شبكة ذي قار
عـاجـل










تمر اليوم الذكرى السابعة عشر لغزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية وحلفها الشرير .. ان هدف الغزو الأمريكي للعراق كان في ظاهره محاولة أمريكية لجلب الديموقراطية ومحاربة الارهاب في المنطقة "كما يدعون" ، وفي باطنه دمار البلاد تحت مسميات عدة ، ولم يكن هدفهم اصلاح العراق أبدا ، وهذا ما ترجمه واقع الحال الذي مر به العراق خلال السبعة عشر عام الماضية .. فالبلد مر بحالة من الفوضى وعدم الاتفاق سياسيا وطائفيا في أروقة الحكم ، ناهيك عن محطات العنف التي شهدها طيلة تلك السنوات من أحداث تخللتها حروب طائفية ومذهبية كبيرة دمرت البلد وسفكت دماء أبنائه الأبرياء ..

لقد جاءت القوات الأمريكية ل "تحرره" اقتصاديا وسياسيا وثقافيا ولتعيد بناء نظام الحكم فيه على أسس اجتماعية عادلة "كما كانت تدعي" وتقول على لسان مسؤوليها ، فبعد سبعة عشر عاما تحقق ما ضمرته الخطة الأمريكية للعراق من خلق الفوضى فيه لا لجلب الديمقراطية وحقوق الانسان لشعبه ، فكل الذي كانت تقوله قوات التحالف هو مجرد شعارات تخفي في طياتها حقيقة التخريب الكامل لمرفقات هذا البلد الآمن ..

فبعد سنين الاحتلال الطويلة ومحطاته العصيبة التي خاضها الشعب العراقي مع مختلف المحن ، ما تزال آثار هذا الاحتلال واضحة ، ولن ينساها العراقيون ، وستبقى مشهدا قاسيا أمام أنظارهم لسنين قادمة ، كما ستبقى دروسها للأجيال المستقبلية ، وستبقى أمريكا وقواتها المحتلة هي الدولة الغازية الكاذبة ، وهي من دمرت العراق وأحرقته ومزقت وحدة شعبه بكل ما تملك من ذخيرة عسكرية وخطط تقوم على تفريق الوحدة العراقية بمختلف الأساليب ، فما ان دخلت أمريكا وقواتها الغازية الى العراق الا وخربت كل المرافق الحيوية فيه ، ودمرت المؤسسات الحكومية ، وأحرقت الوثائق ، وسرقت البنوك والمتاحف التراثية في بغداد والمحافظات ، وسرقت كل نفيس وغالي فيها ، وفككت ودمرت الجيش العراقي ، ذلك الجيش الذي كان يوصف بأنه من أقوى الجيوش العربية .. خلاصة الكلام أنهم دمروا كل شيء ، وما هي الا سنوات قليلة على بدء الغزو بدت الفتن الطائفية والعرقية في بالظهور ، فحرب مع "السنة" ، وأخرى مع "الشيعة" ، وتلك مع "الأكراد" ، والكل مستهدف فيها ، والجميع يمثل دور الضحية ، والجلاد جاثم على صدور العراقيين يحرك الأطراف كيفما يريد في مشهد دموي وكارثي فقد فيه العراق خيرة علمائه وأبنائه .. فمحطات العراقيين مع الاحتلال متعددة ، وتتنوع فصول قصصها وأماكن أحداثها .. فالتاسع من نيسان يوم حزين وكئيب يمر على أغلب العراقيين بفعل تداعيات الاحتلال ، وتحول مجرياته وتطوره الكبير الذي ساهم في تخريب بلدهم ، وعلى مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية ..

اليوم نستذكر بألم وحزن عميق ذكرى احتلال عاصمة الرشيد "بغداد" ، هذه العاصمة العربية التي باحتلالها ساهمت وبجزء كبير في تحول شكل وسياسة الدول العربية والمنطقة بشكل كامل وعلى مختلف المستويات ، فباحتلال العاصمة بغداد لم يحتل العراق وحده فسحب ، ولكن لهذا الاحتلال تبعات كبيرة دفع ثمنها العالم العربي بشكل خاص والعالم بشكل عام ، ولكن يبقى الشعب العراقي هو أكبر الخاسرين في هذه الحرب التي شكلت مأساة قاسية ودامية فقد فيها العراقيون أحب ما يملكون من عوائلهم وأصدقائهم .. وعندما نقارن بين ما كان عليه الحال قبل الاحتلال وبعده سنرى فارقا كبيرا في الحال الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في بلد تتنوع فيه الطوائف والثقافات ، وعاش على مر الزمن ضمن منظومة عيش سلمي مشترك وبلد واحد هو "العراق" بعيدا عن كل المسميات والقوميات ..

لقد أصبحت ذكرى الاحتلال جزءا من التأريخ الحديث لبلاد الرافدين ، وتمر هذه الذكرى بآلامها ومآسيها ، بعد أن ساهمت وبجزء كبير في احداث شرخ كبير بين العراقيين ، وفي احداث نعرات طائفية وأخرى سياسية على مختلف أرجاء الدولة العراقية ، ويستذكر العراقيون والعرب في هذه الذكرى الأليمة القائد الفذ الشهيد البطل صدام حسين ونظامه الوطني الذي يصفه البعض ب "الدكتاتوري" ، ويتأسف ويبكي دما على أيام ذلك النظام الذي بغيابه أوقع البلاد في دوامة عنف لا يعرف أحد أين ستكون نهايتها ، ومن الجانب الآخر يحتفل الخونة والعملاء في انتهاء زمن ، وكما يسمونه "زمن الدكتاتورية" ، وبين الرأيين يتفق الجميع هنا أن الواقع الأمني ومنظومة التعايش السلمي كانت في ذلك النظام هي أفضل بكثير مما هو عليه الآن ..

فقد جاءت المقاومة العراقية ردا على جرائم المحتل الأمريكي ضد العراقيين بمختلف مناطقهم ، مقاومة كبدت المحتل خسائر بشرية ومادية هائلة ، وأفقدت التوازن المالي والعسكري للولايات المتحدة الأمريكية ، ليكون بعد كل هذه المحطات قرار تلك القوات بالانسحاب من العراق عسكريا في أواخر عام ٢٠١١ ، وليبقى بعد ذلك نفوذ الادارة الأمريكية وبكل ما تمليه سياساتها قائما على خيارات الساسة العراقيين الذين لم يفلحوا برسم عملية سياسية تجمع تلك الأطراف تحت سقف عراقي واحد .. وطيلة تلك الفترة التي تواجد فيها المحتل الأمريكي سجلت المقاومة العراقية البطلة بأحرف البسالة والشهامة والصمود صفحات تأريخية مشرقة شرفت العراقيين بمختلف مذاهبهم وأطيافهم ..

بكل تأكيد ستبقى طبيعة الحرب التي خاضها العراقيون مع المحتل الأمريكي حاضرة في أذهانهم ، وسيذكرها الأجيال جيل اثر جيل ، وسيتكرر استعادة ذكريات هذا الغزو بألم وحزن كبير ، وسيخلد التأريخ هذه المحطات بقصص مختلفة ، ولن تزول آثار هذه المحطات الا بنهوض العراق من ركام وحطام هذه المرحلة العصيبة ، والتي ما يزال العراقيون يعانون منها الى يومنا هذا ، ولن يكون هذا الا باصرار وتكاتف جميع أبناء العراق والوقوف صفا واحدا بوجه هذه المؤامرة الخطيرة .. فبعد محطات من الصراع الطويل والمقاومة المتواصلة للمحتل الأمريكي ، والتي خاضها العراقيون لفترة طويلة من الزمن مر العراق بتجربة ومراحل جديدة ، وهي تشكيل "حكومة عراقية" وصياغة "دستور" جديد للبلاد ، بهذه المرحلتين وخلال تنظيم أعمالها من قبل العملاء والخونة حدثت أحداث بتطورات كانت متوقعة للكثير من العراقيين ، فكانت ولادة الفتنة الطائفية أثناء وخلال العمل على اعدادهما ، وتقف الكلمات عاجزة للتعبير عن حجم المأساة التي تعرض لها الشعب العراقي في "عراقهم الجديد" ، عراق حدد شكله السياسي أشخاص لم يكونوا خبراء في السياسة التي تؤهلهم لقيادة العراق .. ف "سياسيو الصدفة" الذين أمسكوا بالسلطة والحكم فيه طوال السنوات التي تلت الغزو أوصلوا الشعب العراقي بمواقفهم الى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار ، فبدل أن يوحدوا الشعب فرقوه ، وبدل أن يكونوا عونا له كانوا غير مبالين به ولا بأموره ، فأهدرت الأموال ، وأريقت الدماء وانتهكت الأعراض ، ونهبت الثروات ..

ان من يمثل الشعب في أروقة الحكم اليوم هم مجرد دمى متحركة بخيوط يمسك أطرافها صناع القرار الأمريكي - الصهيوني - الفارسي .. فنرى العراق بعد سبعة عشر عاما مضت مقسما على أسس طائفية وعرقية مقيتة ، نشرت فيه روح التعصب للقومية والطائفة والمذهب ، والتي لم تكن موجودة قبل ذلك الغزو ، كما حدثت بعده ، فأصبح كل شيء في البلد يسير على تلك الأسس ، والتي ان بقيت فيه لن تقوم للعراق قائمة .. فقد قام المحتل الغازي على نشر ثقافة المكونات وفق الأماكن وساكنيها من "الشيعة" و"السنة" و"الأكرد" و"التركمان" .. الخ ، ووفق ما رسمه في هذا الشأن كانت السياسة والفتن الطائفية قد نمت في تلك الأماكن أيضا ..

فعندما نريد أن نضع النقاط على الحروف ، وعندما نريد أن نعرف الأسباب التي هي وراء كل حرب طائفية وأهلية حدثت سنجد أن السبب الرئيسي هو الولايات المتحدة الأمريكية ، اذ هي التي خططت لكل شيء يفكك أواصر المجتمع العراقي الكبير ، ونجد أيضا أن التغلغل الايراني في العراق هو أكثر المدمرين لهذا التعايش السلمي ، وأبرز واقدي نار الفتنة ، والساعين وراء كل حرب حدثت ، اضافة الى أن بعض المتشددين والمتعصبين في الدين اعتلوا مناصب سياسية وحكومية كبيرة ، مما أدى الى انتشار التعصب والفتن ، فعندما يكون الدين لعبة في يد الساسة والمتشددين ، ويسفك الدم العراقي على فتوى من هنا أو من هناك واقع مرير ومزري مر به الشعب العراقي خلال سنوات الاحتلال ، وساهم في هذا الواقع المرير الاحتلال الأمريكي - الفارسي في حرب ممنهجة تستهدف الانسان العراقي وعقله وطاقاته ..

ان من أعظم النتائج المأساوية التي تعرض لها الشعب العراقي بعد الاحتلال هو انتشار كبير للكثير من العقائد والطوائف التي ساهمت وبشكل كبير في تخريب أواصر المجتمع العراقي ، هذه العقائد والملل الكثيرة والتي بدورها ساهمت وبشكل كبير في الفرز الطائفي ، وبصورة بشعة ومروعة .. ففي بعض العقائد والملل يتخذ قانون رئيسي للعمل وهو "ان لم تكن معي فأنت ضدي" ، فهذا الواقع المرير الذي ساهم الاحتلال بطريقة أو بأخرى في نشره في ثقافات المجتمع العراقي ، والتي كانت نتائجه وخيمة وكبيرة وعلى مختلف المستويات في شعب كان يعيش لآلاف السنين في منظومة العيش المشترك بين طوائفه وقومياته المختلفة ..

ان من دمر العراق هو من دمر بلدان آمنة أخرى ، وهو ذاته من يدعم السلام ويحث على الديمقراطية بطريقة مخالفة ومغايرة للواقع ، فهو يقتل هنا ويخرب هناك بأسماء ومبررات شتى ، ويجد من أبناء جلدتنا من يدعمه ويقف الى جانبه بغايات وأهداف شتى.





الخميس ١٦ شعبــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / نيســان / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أم صدام العبيدي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة