شبكة ذي قار
عـاجـل











دائماً ما تلجأ الدول إلى إيجاد صيغ لتحقيق توازن في علاقاتها الدولية، وحيثما تختل توازن مصادر قوى هذه الدول ينشب اهتزاز في العلاقة لصالح طرف آخر قد يكون بحدود غير مقبولة وتأثيرات غير إيجابية، مع أن هناك أنواع من التوازن في القوى، وقبل الحديث عن إقامة علاقات دولية متوازنة بين العراق وأمريكا والفارق بينهما كبير جداً في كل المجالات والمقاييس، فهناك من السياسيين العراقيين من دعا إلى إقامة توازن سياسي في العلاقات العراقية الأمريكية، وهذا من شأنهم، وكأنهم متناسين أن أمريكا هي من احتلت العراق ودمرته وهندستِ العملية السياسية والمحاصصة الطائفية، ومكنت إيران من إطلاق يدها في العراق زيادة في تدميره، وجاءت بأشخاص بعيدين وغير قادرين على اتخاذ قرار سياسي مستقل أو صلاحية إقامة علاقات متوازنة سوى تنفيذ توجيهات وأوامر أمريكا.

ويجب عدم الابتعاد عن هذه الحقيقة الواضحة، فالعلاقات السياسية أساسها تقديم المصلحة الوطنية العليا للبلاد بعيداً عن الإملاءات والتدخل في شؤونها الداخلية وانتهاك سيادتها، لذا فهل من الممكن اعتبار من جاءت بهم أمريكا للحكم في الحكومة الحالية، حكومة ( وطنية ) ، تستطيع تحقيق توازن في العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية أو غيرها مع أمريكا والحكومة بهذا الوصف؟ واختراقها وتابعية قرارها السياسي لإيران في مجمل مفاصل الدولة ومؤسساتها.

إن التوازن السياسي أو العلاقة مع أمريكا كما دعا البعض إلى إقامته هو صياغة أنماط من التعاملات والتفاعلات السياسية في ضوء المتغيرات والمصالح الدولية، دون تأثير طرف على الطرف الآخر، أي ( الأضعف ) فيها، فهل تستطيع الحكومة العراقية وهي من صنيعة الاحتلال إبعاد نفسها عن التأثير الأمريكي؟ وتحقق توازن يهدف إلى تحقيق مصالح العراق في ضوء الوضع الحالي لها؟ وهي لا تمتلك قاعدة شعبية تؤمن لها جبهة داخلية رصينة آمنة تدافع عنها كأحد العوامل المهمة في التوازن الإقليمي أو الدولي، وهل الحكومة قادرة على إجراء اصلاحات داخلية لمحاسبة السراق ومسببي الفساد المالي والإداري والعابثين بالأمن؟ وإصلاحها قطاع الكهرباء والزراعة والبتروكمياويات والسيطرة على عمليات استخراج النفط، ووضع جدول لتسويقه ومنع تهريبه؟

فالدولة مسؤولة عن تبني خطط استراتيجية قادرة على تحقيقها، وأرقام وأهداف هيكلية لمؤسساتها الاقتصادية والإنتاجية والاستهلاكية، وترشيد الأموال والمحافظة على صرفها بصورة متوازنة لتحقيق توازن حقيقي داخل الدولة، ومحاربتها العنف والكراهية والارهاب وعمليات المليشيات المنفلتة.

وإذا كانت الحكومة العراقية قادرة على الإصلاح ومحاربة الانتهاكات ومصادرها وإعادة الحقوق للمواطنين وتعويض الأبرياء من المهجرين وتلبية طلباتهم، وفرض سيادتها واستقلالها الوطني وطرد الأجندات الخارجية ورفض الهيمنة الأجنبية الجزئية أو الكلية، يمكنها تحقيق توازن اجتماعي في ضوء دولة وطنية يمارس الشعب سلطته فيها دون تهميش أو إقصاء، وإذا ما قررت أمريكا إقامة علاقة متوازنة حقيقية، عليها إعادة ما دمرته للبنى التحتية ومؤسسات الدولة العراقية الصناعية والاقتصادية والثقافية والعلمية لتأكيد صدق نواياها، وإعادة الاستقرار وتحجيم دور إيران وأحزابها الطائفية في العراق، فيمكن عندئذ لحكومة وطنية اختارها الشعب بإرادة حرة وانتخابات نزيهة إقامة علاقة متوازنة مع عدم إخضاعها لأي إملاءات تضر مصالحها الوطنية.

فالإنسانية اليوم بحاجة إلى تعاون دولي حقيقي تحترم فيه الإرادات ليعم السلام والاستقرار لجميع شعوب العالم.

والمهم في هذا الموضوع التفكير بعمق سياسي واقتصادي واقعي دون النظر لسطحياته أو المساس بشخصية العراق وسيادته وضياعه بأماني خيالية بعيدة عن التطبيق والواقع في إطلاق آراء غير قابلة للتحقيق والتطبيق، بين تابع ضعيف داخلياً وخارجياً، وسياسة غير واضحة تحيطها ضبابية، وتذبذبها بين قوى غير قادرة للسيطرة عليها، ومتبوع يمتلك مقومات القوة بكل أنواعها وبأعلى درجاتها وعلى مستوى العالم.





الثلاثاء ٢ ذو القعــدة ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / حـزيران / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عامر الدليمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة