شبكة ذي قار
عـاجـل










كثيرون عرفوا عبد المجيد الرافعي و عايشوا مواقفه ومآثره الإنسانية والوطنية والقوميّة.

عرفوه في ريعان شبابه وخمسينياته وثمانينياته وحتى رحيله في تسعينياته من العمر.

عرفوه متأبطاً حقيبته الطبية تفوح منها محبته للناس والممتلئة بالأدوية التي يقدمها للفقراء مستوري الحال سكان الأحياء والدهاليز الضيقة الموغلة في قدم زمان مدينته العزيزة على قلبه الطيّب حاملاً سماعته لينصت فيها إلى أنين قلوب المرضى المعوزين الغلابا وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم من أبناء المدينة الشرفاء.

عرفوه مناضلاً في ساحات الوطن قدوة إلى جانب المضطهدين والكادحين أصحاب الحقوق والكرامة الوطنية.

عرفوه مطالباً بسيادة القانون وتطوير مؤسسات الدولة لتحقيق المساواة بين جميع المواطنين ومندداً بجور السلطة عندما تتقاعس في أدائها عن معالجة شؤون مواطنيها، معبراً عن روح طرابلس بتاريخها الوطني والقومي الرافضة للانقسام والفتنة، فكان الرمز البعثي الوطني العابر للطوائف والمذاهب والمناطق يتنقل في كل زمان وفي أي مكان في شوارع وأحياء المدينة في مختلف مدن وقرى وبلدات الوطن من حدوده الشمالية حتى أقسى حدوده الجنوبية.بوصلته الثابتة، التزاماً قاطعاً بالقضايا الوطنية والقومية وفي طليعتها دائماً قضية العرب المركزية قضية فلسطين، ضمير أحرار العرب والعالم الحر، مجسدا القيم الإنسانية الرفيعة والفكر العربي المتجدد.واضعا مصلحة الوطن فوق أي اعتبار للمصالح الفئوية سواء كانت تعود للحليف أو الخصم؛ فكان يحارب في السياسة ويؤازر في شؤون الوطن والدولة.

وبقدر ما ينتاب عارفي عبد المجيد الرافعي شعور بالحزن والأسى لفراقه وخلو الساحات النضالية من قامته في هذا الظرف العصيب الذي يمر به الوطن، بقدر عزاء لا يقل شأناً عن الشعور بالفخر عند الحديث عن النضال في زمن الماضي الجميل، فهو دائماً بين كبار المناضلين الوطنيين والقوميين : أمين سر حزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان ونائب الأمين العام في القيادة القومية، وقائداً طليعيا من قادة الحركة الوطنية اللبنانية، فضلاً عن كونه نائباً سابقاً في البرلمان اللبناني حيث جمع صفات الرجال والقادة التاريخيين في شخص رجل واحد.وانه رغم ما عاناه بشخصه و عائلته و حزبه من قساوة الملاحقة والاضطهاد، التي اضطرته للتنقل من مكان إلى اخر في لبنان ثم الانتقال الى العراق للإقامة فيه حتى الاحتلال، إضافة إلى مصارعته المرض في سنواته الأخيرة، لم يدع ابدا الشيخوخة تطرق أبواب يومياته حتى رحيله , فكان حتى على فراش المرض، شابا في عطائه، يُصغي ،يتصل ،ويجتمع ويحاور وكأن رياح الخريف وعواصف الشتاء عصيت عن اختراق نفسه وروحه ، مرددا دائما مقولة شكسبير : " نكون او لا نكون تلك هي المسألة".

وفي الحديث عن عبد المجيد البعثي الذي قضى حياته متمسكاً بالعقيدة والمبدأ والأهداف حتى اكتمال مشوار العمر، تعود الذاكرة في الوقت عينه كما في كل مناسبة عزيزة على البعثيين , إلى رحاب رفاق العمر الراحلين , مناضلين آخرين من مختلف الأعمار والبيئات والطبقات المهنية والاجتماعية ، تركوا بصمات لا تمحى في التضحية والعطاء الإنساني مجسدين السياسة بمعناها السامي كعمل لخدمة البشر والمجتمع سواء في بيروت العاصمة أو في أبعد المناطق الريفية في مختلف جهات الوطن.ومن هؤلاء المناضلين نقتصر بالإشارة إلى عينة من البعثيين الأطباء زملاء الراحل العزيز الذين سقطوا في بيروت العاصمة، وهم رغم مرور السنوات ما زالوا عناوين الفضائل في ضمير أهل بيروت وسكانها، كالدكتور عدنان سنو الذي كما كان من أوائل الملتزمين بمدرسة البعث العربي الاشتراكي منذ النشأة حاملاً سماعته ومبضعه باندفاع مجبول بحماس شديد لمساعدة الفقراء والناس عزيزي النفس بعفوية صادقة، متطلعا لإقامة مجتمع يسوده السلام والعدالة، يعاين مرضاه بوجه لم تفارقه الابتسامة وهدأة البال سواء في عيادته أو في قرى الأرياف وبصورة خاصة قرى مناطق الحدود المواجهة لمعسكرات العدو الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة، فقد كان من أوائل الأطباء الراحلين برصاص الغدر أمام مدخل عيادته في أوائل ثمانينيات القرن المنصرم.وعقبه، شهيداً أيضا , وبعد فترة قصيرة ابن الثلاثينيات من العمر الطبيب الذي كان الحاضر الدائم لخدمة المرضى والسائلين الدكتور كامل فقيه، مدرجاً بدمائه، مغدوراً برصاص الحاقدين على البعث والأمة، أمام ناظري طفليه اللذين كانا معه في السيارة في الطريق إلى المدرسة.ومن ثم بعد سنوات معدودة توفى الله طبيباً مناضلاً آخر هو الدكتور نبيل قليلات؛ فجسدوا برحيلهم الحالة البعثية الأصيلة الإنسانية بعينها قولاً وفعلاً، وكما قال الكاتب اندري مالرو : "أن الإنسان هو ما يخفيه، فأن ظاهرة طبيب الفقراء هي حقيقته".

فما أحوج جيل اليوم المنتفض على الطبقة المتحكمة منذ عشرات السنين، نهبا وفسادا وسياسات خاطئة ومسيئة بحق الناس وكراماتهم وممتلكاتهم، للاستجارة بإرث عبد المجيد الرافعي ورفاقه المناضلين ولاستحضار مواقفهم الوطنية المبدئية من أجل خلاص الوطن وإعلاء القيم الإنسانية والجامعة لجميع الأطياف.وقد صدق من قال : " أن الإنسان يموت، ولا يموت حين يكون حضوره متشحاً بالقيم النبيلة والاخلاق الرفيعة ".





الاثنين ٨ ذو القعــدة ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / حـزيران / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد حلاوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة