شبكة ذي قار
عـاجـل










مواصلة للغوص في أعماق خطاب الرّفيق المناضل عزة إبراهيم الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي والقائد الأعلى للجهاد والتحرير بمناسبة الذكرى ٧٣ لتأسيس الحزب، نتوقف عند فاصلة خطيرة وشديدة الأهمية اختار لها الرفيق القائد أن تكون مقدمة لخاتمة حديثه للأمة وجماهيرها قاطبة، فشدّد على أنّه :

( قد آن الأوان لإنهاء الخلاف والتقاطع بين الجزائر والمغرب وهما القٌطران الأساسيان في مغرب الوطن ولا يستغني مشرق الوطن عن دورهما في مسيرة الأمة نحو الاستقلال والتحرر والتقدم. )

إن هذه الفاصلة لوحدها لهي غٌرَّة من غرر المشروع النضالي العربي ولهي دٌرّة من الدرر الموقوفة على الأحرار المخلصين لقضاياهم ولأمتهم، دون سواهم.

لقد وضع الرفيق المناضل عزة إبراهيم بهذا التأكيد على ضرورة مسارعة العرب لنبذ الخلافات وسيما بين الجزائر والمغرب، إصبعه على أحد أشد جراح العرب إيلاما وأعصاها على التّطبيب لسنوات طويلة.

لقد ظلت قضية قطع العلاقات بين الجزائر والمغرب الأقصى باعتبار أنهما القطران الأكبران بين أقطار المغرب العربي، قضية شائكة ومعقدة بل ومهجورة أو مهملة على هوامش النسيان العربي، حيث لم يسجل سعي ولا عزم عربي مخلص يسير في اتجاه حلحلة تلك المسألة لغياب المسؤولية عند النخب العربية الرسمية من جهة ولانكباب كل فريق منها على همومه الضيقة وانشغاله بحساباته الخاصة، بل إنه يكاد يكون مخجلا القول إن أغلب الجهات عربية سعت للاستثمار في الأزمة الحادة بين الجزائر والمغرب الأقصى.

وحين يعود رأس حزب البعث العربي الاشتراكي وقائده وأمينه العام في الظروف الحالية التي تحيط بالحزب وبصيرورته وبآدائه النضالي المقاوم في مجمله، وفي الظروف التي تعصف بالأمة العربية جمعاء كوحدة افتراضية ( لأنها على الأقل لم يعلن عن تشكل كيانها رسميا ) أو بكل قٌطر منها على حدة، لضرورة رأب الصدع بين الجزائر والمغرب الأقصى الآن الآن وليس بعد قليل، فإن ذلك يحتم الوقوف مطولا للتدبر في حيثيات هذا التوجيه.

من البديهي أن حزب البعث العربي الاشتراكي حزب الوحدة ولا غرو، بل إنه قدم الوحدة عما سواها من مبادئ وشعارات وأهداف وسياسات وبرامج نضالية وغيرها، كما قدم البعث في سبيل تحقيق الوحدة العربية تنازلات كبرى يستحيل أن يقدمها حزب غيره ( تجربة الوحدة بين مصر وسورية في أواخر الخمسينات من القرن العشرين، وحل الحزب لنفسه من أجل ذلك وما رافقه ) كما قدم في سبيلها وعلى مذبحها عشرات آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، ولا يزال البعث متمسكا بها ولا يزال إيمانه بها وبضرورة تحققها ( لا بإمكانية ذلك فقط ) إيمانا مستعرا لا يخفت ولا يتضاءل .. وعليه فإنه من البديهي أن يتوجه البعث على لسان قائده بخطاب وحدوي شامل وأن يوجه في الوقت ذاته لتلافي ولتذليل كل الصعاب والعقبات الحائلة دون تحقق الوحدة العربية بما تضمنه من فتح آمال جديدة وخلق فرص حقيقية لتطور الواقع العربي حيث لا دافع ولا سبب لتخلفه إلا واقع التجزئة المفروض منذ عقود من قبل أعداء الأمة والمطبّق للأسف الشديد من قبل المنظومة الحاكمة العربية المتهرّبة من مسؤولياتها القومية والأخلاقية والقانونية والسياسية تجاه الأمة والجماهير العربية.

ولتبيان الحاجة الملحة بل المصيرية لاسترجاع علاقات ثنائية مغربية جزائرية طبيعية أخوية نزيهة قائمة على الاحترام والثقة والانفتاح وطي صفحة الخلافات الماضية القاتمة وفتح أخرى بديلة تعزز أواصر التعاون والتضامن والتكافل، ربط الرفيق المناضل عزة إبراهيم حديثه عن الأمر بالحَل الأمثل لإيقاف تدهور الأمة وتراجعها أمام الهجمة الدولية الشرسة التي تقودها إيران الصفوية وبغطاء ودعم أمريكي أوروبي.

وهنا تحديدا تسطع أهمية الوحدة العربية مجددا وتتبوّأ منزلتها الرئيسية ذاتها في فكر البعث وقائده وفي رؤاه وفي سياساته، فإن كان السعي العربي حقيقيا لتجنب المخططات الآثمة ولدرء الأخطار الداهمة ولتوقّي الخطوب المٌدلهِمَّة التي تهدد العرب، فإن لذلك طريق واحدة وهي التوحد بوجه الهجمة الدولية الشرسة على الأمة بتنفيذ إيراني فارسي شعوبي وبرعاية غربية أمريكية أوروبية.

ولما كان الأمر كذلك، فإنه من العبث بمكان التحدث عن وحدة ورص صفوف العرب بوجه العدوان الخارجي والمؤامرة الدولية الكبرى الضاربة لمصيرهم والعابثة بوجودهم وسوس الفرقة ينخر الأقطار قٌطْرَيْن قٌطْرَيْن أو أكثر.وعليه فلقد كان تناول الرفيق المناضل عزة إبراهيم لمسألة العلاقات العربية البينية ولطبيعتها واضحا ودقيقا وشاملا، فلقد ذكر واوصى ووصى بضرورة تحلي القادة العرب في هذا الظرف العصيب بالتعالي عن الصغائر وبالتخلي عن الضغائن ودفن الأحقاد وإلقائها في سل المهملات، ولقد بين أن ذلك لا يمكن أن يكون إلا بالمحافظة على جناحي الوطن العربي الكبير وهما منطقة الخليج العربي والمغرب العربي.

ومن الطبيعي جدا أنه لا فرص ولا أمل في بلوغ وكسب هذا التحدي المصيري دون أن تستقر العلاقات الثنائية بين دول الخليج من جهة، وبين الجزائر والمغرب الأقصى في أقصى المغرب العربي.

وباعتبار أن هذا الخطاب التاريخي للرفيق القائد عزة إبراهيم الأمين العام لحزب البعث والقائد الأعلى للجهاد والتحرير ليس إلا امتدادا لما سبقه من خطابات وبيانات ومواقف وقراءات وسياسات بعثية، فإنه ينسجم تماما مع ما سبق من خطابات سنوية في السنوات الماضية حيث لطالما نبّه الرفيق المناضل عزة إبراهيم دول الخليج وقطر تحديدا إلى وجوب التخلي عن نوازع الفرقة، وحثهم على الإقبال على كل ما من شأنه أن يزيد من اتساع الهوة والفجوة بينها بما لا يخدم إلا مصالح العداء المتربصين بالعرب وأبناء العروبة جميعا.

وكذلك، وباعتبار أن الوحدة العربية هي الكلمة السحرية والمبدأ الأغلى والأسمى في عقيدة البعث، تنزل في هذا الخطاب الجمع بين الحديث عن ضرورة رأب الصدع داخل منطقة الخليج بمثله في المنطقة المغاربية.

إنه لا يخفى على أحد الثقل الاستراتيجي الكبير للجزائر والمغرب الأقصى في المعادلات العربية كافة، فهما قطران حبتهما الطبيعة بثروات متنوعة وبامتداد استراتيجي حساس جدا وشديد الأهمية ناهيك عما يمثلانه من وزن ديموغرافي معتبر سيما داخل المنطقة المغاربية حيث يحويان مجتمعين ما يقارب الـ ٨٠ بالمائة من إجمالي سكان المغرب العربي الكبير بما يوفره ذلك من موارد وطاقات بشرية مبدعة وخلاقة من المؤكد أن يساهم إرجاع العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها وفتح الحدود بينهما في تفجير مواهبها بما يعود على المنطقة وعلى العرب ككل بالخير الوفير، هذا دون تناسي جيشي البلدين وما لهما من إمكانيات وكفاءات نوعية ومتطورة لا يعقل أن يتم حرمان الأمة من خدماتهما وأدوارهما وإبقائهما رهن الخلاف الطارئ والمتواصل لأمد فاق الحد الذي يمكن التسامح معه بكثير.

وفي الحقيقة، لا يمكن لما تقدم لوحده على أهميته أن يكون الدافع الوحيد لإفراد القائد عزة إبراهيم لإعادة العلاقات الجزائرية المغربية على وضعها الطبيعي المفترض، فللأمر خصوصيته متى تعلق بالجزائر والمغرب.

إن الرفيق المناضل عزة إبراهيم وعلاوة على انشغاله بالوضع العربي المترهل والمتفاقم، وعلى انشغاله باستمرار النزيف المغربي الجزائري، يعلم أكثر من غيره أن من بين أخطر اللاءات الاستعمارية الغربية التي حاصرت الأمة العربية هي :

( لا وحدة بين العراق وسورية ) و ( لا وحدة بين مصر والسودان ) ، و ( لا وحدة بين الجزائر والمغرب الأقصى ).

إن قيام أي وحدة من هذه الوحدات ستشكل ضربة قاصمة للمخطط الاستعماري الامبريالي، حيث أنها ستكون بداية توحيد الأمة العربية وإقامة كيانها القومي على الرقعة العربية ذات الامتداد الجغرا – استراتيجي الأخطر في العالم، وهي المسألة التي شددت عليها توصيات المؤتمرات الاستراتيجية في العالم الاستعماري القديم وخاصة وثيقة بنرمان والمقررات الصهيونية العالمية المعلومة فأوصت بضرورة استباقها وضربها ووأدها في كل زمن ومهما كانت النتائج والتضحيات.

وإن كلام الرفيق المناضل عزة إبراهيم عن استعادة العلاقات الطبيعية بين الجزائر والمغرب الأقصى لا يمكن أن يفهم خارج هذا السياق وبدون هذه الروحية.

ولسائل أن يسأل ههنا : لماذا لم يفض صاحب الخطاب في تناوله للأمر فيشرحه على حقيقته التي نزعم وندعي؟

فنضع إجابة بسيطة بين يديه ونقول :
إن للخطاب ظروفه الشائكة، ولصاحب الكلام ظروفه الأكثر تعقيدا، وهو ما لا يسمح البتة بالإفاضة في كل نقطة تناولها، ذلك أن الخطاب حوى رسائل وإشارات ووصايا كثيرة جدا على قدر كبير جدا من الأهمية، ولا تكفي مدة الخطاب لتبيان دقائقها واحدة بواحدة.

هذا، ولا ينبغي للواقف عند الدعوة للجزائر والمغرب الأقصى بضرورة فتح الحدود بينهما وإرجاع العلاقات لما ينبغي أن تكون عليه، أن يهمل أمرا مهما جدا في كلام الرفيق القائد عزة إبراهيم.

فمن المعلوم أن مشكلة الصحراء الغربية تشكل مخرزا مدميا مزروعا في خاصرة المغرب العربي برمته، ويقوض العلاقات الثنائية بين الجزائر والمغرب الأقصى.

وعليه، فإن توجيه القائد عزة إبراهيم بحلحلة الأمور بين البلدين وإن كانت تتنزل أولا وقبل كل شيء في الإطار العام لحديثه عن ضرورة توحد العرب ورص صفوفهم لمواجهة الدسائس والمخططات المعادية التي تعمل على مزيد تمزيقهم وتفتيتهم، ومطالبته بمغادرة القطيعة الجزائرية المغربية يحمل في طياته دعوة ملحة صادقة ومسؤولة للنظامين في الجزائر والمغرب الأقصى بضرورة اعتماد الحل الذي قدمه حزب البعث منذ تفجر أزمة الصحراء الغربية والذي يعد الحل الأفضل على الإطلاق لتلك الأزمة، وكذلك الكف عن انتظار الحلول الأممية التي لن تحمل حلا حقيقيا للبلدين مطلقا وغنما ستعمل بكل تاكيد على مزيد إذكاء الصراع وغدامته بما يعيق المسيرة التنموية للبلدين وبما يمنع وحدتهما محليا وبما يشكل مخرزا أشد إيذاء للمشروع القومي العربي الذي بات مسألة حياتية أكثر من أي وقت مضى.

هكذا، تتنزل العلاقات البينية العربية العربية في فكر البعث وفي قيادته، وهكذا التقطنا ما قدرناها بإحدى أغلى الدرر وأثمن الجواهر التي حواها الخطاب التاريخي للرفيق القائد عزة إبراهيم بمناسبة الذكرى ٧٣ لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي.





الثلاثاء ٥ رمضــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / نيســان / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة