شبكة ذي قار
عـاجـل










كل الحسابات والاحصائيات تؤكد أن واردات العراق من النفط فقط منذ ٢٠٠٣ م ولحد الآن تزيد عن ٩٠٠ مليار دولار، وهذه الثروة كافية لجعل اقتصاد العراق في مقدمة اقتصاديات المنطقة والعالم، وكافية لجعل الإنسان العراقي في مستوى معيشة ودخل هو الأول في العالم، أو لنقل ضمن العشرة المتصدرة، خاصة وأن العراق يمتلك بنى تحتية عظيمة في التعليم والصحة والزراعة والصناعة والخدمات وكانت محجمة ومحجورة بسبب الحصار الجائر الذي امتد قرابة أربعة عشر سنة قبل الغزو.

ما حصل في العراق ليس غزواً واحتلالاً فقط، فلو كانت هذه الجريمة مصحوبة بأية نية صادقة مهما كانت بسيطة لتصرف اقتصادي وسياسي واجتماعي يحمل أي قدر من التوازن ويضع أي اعتبار للعراق كدولة ولشعبه لكان للعراق الآن شأن آخر في ميدان الثراء والتطور في كل ميادين الحياة.

ما حصل مع بداية الغزو وتسليم السلطة إلى أحزاب وقوى سياسية خائنة عميلة مجرمة تحميها القوات الغازية ليس لإدارة البلد بل لتدميره تدريجياً وإذلال شعبه واستباحة ثرواته ونهبها بطرق تقليدية وأخرى مبتكرة، كأنها غنائم حرب وليست ملك بلد وشعب، وأول غيث الفساد بدأ مع اعلان مجلس الحكم، وتمثل في الاتجاه إلى الاقتراض من بنوك ودول وإلى طلب المعونات المالية من دول مانحة، وكأن العراق ليس ثاني أكبر مصدر للنفط وصاحب ثاني أعظم احتياطي له، وكأن محطات الضخ العراقية المختلفة لم تفتح على مصاريعها مع دخول الغزاة وكأن أسعار النفط لم تقفز متضاعفة عشرات الأضعاف تزامناً مع اغتيال الدولة الوطنية العراقية.

وثاني غيث الفساد والتدمير قد كان باتجاه أعضاء مجلس الحكم إلى إقرار رواتب ومخصصات لهم وللحكومة إلى حد مدير عام ولأعضاء البرلمان خيالية، ولا مثيل لها في كل العالم تقريباً.

إن الأحزاب التي سلمتها أميركا السلطة، وكافة الحكومات التي تتابعت منذ ٢٠٠٣ ولحد الآن قد تعاملت مع واردات العراق الخرافية على أنها أموال مستباحة وليست سيادية، ولم تضع أية سياسة اقتصادية ولا خطة تنمية، واهتمت فقط بصناعة بيئة السرقة والنهب للمال العام واجتهدت بابتكار دهاليز وقنوات وغرف مظلمة لإثراء زعامات وكوادر هذه الأحزاب، وفتحت الأبواب للإدارات الحكومية المركزية وفي المحافظات لاعتبار الموازنة غنائم لها وما عليها غير إيجاد أغطية النهب من مقاولات ومشاريع وهمية ورواتب فضائية لما سمي بالرعاية الاجتماعية، وفي قطاعات القوات الأمنية من مختلف الأنواع والمسميات، وفي قطاع المشتريات لدوائر الدولة المختلفة بعقود من الخارج وهمية وملغومة بالكومشنات والهدايا المليونية.

ثم دخل على خط الانفاق المتهتك، إعطاء رواتب كلفت خزينة البلد مليارات الدولارات في منافذ النهب المنظم للمال المستباح، في رواتب ما سمي بالسجناء السياسيين والرواتب الجهادية ورواتب الأنصار ورواتب الرفحاويين، والتي ذهبت كلها إلى أعضاء في حزب الدعوة وفيلق بدر والمجلس الأعلى وحزب الله، وغيرها من التنظيمات والتشكيلات الإيرانية، ومن ثم دخل على الخط المليشيات والحشد.

إن ثروات العراق الطائلة قد ذهبت إلى إيران بصيغ مختلفة، كأموال نقد أو بتجارة من طرف واحد وإلى حسابات السياسيين وقادة المليشيات وأعضاء الأحزاب والطبقة الفاسدة المنتفعة التي تشكلت بعد الغزو وهؤلاء المنتفعين من غنيمة احتلال العراق واعتبار ثرواته غنائم حرب لا تتجاوز نسبتهم من ٣ إلى ٥ بالمئة من العراقيين أو أقل من ذلك، أما ٩٥ بالمئة من العراقيين أو أكثر فقد ظلوا يعيشون الكفاف والفقر المدقع ولم تنفعهم الزيادات الطفيفة والشكلية التي حصلت على الرواتب والتي كانت في جوهرها ذر للرماد في عيون الشعب الذي وعدوه برفاهية وتطور لم يشهد منه غير بضعة مولات وأسواق ومشاريع قامت بها أطراف منتفعة من سلطة الاحتلال وحكوماتها، ومن أبناء الدولة العميقة المعروفة في كربلاء والنجف وأذرعها المليشياوية.

إن هدر ثروات العراق مازال مستمراً لأن من سلطتهم جيوش الغزو قد هدروا سيادة العراق ومن يهدر سيادة الوطن لا تعنيه الثروات ولا مصالح البلاد والعباد، والعراق وشعبه يدخل في أنفاق مظلمة لا يعرف نهاياتها غير الله سبحانه، والحل الوحيد أمام الشعب هو الثورة التي تنهي العملية السياسية وأحزابها وميليشياتها، وتقيم دولة تعيد صياغة سياسة اقتصادية وتنموية مدروسة ومبنية على مدرسة اقتصادية علمية





الاربعاء ١٢ شــوال ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / حـزيران / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة