شبكة ذي قار
عـاجـل











بعد مرور ١٧ سنة على احتلال العراق وتنفيذ الاحتلال وأدواته لأسوأ استخدام للطائفية السياسية، ومحاولات مستميته لتحويلها إلى القواعد الاجتماعية العائلية والعشائرية بقصد توسيع انتشارها، يبدو الآن من الضرورة بمكان إعادة مخاطبة العقل العراقي عامة ومن تمترسوا طائفياً بشكل خاص واستهواهم لسبب أو لآخر استخدام اللغة الطائفية التي انتشرت بعد الغزو وتعبيراتها المغمسة بالفتن والمفضية إلى التفتيت الذي خطط له الاحتلال وأعوانه لشعب العراق الواحد منذ الأزل.

سنركز هنا على توضيح بعض المفاهيم الخاطئة وغير الدقيقة التي تخص البيئة السياسية لشعبنا في الفرات الأوسط والجنوب، وتنفي نفياً قاطعاً وحدانية ولائه أو انتمائه للمنهج الإيراني الفارسي الصفوي، هي في حقيقتها مفاهيم ومصطلحات يطغى عليها التخصيص الضيق طغياناً غير منطقي على العام الشامل، ويطغي فيها القصور على بعد النظر في نواحي عديدة.

وعلينا، هنا، أن نثبت أمرين :
الأول : أن الدفاع عن الهوية المذهبية ضمن إطارها الوطني لا نعتبره مذهبية ولا طائفية ولا تعصباً، سواء استخدم في جنوب الوطن أو في غربه، فنحن لسنا ضد العقائد المذهبية المعبرة عن اجتهاد في الفقه والشريعة، بل نحن ضد تجنيدها في السياسة بما يفضي إلى ذبح شعبنا ووطننا.

والثاني : إن ما يعرف بالتقليد لمراجع في حوزات ( شيعية ) لا يتقاطع بالضرورة مع الوطنية وشموليتها، ولا يعني العداء للمذاهب الأخرى ولا الولاء للأجنبي، إلا في حالة واحدة هي أن يكون المذهب أجنبياً أو يوالي الأجنبي، وهذا هو سبب استماتة إيران على تفريس الحوزة وتفضيل أعلمية العجم على العرب.

والتقليد في الفرات الأوسط والجنوب فيه حلقات طبقية مختلفة، يصل إلى حد السيد أو الشيخ المتواجد في القرية أو القصبة النائية، أي بعيد جدا عن حلقة المراجع ، وأهم ما في التقليد قبل أن يصير أداة بيد الأجنبي الطامع ببلدنا، هو جمع الخمس لفائدة شريحة السادة من جهة وإغراق الناس بالخرافات التي تعبد مسالك الطاعة في دفع الخمس، هذا فضلاً عن لجوء الأميين والجهلة للاستفسار عن بعض شؤون دينهم التي يقف جهلهم وأميتهم حائلاً دون معرفتها من جهة ثانية.

إن شعب العراق في الفرات الأوسط والجنوب في حقبة الستينات وما تلاها قد تقدم ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وتعليمياً تقدماً كبيراً، وبيئة الفرات والجنوب السياسية بيئة متنوعة والخطأ الفادح الذي يقع فيه كثير من الأخوة الكتاب أو المحللين هو تجيير هذه البيئة المتنوعة سياسياً لأحزاب التشييع الصفوي الإيراني حصراً، وخاصة بعد غزو العراق واحتلاله.

إن هذا التجيير في حقيقة مآلاته ليس اصطفافاً طائفياً يدافع عن ظلم يمارسه ساسة التشييع الصفوي الإيراني ضد شعبنا بل هو اصطفاف يمزق العراق بسبب عدم دقته وبعده عن الصواب والواقع.

إن هناك ملايين من عرب العراق في الفرات والجنوب ينتمون إلى الآن وانتموا سابقاً إلى تنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي، وسيظلون بعثيين حتى ولو أجبرت الظروف بعضهم على التصرف بعقلانية مع مد القوة الغاشمة التي سيطرت على المنطقة واعتدت على الأرواح والأعراض والممتلكات.

ومن عرب الفرات والجنوب من انتمى ولا زال ينتمي إلى الحزب الشيوعي، وإلى تشكيلات يسارية أخرى، والتنظيمات الشيوعية عريقة في جنوب العراق وتاريخها معروف، ومن الطريف المؤلم أن بعضهم قد لبس ثوب التدين ليجد له مكاناً في عصر رويبضات الاحتلال.

كذلك، عرف جنوب العراق ووسطه بكونه بيئة لنمو العديد من الحركات القومية غير البعثية، وأيضاً حاول قسم منهم التكيف مع البيئة التي خلقها الغزو، وبعضهم ظل محافظاً على وطنيته بهذه الكيفية أو تلك.

إن الحرص على العراق وسيادته ووحدته الجغرافية والسكانية، عليه أن يغادر لغة التعميم، التي تبدو في ظاهرها، المستخدم من البعض لفظياً أو ميدانياً على أنها دفاع عن المذاهب والأقليات التي قتلتها إيران عبر ذيولها، يوجب أن نتوقف عند حقيقة مطلقة هي أن نسبة التأثير الحزبي الفارسي بعد ١٧ سنة يضاف له تأثير المرجعيات والتقليد بميوله السياسية الطائفية البغيضة لا يتجاوز نسبة ٥ بالمئة من شعبنا في الفرات والجنوب وأغلب هؤلاء مجبرين لا مخيرين لأسباب معيشية فحسب.





الثلاثاء ٢ ذو القعــدة ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / حـزيران / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة