شبكة ذي قار
عـاجـل










إن الالتزام
هو قاعدة في الحياة ولا يمكن لأي شخص أن يحيا من دون المرور بالتزاماتٍ سواء أكانت مادية، معنوية، قانونية، اقتصادية أو تجارية، .. وحتى يمكن القول إن الفرد في رفضه للالتزام هو بحد ذاته التزام، ولكن بشكلٍ آخر.

ومع تطور الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، بدأ هذا الأخير يعي ضرورة تنمية مبدأ الالتزام بين أفراده من أجل إيجاد حل للقضايا العامة المتراكمة، وبخاصةٍ أنه أصبح يتأثر في قرارات السلطة السياسية، ويعي خطورة تفاقم هذه المشاكل من جراء عدم اهتمامهم بالسياسة أو الشؤون العامة، لذلك قال أفلاطون : "إن عقاب الذين لا يعملون أو يرفضون العمل بالشؤون العامة، تقع في أيدي الأقل فضيلة منهم".وبعدها أتى دور الأحزاب السياسية لخدمة المجتمع ومعها تطور مفهوم الالتزام، ليدخل صلب الحياة السياسية.

إذًا، الالتزام هو وليد عدة عوامل اجتماعية، اقتصادية وسياسية، أثرت عليه لتدفع الأفراد على الالتزام في مجتمعاتهم.وبما أن الالتزام هو وليد عوامل محددة، إلا أنه أيضًا يظهر عند أفراد معيّنين وليس جميعهم.مفاده أن هؤلاء الأفراد أصبحوا ملتزمين بسبب قوة هذه العوامل المؤثرة وفعاليتها، التي طبعت في تفكيرهم أسس الالتزام السياسي وقيمه.
فما هو الالتزام السياسي؟

وماهي المبررات التي تدفع الانسان للالتزام السياسي داخل الأحزاب؟
وهل الملتزم هو مواطن عادي أم مجرد منتسب أم من المناضلين؟

"إن الالتزام السياسي يكون عند المواطن الفاعل الذي ينضوي تحت عقيدة سياسية اخلاقية.وهنا يمكن القول بأن كل نظام سياسي ديكتاتوري أم ديمقراطي محكوم بممارسة السلوك، قد تصبح الدكتاتورية أقل سوءًا من الديمقراطية إذا كان الذين يمارسونها يتفوقون بمناقبيةٍ أخلاقية على من يمارسون الديموقراطيات.والديموقراطية اللاأخلاقية إذا تحولت إلى عبدة أصنام كما يقول برنارد شو قد تصبح بالممارسة نظامًا ديكتاتوريًا.

وبالتالي، ليست المهنة أو الوظيفة التي تمارسها، ولا حتى التبعية التي تصنّفها في خانة المواطنة بل هدفها النهائي.إذا كان الانعكاس والإيماءات المنبثقة منها موجهة إلى السياسة، أي الدولة مع سلطاتها والجهات الفاعلة فيها، والسبب الذي دعا إليها هو لمصلحةٍ عامة، فإن هذا الالتزام الشخصي أو الاجتماعي يمكن اعتباره التزامًا مواطنيًا.
بالإضافة إلى ذلك، إن الالتزام ليس لديه مظهر واحد يعبّر عنه.بمعنى آخر، إن الالتزام لا يلتزم بمظهرٍ معيّن، فهو يتخذ المظهر المناسب حسب الضرورة، فلكل حاجة مظهر يعبّر عنها.كما من الممكن أن يأخذ شكلًا عنيفًا أو غير عنيف.كما يقول الفيلسوف الصيني Laozi :

"إذا رأيت أن سلطتك لم تعد محترمة، فاعلم بأن هناك سلطة أخرى هي في الطريق".
إن الالتزام هو عهد يقطعه المواطن على نفسه بالالتزام بهذه المبادئ.مما يذكّرنا بالجملة الشهيرة لـ "ابن خلدون" : "الإنسان هو الكائن الوحيد الذي لا يستطيع أن يحيا من دون سلطة تضبط سلوكه بالقوة"؟

السياسة هي القيام على الشيء بما يصلحه"
( ابن خلدون )

مزج كبير مفكري اليونان أفلاطون نظريته السياسية بالأخلاق، وجعل أرسطو مبحث الأخلاق جزءاً من مبحث السياسة، أما مع الفيلسوف كانط فقد أصبح الفعل السياسي يجد عمقه في الواجب الأخلاقي.فما من شيء يتصل بالإنسان فكراً وسلوكاً الا وله حمولة أخلاقية.وكثيراً ما سمعنا شعار "لا سياسة بدون أخلاق"، لكن للأسف الشديد على أرض الواقع لا وجود لأي علاقة بين الفعل السياسي والالتزام الأخلاقي لا من قريب ولا من بعيد.حيث نعاين اليوم فعل سياسي لا يلتزم بالفعل الأخلاقي، فعل سياسي كثيراً ما يلتزم بالمصلحة الشخصية أو الحزبية الضيقة.نعاين اليوم فاعل سياسي يتجرد من أي اعتبارات أخلاقية، ويبيح لنفسه استخدام ما يحلو له من وسائل لتحقيق أهدافه السياسية، بأي ثمن حتى لو داس بأقدامه على القيم والمثل الموجهة للسلوك السياسي!

وهذا ما ينطبق على واقع الممارسة السياسية في الوقت الراهن، حيث لم يسبق للسياسة أن ابتعدت عن الأخلاق بالدرجة التي عليها الآن، اذ أصبحنا نعيش أبشع تجليات "الميكافيلية"، وتنامي شعور يميل نحو التحلل من الضوابط الأخلاقية وإباحة كل الطرق والوسائل لتحقيق الأهداف السياسية والمصالح الذاتية.ويظن الطارئين ( السياسيين ) الادعاء أنهم لا يزالون يتمتعون بقدر ما من الأخلاق في عملهم السياسي لكن الواقع يفضح ذلك؛ وما يقع حالياً في المشهد السياسي الحالي في صورة من صور الانحطاط في الفعل السياسي، الذي وصل إلى هذه الدرجة من الانحدار ومن الابتذال.

ما يقع الآن في المشهد السياسي من صراعات هامشية الهدف منها هو تدمير الخصم بكل الطرق المتاحة حتى الغير أخلاقية منها.

ما يحدث الآن في المشهد السياسي البشكل عام والمشهد الحزبي بشكل خاص والموسومين بكثير من الأعطاب، عرَّى عن واقع الفعل السياسي ببلادنا.ففي الوقت الذي يشهد فيه العراق المحتل حراكا ثوريا جماهيريا نتيجة للسياسات الاجتماعية والاقتصادية التعسفية الظالمة ، بداية من حراك مدن الجنوب والوسط التمدد إلى حراك في أغلب مدن العراق وفي الوقت الذي تتعمق فيه الجراح وتزداد أجواء الاحتقان الاجتماعي؛ سقط الفاعلون السياسيون في مستنقع الصراعات الهامشية والشخصية، مما يدل بالواضح والملموس على أن الفاعل السياسي لم يتطور في سقف تفكيره السياسي.فما يقع حالياً داخل المشهد السياسي العراقي يعتبر آفة سياسية يتمثل في تمييع الحياة السياسية بمختلف مظاهرها، وتمييع العمل الحزبي.

إنه العبث السياسي الذي قد يؤدي إلى هدم الثقة في دور الفاعل السياسي.والمقلق أكثر هو أن منظومتنا السياسية والأخلاقية بدأت تتعرض للانهيار، وذلك بانهيار الركن الأخلاقي في السلوك السياسي.

أمام هذا النوع من الممارسات، وأمام هذه الطينة من الفاعلين السياسيين، من السهل جداً اغتيال الفعل السياسي، وتعطيل الزمن السياسي، وتجريد الفعل السياسي من أي محتوى فكري أو ايديولوجي.ومن المؤسف أنه في الوقت الراهن، هناك من لا يزال ينادي بتحرير وسائل السياسة من معاييرها الأخلاقية، لأن الحاجة الى الاخلاق في ميدان السياسة لم يعد يواكب الزمن السياسي الحالي، على عكس الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي حيث كان للفعل السياسي طعم خاص، قبل أن يصيبه ما أصابه في الوقت الراهن من بؤس وانحدار، وأصبح التعبير عن الخلاف السياسي لا يخضع لأية ضوابط أخلاقية.

لقد أصبح لزاما على الفاعل السياسي استحضار البعد الأخلاقي كمجال يستهدف سلوك الفرد والسياسة، فتأطير السياسة بالأخلاق أمر ضروري، نظراً لكون السياسة في أصلها فكرة أخلاقية قوامها مبدأ المصلحة العامة.فما أحوجنا اليوم إلى تعميق الأخلاق في الممارسة السياسية.

خلاصة القول إن ارتباط السياسة بالأخلاق كان ولا يزال منذ القدم، والنضال السياسي هو قيمة أخلاقية بحد ذاته، لذا أعتقد أن ممارسة الفعل السياسي في أي مجتمع كان، لا يمكن أن تخرج عن دائرة الأخلاق التي تحكم ذلك المجتمع، وإن حدث العكس فسنكون قد أعلنا عن موت الفعل السياسي.

من المفيد والضروري استدعاء الأخلاق في السياسة لإنقاذها من بين طواحين أفراد أسرتها الذين يتمادون في التنكيل بها ؛ ولعل أقرب الأمثلة التي يمكن أن يسوقها المشهد السياسي الحالي والمتمثلة بالأساس في الحرب المميتة التي تقوم بها الأحزاب أو بعضها في إطار ماتسميه التنافس على المكاشفة والتواصل المبنين على إضعاف المنافس بأدوات مضرة بالبيئة السياسية ؛ تستئصل الرحم السياسية وتشوه أجنتها وتُنضب منابعها وتملأ بأشباه السياسيين دروبها ؛

إذ نتابع على وسائل الإعلام المختلفه مثلا كيف يتنابز الاشخاص بالتوصيفات والتصنيفات ؛ والاحتكام إلى شخصنة الخلافات والخوض في ما تصمت عنه جدران البيوت الحزبية وتجاوز وخرق وانتهاك الإنضباط والغيرة وشرف النفس.

ان المشاريع السياسية ليست منتديات ثقافيه أو تجمعات للأصدقاء أو نوادي رياضية تنفّس فيه عن طاقة زائدة أو غضب بالاشتباكات.

المشاريع الثورية هي أقرب في بنائها إلى الجيوش منها إلى جماعات أو تيارات فضفاضة.

هي جيوش مركزية من جنرالات وضباط ضباط صف وجنود، يفرقها عن جيوش الانظمة أن قيادات المشاريع السلسية ومعظم ضباطها منتخبين من الجنود ويخضعون دوريا للحساب والمساءلة والتغيير إذا أخفقوا في تحقيق المستهدفات التي أنتخبهم القواعد لتحقيقها أو اتسم أداءهم بالفشل الإداري المتكرر أو الانحراف السياسي.

ومن الضروري في المشاريع السياسية الاعتماد على النوع وليس على الكم.الكم الذي يخلق فقاعات تعيش بين أعضاءه في كوكب منعزل عن البشر الطبيعيين الذين نحيا معهم في نفس الشركة والشارع والبيت.هنا يتحول المشروع السياسي الثوري إلى طائفة أو شلة يميزها السلوك الاجتماعي ( والذي قد تكون بعض ممارساته مرفوضة لتعارضها مع قيمنا ومبادئنا وأخلاقنا.

ونحن في القرن الواحد والعشرون يصبح من العبث الإنغلاق واتباع نفس أساليب الماضي.

ولكن إذا فتح المشروع السياسي أبواب قبول العضوية، بحذر أو على مصراعيها، للعناصر المتقدمة في الجامعات ومواقع العمل فهذا لا ينفي وجود أخطار، وليس بالضرورة أخطار أمنية، بل أخطار انحراف سياسي وذلك أكثر خطورة من أي ضربات أو اختراقات أمنية بسبب التوسع.

وهناك ممارسات تجدها في عناصر حديثة العضوية قد تحمل رواسب ذكورية أو عنصرية واستخدام مصطلحات لا يصح أن تصدر من مناضل اشتراكي ثوري.

قبل أن يسن الجميع أسلحتهم ضد تلك العناصر يجب فهم ذلك، مرة أخرى، طبيعي عند توسع المشروع السياسي خارج دوائر المثقفين الذين تناقشهم بالشهور والسنين وتقرأ معهم تلالا من الكتب النظرية قبل دخولهم المشروع.وكل شخص ينضم لمشروع يحمل معه تناقضاته الحياتية ودرجات متفاوتة من الوعي والمهارات.

إن مواجهة تلك الأداءات تكون “سياسية” بالمقام الأول وليس بالضرورة “تنظيمية” سواء بالعقوبات التنظيمية أو بالفصل.
ويجب الحزم وابعاد العناصر الفاسدة تنظيميا حتى لا تؤثر مخالفاتها وانحرافاتها سلبا على زملائها.

والحفاظ على كيان المشروع السياسي ورث الصفوف
حيث تتعرض جميع التنظيمات والأحزاب والحركات، يسارا ويمينا، لحالات من الخلل زمنكانيا.
هذا ما يشهد به التاريخ فمن الطبيعي حدوثه حتى في أعتى التنظيمات صلابة وقوة…
فتجد نفسك في وضع سياسي يتغير كل ساعة وأحيانا كل دقيقة.

وفي فترات المد الثوري والحراك الاجتماعي والسياسي المتصاعد تتجذر الجماهير ( أو قطاع كبير منها ) سريعا.
وتجد الجماهير “العادية” على يسارك في مواقف، وتسبق حركتها حركة المشروع الثوري.
هذا طبيعي جدا، وشهدته جميع الحركات السياسية.

ولكي ينجح اعضاء المشروع السياسي ويكون لهم حضور فاعل بين الجماهير يجب أن تكون لهم نشاطات ملموسة في المشاركة بالفعاليات المختلفه من تنظيم للمظاهرات والإضرابات والمسيرات والوقفات،

والحالة الثورية في اي مشروع سياسي كفيلة بدفع أكثر الكوادر خبرة إلى النشاط،

لذا من أكبر الأخطاء التي يرتكبها المشروع السياسي ، لاسيما قادته ا عندما يفسحون المجال للفقاعات والذين فقدوا هوية الانتماء والشرف الوطني وقطعوا جذورها بالارض والفاشلين وعديمي الخبرة والكفاءة بالتسلل الى المناصب السياسية والإدارية المهمة التي تتطلب خبرات كبيرة ومواهب حساسة وذكاء ميداني متميز، لأن هذه المناصب لا تخص فردا بعينه، إنما تتعلق بمصالح منتسبي المشروع كله.

عندما تفشل السياسة فلاريب ستفشل محالات الحياة الأخرى وعندما تتهرب العقول السياسية المتميزة من أعباء البناء والعمل في السياسة، فالأمر لا شك سوف يؤول الى التردي والتراجع، لاسيما أن علم السياسة يؤكد بأنها ( السياسة ) هي فن العقل والحكمة والذكاء في إدارة شؤون الفرد والجماعة، بالميدان والمكان والوقت المناسب ..





السبت ١٣ ذو القعــدة ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / تمــوز / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي سليمان الجبوري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة