شبكة ذي قار
عـاجـل











صار من نافلة القول إن حزب البعث العربي الاشتراكي ليس حزب مرحلة ولا حزب سلطة ولا حزب نخبة، البعث حزب أمة يحمل رسالتها لنفسها وللإنسانية، وعلى ذلك فإن البعث يتجدد مع الأجيال وبمرور الحقب طبقاً لحاجات الأمة المتجددة.

إن هذا التوصيف ليس، كما يحاول البعض الايحاء أو القول، أنه توصيف فضفاض وزئبقي بدلالات سلبية، بل هو حمل لمسؤولية ثقيلة واستعداد تام لأدائها مهما طال الزمن، وشرط أخلاقي وعملي مادي يجعل من البعثيين رساليين، والرساليون ببساطة ليس فقط حملة ثوابت لا تتزعزع بل هم رواد قضية لا يسقطونها من على ظهورهم ورقابهم وعقولهم حتى تتحقق، لتولد من رحم حقبة التحقق القادمة غايات جديدة لارتقاء ذاتي وإنساني جديد.

سقنا هذه المقدمة لنقول لكل من يعنيهم الأمر بأن البعث لم ولن يفنى بغزو واجتثاث واقصاء، كما خيل للغزاة ومن تعاقد معهم، فذبح الدولة التي بناها البعثيون وشعبهم بالأرواح والعرق والجهد والفكر لن ينهي البعث، لا دوراً ولا تنظيماً، لأن البعث كما قلنا ليس حزب نخبة لينقرض بزعزعة حال النخبة وأوضاعها، بل هو حزب عوائل وشعب وأمة، وهو ليس حزب سلطة أيضاً، لأن السلطة عند الحزب وسيلة وليست غاية بحد ذاتها، وبالتالي فإن خسارة السلطة لأي أمر كان لا تسقط مرتكزاته الفكرية والموضوعية.

إن التعبير عن وجود جيل بعثي قبل غزو العراق واحتلاله هو تعبير أخلاقي ومادي عن حقبة طويلة تحمل فيها البعث مسؤوليات حماية العراق وإعماره وتقدمه واسعاد شعبه، ورافقها نجاحات تاريخية لا نجد لها نظيرًا في تاريخ العرب والمنطقة المعاصر، ورافقها أخطاء وعثرات عمل طبيعية ترافق كل البنائين المعمرين المتصدين لتغيرات جذرية اجتماعية وسياسية واقتصادية، وقرارات فرضتها الظروف الملجئة، حيث لم تتعرض تجربة ثورية في العالم لما تعرض له البعث من مؤامرات محلية وخارجية.

لسنا هنا في صدد الحديث عن تضخيم الأخطاء الذي صار ضرورة من ضرورات غزو العراق واحتلاله وبناء العملية السياسية الاحتلالية، فهي واضحة لمروجيها ومتبنيها أكثر من غيرهم، ولا عن شواخص الإنجازات الباهرة التي عمل الغزاة وذيولهم ومازالوا على تقزيمها وتغييبها وشيطنتها، بل نحن بصدد التثبت من حقيقة قدرة البعث على البقاء والتوالد والتجدد.

إن حقبة ما قبل الغزو كان للبعث فيها مسؤوليات وواجبات ومتطلبات عمل تنظيمية وميدانية، نجح الحزب نجاحاً باهراً في التعاطي معها وتحريك تفاعلاتها وحصد نتائجها بعيداً عن مزاجية وعدوانية بعض من سعوا لإسقاط التجربة واستهداف الحزب طيلة سنوات توليه دفة بناء العراق.

لقد نجح الحزب في صناعة القيادة المتجانسة الواقفة على مشتركات تكتيكها واستراتيجها في واجبات إدارة الدولة رغم التآمر المتعدد الأنواع الذي استهدف القيادة، ونجح الحزب في خلق تنظيم جبار ساهم بطريقة تاريخية في اسناد الدولة وبنائها وإنجازاتها وحمايتها وصنع هيبتها وديمومتها للزمن الذي دامت فيه.

أما بعد الغزو والاحتلال فلقد تكيف البعث فوراً وبدون أية فاصلة زمنية ليفعل من جديد صيغه المبدئية الأصيلة في النضال والكفاح والجهاد كحركة تحرر وطني مؤمنة إيماناً راسخاً بحق الشعب والأمة في مقارعة الاحتلال والغزو بكل أشكال المقاومة وفي مقدمتها المقاومة المسلحة، ومع هذا التصدي البطولي والتكيف العضوي المتفرد تصدى البعث لمهمات المرحلة الأخرى والتي يمكن أن نضع بعضها في النقاط الآتية :

أولاً : إعادة بناء تنظيم الحزب بصيغته المعروفة بصرامة الانضباط وحديدية التنفيذ للواجبات الجهادية والنضالية، مع بناء النفس النضالي الطويل المنطلق من فهم عميق لمسارات العدوان السابقة واللاحقة التي كان هدفها الأول هو القضاء على البعث.

ثانياً : احتواء التداعيات السلبية التي رافقت الغزو وما تلاه وخاصة تلك التي مست الحزب تنظيمياً، وكانت نتيجة طبيعية لقوة العدوان الغاشمة وعوامل اليأس والاحباط التي نالت البعض من الحزبيين.

ثالثاً : توسيع قواعد الحزب التنظيمية والجماهيرية وتعميق ثقافتها ووعيها العقائدي الرسالي.

رابعاً : تعزيز قيم الحرية والديمقراطية داخل الحزب، وإعادة صياغة العلاقات الرفاقية بما يضمن تجديدها وحيويتها وارتباطها الوثيق بالأصالة البعثية المعروفة.

خامساً : الثبات المطلق على منهج المقاومة الشعبية بكل ممكناتها والابتعاد كلياً عن أي منطق إصلاحي انطلاقاً من الإيمان بأن ما حل بالعراق باطل وما جرى ويجري على أرضه باطل وعلى أيدي خائنة مجرمة، والباطل لا حل معه إلا الاجتثاث.

إن العملية السياسية الاحتلالية المخابراتية ذات هوية محددة معروفة، وشعبنا يرفضها، وإن الفرض والإجبار هو ما يرغمه على السكوت أو حتى التعاطي بهذه الدرجة أو تلك مع الأمر الواقع، والبعث سيبقى متفرداً مع عدد من شركائه في التطهر من هذه العملية ومجرياتها كلها، وطال الزمن أم قصر فإن موقف البعث ويد البعث ستظل هي الأعلى بإذن الله.





الاثنين ٨ ذو القعــدة ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / حـزيران / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة