شبكة ذي قار
عـاجـل











تطل علينا هذه الأيام الذكرى ٧٣ لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، في ظل استمرار الوضع المفصلي الخطير والسياق الزمني الدقيق اللذين يجثمان بثقلهما على صدر العرب من أقصى الماء إلى الماء.وتستقبل فيه الأمة العربية بأحرارها وماجداتها تاريخ انبلاج وليدها البار المعطاء الذي نضح مبكرا جدا بعزم هائل وصدق كبير وإخلاص استثنائي واستعداد خرافي للتضحية في سبيلها حيث شمر على سواعد الجد والكد وامتشق رجالاته أقلامهم وبنادقهم بعدما أذابوا مهجة فكرهم وعصارة أرواحهم وخلاصة تجربتهم لنحت معالم تخليص أمتهم من براثن الاعتداءات الغادرة والمخططات التصفوية التي خصها بها أعداؤها المتوحشون والمختلفون كل حسب مشربه وغاياته وأهدافه وأطماعه، وانتشروا يحرثون أفاق الوطن العربي الكبير مبشرين بالدرب المضني والطريق الأمثل الذي يتحتم على العرب المضي فيه ليقوضوا واقعهم المزري ويغيروا أحوالهم المتردية ويقطعوا الطريق على قراصنة البحار وقطاع الطرق وأعداء الإنسانية والحياة ومبغضي العروبة وكارهي العرب والحاقدين عليهم والمترعين عنصرية وسادية وهمجية وظلما وظلامية.

فتاريخ السابع من نيسان - أفريل ومنذ عام ١٩٤٧، غدا تاريخا فارقا ومحوريا في حياة أمة العرب في عصرها الحديث، ذلك أنه زف معه ولادة حزب الأمة الريادي بفكره وطرحه ونهجه الثوري الأصيل وبرجالاته المناضلين المقاومين الرافضين لجميع أشكال الاستعباد والوصاية والهيمنة الاستعمارية والمتصدين بعزم الشجعان لكل المكائد والدسائس الهادفة لسلب العرب حقوقهم الشرعية في بناء كيانهم القومي بما ينسجم وتطلعاتهم وفق إرادتهم الواعية الحرة ووفق خصوصياتهم التاريخية والحضارية والروحية والقيمية والسلوكية ومراعاة لما لعبوه أيضا من أدوار مهمة في حقبات التاريخ البشري المتعاقبة التي لا يمكن أن ينكرها إلا جاهل أو حاقد أو دساس أو متآمر أو عدو صريح.

ورغم محاولات التلبيس والتشويه التي لازمت البعث منذ انبعاثه، فإن وجاهة المشروع البعثي وجديته وملاءمته وانسجامه مع استحقاقات الأمة تشخيصا وتحليلا وحلولا واستشرفا، ثبتت السابع من نيسان - أفريل من كل عام شامة وعلامة وراية، تحظى بواسع الاهتمام، وتسيل حبرا متدفقا قلما يخص به غيره.

لقد منحت مرونة البعث ودقة تشخيصه وتشريحه لا للواقع القومي العربي فحسب إذ أن ذلك من البديهيات، بل وللواقع الإقليمي والدولي برمته، للبعث قدرا مهما جدا من المصداقية لدى الجماهير والمتابعين أيضا، كما مكنته من القفز فوق جميع السهام الغادرة التي صوبت نحوه من القاصي والداني.

ولما ظلت مشاكل الأمة متراكمة، ولما ظلت كذلك مسبباتها ومغذيات التراجع المتلاحق للفعل والواقع العربيين هي ذاتها التي أشر لها وأطنب البعث في التأكيد عليها بمنتهى الوضوح، كان لزاما على الجميع أن تستوقفهم ذكرى تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي ولا ريب.

إن استذكار تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي ليس وليد ترف فكري أو غير ذلك، بل إنه من الضرورة بمكان الوقوف طويلا عند ذلك الحدث الفارق في تاريخ العرب المعاش ولا شك، فإحياء الذكرى ٧٣ لتأسيس البعث مناسبة ليتوقف العربي طويلا على طرح البعث بدقة وبإنصاف وبموضوعية، ومن ثم يقارن بين ما جاء به ذلك الطرح وما اتسم به وما حمله في ثناياه من فرص حقيقية قوية وكفيلة بتحقيق التغيير العربي المنشود ورسم معالم النهضة العربية بما تفتحه من آفاق رحبة للمواطن العربي ليعبر عن ذاته ووجوده ويفجر طاقاته الزاخرة والتي وإن تراءى سواء للبعض القليل أو الكثير أنها في حكم العدم، فإنما لا يعدو ذلك عن كونه نتيجة حتمية لكل الآفات التي حلت ببلاد العرب والأزمات التي فرضت على أمتها من طرف أعدائها.

هي فرصة عزيزة وغالية لأبناء العرب وشبابهم ليتوقفوا عند الأهداف الحقيقية والدوافع التي أدت إلى إيجاد هذا الإطار الواسع الجامعة ولتشييد تلك المدرسة المناطة بعهدتها مهمة تأهيل المواطن العربي وإعداده إعدادا صارما دقيقا وشاملا نفسيا وتربويا وثقافيا واجتماعيا وعلميا وعسكريا، فيضطلع من بعد بدور البناء والتعمير والتعصير والدفاع عن الحقوق العربية والذود عن مصالح الأمة وعن كينونتها وحياضها ومستقبلها.

وهي فرصة ليتعرف فيها العربي اليوم على إحدى أبرز القلاع العربية وأصلبها وأمتنها بناء وأعمقها نظرا ودراية بمستلزمات الثورة العربية الشاملة ومحركها المحوري الانقلابي والقطع الجذري مع أسباب الوهن والتخلف والانحطاط والهوان والتقهقر والتيه والفساد والعجز المطبق.

وهي محطة، سيعثر فيها العربي الباحث المدقق والساعي لتخطي المتاهة العربية الكبرى والتراجع الحضاري المفزع لأمة الحضارات والتاريخ، على ما قد يعز عليه ملامسته في غيرها من المحطات.
ففي هذا الموعد التاريخي الأغر، سيجد العربي طرحا قائما على أهداف كبرى هي ليست أهدافه الضيقة بالتأكيد ولا أهداف مؤسسيه أو أبنائه، بقدر ما هي أهداف الوطن وأهله ..

ففيه - أي في هذا الموعد - سيلامس الشاب العربي السعي الدؤوب والنضال الحثيث والجهاد المتواصل والمقاومة المفتوحة من أجل استرداد كرامة الوطن العربي وفي سبيل إعلاء الراية العربية خفاقة بين الرايات شامخة عزيزة مهابة محترمة، وفيه سيلامس حتما التصميم الكبير على تذليل جميع الصعاب الحائلة دون تلك الغايات القومية الأصيلة وفي مقدمتها رأسا استرجاع الأرض العربية المسلوبة وبسط سيطرة العرب على ثرواتهم ومقدراتهم وتأهيل المواطن العربي تأهيلا متلائما مع إمكانياته الهائلة واستجابة لحركة التطور البشرية ككل.

في هذا التاريخ الأغر ولا شك، سيندهش العربي بحجم الآمال العريضة التي صمم العقل البعثي الوليد يومئذ على تحقيقها واعتبرها تحديا وجوديا ملازما لمساره وفعله ووظائفه ومهامه.ولا غرو في القول إن تلك الآمال ليست ما تعارف عليه الناس من قبيل الأماني ولكنها هي واقعا حزمة الأهداف العزيزة المتوجب بلوغها رغم ما يحيط بدروب تحقيقها من صعوبات ومشاق مضنية ورغم ما تتطلبه من مسابقة الزمن وتخطي غوائله ونوائبه معا.

تلك الآمال لا تزيد في جوهرها عن تحرير الأرض العربية من بطش الاحتلال بجميع أشكاله سواء كان مباشرا أو غير مباشرا، وبصرف النظر عن الجهة الفاعلة، وكذلك تحرير الإنسان والعقل العربي من جميع المفاسد والشوائب والأدران التي نغصت عليه حياته.

لا غرابة في أن تحرير الأرض والإنسان صنوان لا يفترقان، ولا يتحقق أحدهما في غياب الآخر، فلا معنى لأرض محررة يعمرها أناس مستعبدون أكان استعبادهم قائما من طرف اشخاص أو جهات أو تنظيمات أو حاصلا بفعل سيطرة الشعوذة والفتن المركبة سواء كانت طائفية أو مذهبية أو إثنية أو عرقية، وبالقدر ذاته لا غاية من مجموعة من البشر محررة في الظاهرة تمتلك مقومات الاختيار والرفاهة ولكنها تتحرك فوق أرض لا يحكمون حدودها ولا يضبطون مجالاتها ولا يتنفعون بمنتوجاتها.

إن هذين الهدفين شديدا التعقيد في واقعنا العربي منذ أمد بعيد، ومن نافلة الأمر أنهما كان كذلك لحظة انبلاج صبح حزب البعث العربي الاشتراكي، ولا يزالان على حالهما تلك لغاية يومنا.

وإن ما ميز البعث عن غيره من الحركات والأحزاب السياسية في الوطن العربي أنه فك معادلة التوفيق بين ذينك الغايتين السامين ووضع لها إجابة علمية وعملية منهجية شديدة الوضوح، فكانت انطلاقته الريادية مدفوعة بالإجابة عن أسئلة الأمة المصيرية الكبرى، وذلك بأن حدد هوية هذه الأمة وطبيعتها وتاريخها وفصل تفصيلا متناهي الدقة لمقوماتها وركائزها وخصائصها التاريخية والحضارية والروحية والقيمية والفكرية وسيما منظومتها الاخلاقية الفريدة التي غاص في أعماقها البعث طويلا وتوقف عندها كثيرا واحتفى بها احتفاء جليلا للحد الذي ربط بينها وبين إحدى أهم سماته ومميزاته فيما بعد بأن اعتبر الأخلاق سمة من أهم سماته الثورية الانقلابية.

وفي هذا السياق، سيتحسس الواقف على مسيرة البعث في ذكرى تأسيسه الغراء، خصلة بعثية سامية ورقراقة تعتبر من أشد ما ميز البعث عما سواه، وهي بكل تأكيد الصرامة في الارتباط الوثيق بين رؤى الحزب وقراءاته ونظرته للحياة من مجمل جوانبها ومن ثم سياساته ومواقفه وعلاقاته محليا وإقليميا ودوليا، وبين خصائص العرب تلك.

ولقد نتج عن كل ذلك أن كان البعث متصالحا مع واقع أمته تصالحا تاما، ما مكنه من وضع أفضل الخطوط والأهداف النضالية والثوابت السياسية المتلائمة مع ذلك الواقع ومع تلك الطبيعة العربية.

تفرد إذن البعث بهذه الخصال عن بقية المجتمع السياسيةالعربي بشقوقه وتلويناته وتفريعاته المتلونة.فكان متناقضا تناقضا جوهريا مع الحركات الرجعية الظلامية التي اختارت الوقوف دوما بالضد من المصلحة القومية العربية العليا، وآثرت الاصطفاف مع الاحتلال وعملائه وطغمة الحكام الفاسدين المستبدين، وعادت كل حركة تقدمية ثورية تحاول نفض غبار النسيان عن الأمة وتنقية واقعها مما علق به من هنات وأدران وشوائب، وخصت تلك الحركات الرجعية البعث بالتكفير ورميه بالإلحاد.كما كان على القدر ذاته من التناقض مع الحركات التي تتدثر برداء التقدمية والحداثية ولكنها لا تختلف في طبيعة عملها وفعلها عن تلك الحركات الرجعية إلا من حيث الخطاب والمصطلحات السياسية المستخدمة، لأنها هي الأخرى كانت مرتبطة ارتباطا بعيدا بأفكار وافدة ومسقطة من خارج الحدود، فكان خطؤها القاتل إنكار الخصوصية العربية والاستخفاف بها بل وتشويهها، وعوض أن تعمل على تطويع تلك الأفكار بما يتوافق والبيئة العربية فإنها ركبت موجة التعالي عنها وأشاعت ثقافة يستهجنها الوجدان العربي وظلت تغلب مصالح الآخرين على مصلحة العرب فكان أكبر جرمها أن انكرت حقوق الأمة في الوحدة والتحرر، بل وشقت صف النضال العربي بأن نظرت بسخرية واستنقاص للفكرة القومية العربية، واعتبرتها رجعية وبرجوازية صغيرة في تقليد سمج وترديد سخيف لرؤى وأطروحات قد تكون صالحة لواقعها المختلف تماما عن واقع أمتنا العربية.

ولدت جميلة هذه التنقاضات بين البعث والأحزاب والحركات السياسية العربية الدينية وغير الدينية حملة هوجاء من العداء الشرس للبعث، وتماهى التشويه البيني الداخلي مع العداء الخارجي فغدت العلاقة بين العدائين تكاملية وعضوية يغذي أحدهما الآخر، وهو الأمر الذي فرض على البعث واقعا من الصراع شديد التعقيد وحدت من حيز حركته، لكنه عجز عن تطويق فعل هذا المارد العملاق الناشئ، لأنه وببساطة انحاز انحيازا لا مهادنة فيه ولا تراخي أو تساهل لجماهير أمته ولحقوقها الثابتة ولتطلعاتها المشروعة في رسم معالم دروبها الحياتية وانتزاع مكانتها الطبيعية بين سائر شعوب الأرض وأممها.

لقد أعجز البعث أعداءه ومناوئيه المخاوزين وتخطى بنجاح كبير أكاذيب المداهنين والأفاقين بفضل مبدئيته وثباته على القيم التي ارتضاها لنفسه واختارها طوعيا رغم علمه يقينا باستتباعاتها وخطورتها، وتجاوز المؤامرات والمكائد لصبره الذي لا ينفد ذلك أنه لم يكن في عقيدته مبنيا على أحكام الربح والخسارات السياسية، بل على العكس تماما كان يعتبر ذاته وسيلة لا غاية، بمعنى أنه لم يقدم يوما ما في أي قرار ما أو في مرحلة ما مهما بلغت فظاعتها مصلحته على مصلحة الأمة، بل إن التاريخ زاخر بالتنازلات المرة والمجحفة التي قدمها البعث كلما اقتضت اللحظة ذلك، بل أنه تناول وتواضع كثيرا في حين لم يتنازل غيره، وكانت المصلحة القومية العربية الاستراتيجية العليا هي ديدنه دوما، وظلت غايته أبدا، فلم يحد عنها ولم يدخر جهدا في سبيل تحقيق ولو مكسب وحيد مهما بدا لغير البعث ضئيلا، وأما عن التضحية والفداء فيكفي للباحث أن يستدل بقوافل شهداء البعث المليونية التي روت أرض العرب من الماء إلى الماء لتغنيه عن مغبة الغناء من أجل التأكد من هذه الحقيقة.
إن مبدئية البعث لم تفارقه منذ ولادته وإلى اليوم ولم يفتر عزمه ولم يتراجع نضاله ولم ينضب عطاؤه ولم تفل في سواعد رجاله غوائل الزمن وغدر الحاقدين وتآمر المعادين، كما أنها لم تتأثر قط بمواقع الحزب في الحقل السياسي، بمعنى أن شعلة النضال البعثي ظلت وقادة متأججة متصاعدة سواء كان الحزب في الحكم أو خارجه، أو سواء كان نشاطه ونضاله سريين أم لا.

فلقد قاد الحزب زمن السريعة حركة النضال القومي العربي، وكان محافظا على رياديته ونهجه المقاوم، فكانت أول مهامه تحريض العرب على الدفاع على فلسطين ضد الاغتصاب الصهيوني الغاشم، بل كان مؤسسو البعث وعلى رأسهم الرفيق القائد المؤسس ميشيل عفلق أول المنخرطين في حمل السلاح ومقارعة الصهاينة، ثم كانت فلسطين قضيته المركزية وخصها بجميع أوجه الدعم وجعل منها طريق الوحدة وأرشد طريق الوحدة وسالكيه إليها، كما دعا العرب كل في قطره إلى تأجيج المقاومة ضد أي احتلال وأي تهديد وأطماع خارجية معادية، فكان بذلك رافضا قويا الغزاة أينما حلوا وكيفما كانوا، وكان بالقدر ذاته ساعيا لتحقيق وحدة العرب التي لم تتحقق نتيجة تلك الأعمال التخريبية الاحتلالية التي تعرصت لها الأمة سيما في عصرها الحديث.

ولم يتخل البعث عن عقائديته وثوابته ومبدئيته ومقاومته أثناء فترة التمكين سيما لما تسلم السلطة وقاد الحكم في العراق، بل ظل ممتشقا لبندقية التحرير من جهة، ومفجرا لثورة التعمير والتشييد والعلم من جهة ثانية.

فلقد خاض نظام البعث حروبا شرسة ضد الجهل والفتن الطائفية وكل أشكال التوظيف الرديء للدين، وخاض حربا ضروسا على الأمية، وشيد وارتقى بالبنية التحتية في قطر العراق، وطور المنظمة الخدمية سيما الصحية، وارسى المصانع المتطورة والمعامل العصرية، وبنى جيشا عسكريا عقائديا تحركه المصلحة القومية العربية الاستراتيجية العليا دوما، وبنى جيشا جرارا من العلماء، وساهم في شد إزر مختلف الأفكار العربية على كل الاصهدة اقتصاديا وعلميا وعسكريا، وفتح أبواب العراق مشرعة أمام الطلبة والعمال العرب بجميع حقوق المواطن العراقي وواجباته، كما رفع حرب التأميم وكسبها في إحدى أكبر الضربات القاصمة للأطماع والشركات الإمبريالية الاحتكارية، هذا وجعل البعث من نفط العراق نفطا لكل العرب رافعا شعار ( نفط العرب للعرب ) ، كما صاغ ومنح الحكم الذاتي للأكراد ليقيم الحجة على مناوئيه ويسفه أكاذيبهم بشأن تعصب الفكرة القومية العربية التي يناضل في سبيلها.

وأمام هذه الخصال والمميزات الفريدة التي اختص بها البعث، كان أن ثارت ثائرة أعداء الأمة فكادت له وعجلت بمحاصرة هذا العملاق العربي، فشنت عليه سلسلة هجمات غادرة واعتداءات سافرة انطلقت بالعدوان الخميني الإرهابي الطائفي العنصري الشعوبي مطلع ثمانينات القرن العشرين، وتواصلت لحدود عام ٢٠٠٣ عندما شنت أمريكا وحلفاؤها حربها الأقذر في تاريخ البشرية على عراق البعث بعد حرب الخليج الثانية والعدوان الأربعيني سيئ الصين والسمعة بعدما ضربت على العراق حصارا مطبقا حرم فيه العراقي من أبسط متطلبات العيش اللائق في حدوده الدنيا.

وإنه لمن البداهة بمكان القول إن احتلال العراق عام ٢٠٠٣ وما سبقته وما تلته من جرائم سادية موغلة في الوحشية ومركبة - وهي أكثر من أن تحصى وأن تعد - إنما كانت كلها بدافع وأد تجربة البعث والتوقي من تعميمها في الجغرافيا العربية، وذلك خشية أن تعانق الأمة العربية مجدها من جديد، فتتوحد وتتحرر وتنعتق اجتماعياً وتكسر قيود الاستغلال والاستعباد فتنطلق مبدعة فاعلة مشعة، ولعل في قانون اجتثاث البعث وما شرعه وسوغه من جرائم مخزية بلا نظير في تاريخ البشرية كله، لا في حق البعث والبعثيين فقط وإن كانوا قد قدموا أكبر ضرائب ثباتهم حيث دفعوا عشرات آلاف الشهداء على رأسهم قائد الحزب وأمينه العام الرفيق صدام حسين وعدد كبير من رفاقه القادة، ناهيك عن مئات آلاف المعتقلين وملايين اليتامى والمهجرين والمنفيين والمطاردين والمحرومين من أبسط حقوقهم، وإنما في حق العرب جميعا، أكبر دليل وأصدق تعبير على ذلك.

إلا أن كل ذلك، لم يحل دون تماسك البعث وصموده صمودا أسطوريا دوخ كبار جنرات الحرب الأمريكيين واعوانهم، وأعيي المتابعين، حيث فجر البعث أكبر وأسرع وأوسع مقاومة في التاريخ كله، كبدت الغزاة وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية خسائر هائلة بشريا وعسكريا واقتصاديا علاوة على كشف حقيقة الأمريكان المخزية وهو صورتها في أرجاء المعمورة.

ولا تزال مقاومة البعث متواصلة اليوم بأشكال وتعابير متجددة مبتكرة، تلاحق ما تبقى من مشروع العزو الهمجي الآثم وتسدد الضربات القاصمة للاحتلال الإيراني الفارسي الغاشم وتقوض مخططاته وتكشف ألاعيبه للعراقيين والعرب والعالم أجمع.

كما يسجل التاريخ لفروع البعث في بقية الساحات العربية بلاء حسنا حيث يقود فرع الحزب في السوداني ثورة الجماهير السودانية التي وضعت ثقتها في قيادة البعث وائتمنتها على مصير الثورة لما لامسته من صدقية رجالات البعث ومبدئيتهم، ويقود فرع الحزب في لبنان نهج التغيير الجماهيري السلمي الثائر على الطائفية والولاء للأجنبي تحت أي ذريعة، ونجح البعث في الجزائر في لفت الأنظار إليه في الحراك الذي عرفته البلاد وخاصة من خلال ترشح قائده الرفيق أحمد الشوتري للانتخابات الرئاسية رغم دقة المرحلة من جهة، ورغم ما تعرض له البعث هناك من مظالم ومن حرمان من العمل ونظرا السيطرة فئة فرنكفونية متفسخة حاقدة على العروبة ومناهضة لكل تمشي من شأنه مزيد تعزيز عروبة الجزائر، وبالقدر ذاته تبلي فروع الحزب في تونس واليمن وموريتانيا والأردن والبحرين وفلسطين وغيرها بلاء جيدا حسب خصوصية تلك الساحات.

فتحية للبعث العملاق المجاهد في ذكرى تأسيسه المجيدة.
تحية الوفاء للرفيق القائد المؤسس ميشيل عفلق.
تحية العز والفخار للرفيق القائد شيخ المجاهدين عزة إبراهيم الأمين العام لحزب البعث العربي وهو يحدو ركب المجاهدين ويضع الخطط الاستراتيجية والتكتيكية للتعجيل بتحرير العراق.
المجد والخلود لشهداء الأمة والبعث يتقدمهم الرفيق القائد شهيد الحج الأكبر صدام حسين وكوكبة رفاقه.
الحرية لأسرانا البواسل الرابضين في زنازين ومعتقلات الاحتلال.
عاشت تونس.
الحرية للعراق.
عاشت فلسطين حرة عربية من النهر إلى البحر
عاشت الأمة العربية المجيدة.
الله أكبر.
وليخسأ الخاسئون.


تونس في ٣١ - ٠٣ - ٢٠٢٠





الخميس ١٦ شعبــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / نيســان / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة