في المشروع السياسي الإسلامي ولنا عودة لهذا الموضوع؛

- ايضاً ان الاقتصاد التركي لا يزال يلفه غبار جائحة كورونا ولم تتضح حتى الان ( وربما بفعل تعتيم مقصود ) حجم الخسائر التي لحقت به؛

إذن يصح القول، بأن التدخل التركي والإيراني ( وكذلك الروسي والأميركي والإسرائيلي ) انحسر فقط بالتدخل العسكري وهو ما يستتبع بطبيعة الحال نشوء حروب أهلية؛

- اتفق جميع من تدخل بدول الشرق العربي على اختراع داعش ( وهي ظاهرة الإسلامي السياسي المعولم ) بهدف شن حروب إبادة على بيئة حاضنة ( غير موجودة حقيقة ) لهذا التنظيم؛

- وشملت حرب الإبادة ليس البشر فقط، بل التاريخ من خلال تحول اطراف الى قتلة مدن ( الموصل وحلب التاريخية نموذجاً ) تفعيلاً لفكر يرفض التاريخ العربي الإسلامي علماً بأن ظاهرة إبادة المعالم التاريخية والمدن ذات الدلالات التاريخية والثقافية لم يمارسها إلا الإسلام السياسي الحديث؛

- باسم الإسلام الشيعي تمت ايادة السنة العرب الحاضنة المفترضة لداعش ومن دون ان يكون لأحد من المستهدفين الحق بإثبات العكس وبإسم الإسلام السني تمت إبادة الشيعية والايزيدية والمسيحيين ( العراقيين والسوريين ) علماً بأن الإسلام السني على المستوى التاريخي كان دين الدولة الإسلامية الرسمي ودائماً جعل من الآخر شريكاً في الدولة والمجتمع وليس فرداً ضمن جماعة او أقلية
هذه الحروب المعارك شئت ليس فقط لإشغال شعوب دول المشرق العربي عن متابعة مسيرتها بل كان لها هدف اعمق إسقاط المجتمع العربي بعد ان اسقط الأخير شرعية دولة الطاغية
التدخل التركي الإيراني وباسم الإسلام لم يقف عند إفتعال الحروب الداخلية و المشاركة فيها يوصفها حرب مقدسة تؤدي الى الجنة؛ بل ذهب ابعد من ذلك أراد مصادرة القضية الفلسطينية ايران دائماً تهدد بتدمير الكيان الصهيوني وجهزت لهذه الغاية فيلق القدس، الذي حارب بكل الاتجاهات وفي كل المدن و المواقع الاثرية العربية ( ودمر قسم كبير منها ) ليحمل بامتياز لقب قاتل المدن الأول بالتاريخ ولكن لم يتوجه يوماً نحو القدس؛

- كذلك تركيا ورغم خطابها الزائف الكاذب بخصوص القدس ونضال الشعب الفلسطيني لا تزال تحافظ على علاقات مع العدو الصهيوني لا تقل متانة عن علاقة أي دولة غربية بالكيان الصهيوني؛

- هذه الحروب و المعارك شنت من طرف تركيا وايران ليس فقط بهدف اشغال شعوب دول المشرق العربي عن متابعة مسيرتها بل لهدف اعمق وهو اسقاط المجتمع العربي بكل قيمة ومفاهيمه، بعد ان اسقط هذا المجتمع شرعية دولة الطاغية وبهدف اسقاط مشروعية الثورات العربية وابعادها عن هدفها في بناء الدولة العادلة

ويبقى السؤال الأهم ما العمل؟
- التدخل التركي والإيراني في دول المشرق العربي جعل من نظام الدولتيين مجرد طرف في حروف عبثية هدفها إبادة شعوب المنطقة او تطويعها وإخضاعها لإرادة طاغية واعادتها الى ما كانت عليه قبل العام ٢٠١١؛

خرج الشعب العربي الى الشارع في دول المشرق والمغرب العربي لتحقيق اهداف ثلاثة؛

- اسقاط الأنظمة القمعية القابضة على مستقبل شعوبها وثرواته وإمكانياته وأسباب تقدمه؛

- بناء دولة العدالة الاجتماعية الراعية لكل المواطنين ولكل فرد في المجتمع وبناء علاقة مواطنية سليمة بين الفرد والدولة بما يحقق المساواة والعدالة بين كافة افراد المجتمع،

- تبوء المكانة التي يستحقها الانسان العربي اذا ما امسك بثرواته وطاقاته الوطنية وفعلها ضمن مشروع وطني؛

الأهداف المبينة أعلاه لا تزال ممكنة التحقيق باعتبار ان أسباب ولادة الثورة والربيع العربي في العام ٢٠١١ لا تزال قائمة؛

تحقق الكثير من المنجزات بفعل هذا المشروع التحرري الخلاق ( ولا يزال هذا المشروع مستمر حتى يومنا هذا ) وبقي الكثير من القضايا الواجبة التحقيق باعتبار ان اهداف الثورة ( أي ثورة ) لا تتحقق جميعها في اليوم الذي يلي سقوط الطاغية؛

ان محاولات النهوض العلمي والفكري في الدول العربية عديدة ولكن أهمها ثلاث محاولات :

- مشروع النهضة الذي حمله محمد علي باشا في مصر خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر
- مشروع النهضة الذي حمله الرئيس جمال عبد الناصر
- مشروع النهضة الذي رفع لوائه العراق بقيادة الرئيس صدام حسين؛

هذه المحاولات الثلاث اسقطها الغرب بقوة السلاح اما مشروع النهضة العربية الذي انطلق في العام ٢٠١١ فلن تسقطه تدخلات خارجية ولا سيما تركية او إيرانية وسيستمر ليصل الى شعوب هاتيين الدولتيين ليصار الى اسقاط النظاميين اسوة بغيرهم من الطغاة؛

وربما عندها ستتحقق مقولة المفكر السوري ميشال عفلق بشأن رسالة العرب الخالدة






الاحد ٦ ذو الحجــة ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / تمــوز / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي علي جوني نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة