شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ أسابيع مرت علينا الذكرى الخامسة والأربعون للثالث عشر من نيسان دون أن يجد اللبنانيون ما يدفعهم طويلاً إلى التوقف أمام هذه المحطة المصيرية من تاريخهم، ربما لكثرة ما هو ملقى على عاتقهم اليوم من أثقال اجتماعية واقتصادية تنوء تحتها الجبال فكيف بشعب يسير على درب الجلجلة لما يقارب نصف القرن من الزمن فلم يضعف ولم يهن وإنما تقتضي التجارب المرة أن تزيده قساوة وقوة.

وإذا سلمنا بمقولة ابن حزم الأندلسي التي تقول :
إن كل مصيبة تصيبني في مدرسة الدهر ولا تقتلني هي قوة جديدة لي

فإن اللبنانيين مطالبون اليوم بالاستفادة بكل ما اختزنته إرادتهم من مكامن قوة على مدى العقود الخمس المنصرمة من السنين وكلها حفلت من التحديات والمخاطر ما يجعل من هذا الشعب، شعباً قادراً مقتدراً يحب الحياة وما تشكله من استمرار للوجود وتغلب على الفناء.

أما مفاهيم القوة التي وإن تختلف عن القدرة العسكرية التي سادت حرب السنتين لهذا الفريق أو ذاك، وقد مضى عليها الزمن،

فإنما تتمثل اليوم بالدروس والعبر التي صقلت مقدرة اللبنانيين وأهلتهم لتجاوز الثالث عشر من نيسان ١٩٧٥ ومفاعيله الطائفية والمذهبية لتجيير كل ما يمتلكون اليوم من إمكانيات في مواجهة الواقع السياسي الراهن وما يشكل من إفرازات وتداعيات قاتلة أرخت بثقلها على الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية لبلد كان يفتخر بأنه "سويسرا الشرق" في لبنان، وصار يخجل بنوه إلى أي بلد متعثر وبأي بلد من بلدان العالم الثالث يتمثلون، والسلاح الذي كان يقتل اللبنانيين فيما مضى، تطور إلى ما هو أخطر ليصل إلى لقمة العيش حيث صار يتساوى الجميع في الحصول عليها تحت ظلم واحد واحتكار لا مثيل له، تبدلت معه الاصطفافات والمحاور ليجد الشعب اليوم أنه برمته صار في خانة القلق على المصير أمام فاسدين لم يتعظوا من تجارب السنين ولم يدركوا بعد ما للقمة العيش من رمزية مادية ومعنوية من شأنها أن تطيح بعروش وكروش وهي التي لا دين لها ولا طائفة ولن يعود لأحد أن يتكلم باسمها بعد اليوم سوى المعَذَبين على هذه الأرض الطاهرة بعدما تجاوزوا في عذاباتهم كل طبقية تُباعد، أو مذهبية تُحرّض.

في السابع عشر من تشرين أول من العام ٢٠١٩، حسم اللبنانيون خياراتهم عندما أخرجوا أنفسهم من تصنيفات لم تستطع حرب السنتين القضاء عليها وإنما عززت من تجذرها داخل التربة الوطنية عندما قسمت اللبنانيين طوائف ومذاهب يقودهم أمراء وتنوب عنهم ميليشيات، وجاء اتفاق الطائف ١٩٨٩، ليجعل من الدولة اللبنانية بمؤسساتها ومقدراتها ومرافقها، "كعكة" شهية لذيذة في خدمة هذه الميليشيات توزع على كل منها بقدر ما تمتلك من قوة وارتباطات إقليمية ودولية وتسهم في تأجيج الخطاب السياسي الداخلي المتمذهب القائم على التخوين من الآخر حيث تدعو الحاجة، في معزوفة كاملة من الارتباطات الداخلية بين الأطراف تتيح لكل منهم التموضع ضمن "كانتونه" الخاص الذي جعل منه الحظيرة المثلى التي توفر سياج الديمومة "للقطيع" وتحقق مناعته تجاه "القطعان" الأخرى.

من هنا، فإن أي طرف من هؤلاء لن يتوانى عن استحضار كل مفاعيل الثالث عشر من نيسان وأسبابه، عندما يجد أن امتيازاته ومصالحه الطائفية قد بدأت تتهدد، وكلنا تابع بالأمس كيف قامت قيامة رموز إحدى الطوائف لدى استبدال أحد أبنائها بآخر من طائفة أخرى ولكن لنفس الديانة على إحدى وظائف الدرجة الأولى ولولا أن تلك الأطراف كلها محسوبة على مرجعية سياسية واحدة، لما ساورنا الشك قيد أنملة بأن ما جرى مدَّبر ومقصود كإحدى أدوات الاستحضار المذهبي المطلوب لضرب الناس بعضهم البعض ولا نستبعد أن تنسحب تلك الصور غداً على هامش كبير من الحياة السياسية الداخلية بهدف إشغال الثائرين عن كل ما حققوه بعد السابع عشر من تشرين سيما وأن السطو على ودائع اللبنانيين في المصارف وإفقار الناس وتجويعهم والإعلان شبه الرسمي عن إفلاس الدولة على أيدي لصوص الهيكل، كلها، أو أقل سبب فيها، يحتاج اليوم إلى حرب جديدة لتمريرها، وقودها لبنانيون وقوامهم، سبايا في زمن السبي تفترسهم سبايا، كما قال شاعرنا الكبير، محمود درويش، يوماً.





الاربعاء ٢٠ رمضــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / أيــار / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة