شبكة ذي قار
عـاجـل











فكر البعث حي ومتجدد
اتسم الفكر السياسي لحزب البعث العربي الاشتراكي بالديناميكية والقدرة على التطور وفق التحولات التاريخية، لضمان التعبير عن الحاجات الإنسانية المُتجددة للشعب العربي، من خلال نخبة تؤمن بالوحدة والحرية والاشتراكية وتعمل على ترجمة الأهداف الكبرى على أرض الواقع.ولما كان فكر حزب البعث يعبِّر عن حاجات الأمة العربية في التحرر والاستقلال والتقدم من جهة، وتطلعاتها لبناء المجتمع العربي الاشتراكي الديمقراطي الموحد، في إطار المشروع القومي لدولة الأمة فقد شكل قوة دافعة للعمل العربي المشترك و للانتقال من المجتمعات التقليدية الى الحديثة والتكيُف مع التكنولوجيا الحديثة والعلوم وازدهار الاداب والفنون والفسلفة والنظريات الاقتصادية والسياسية المعاصرة وبما ينسجم مع ضمان العدالة وحقوق الانسان.

لقد نشأ حزب البعث بين الجماهير والطبقات الشعبية، كفكر قومي وحدوي ديمقراطي حيث استقطبت الفكرة القومية من اجل الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي والبريطاني والإيطالي الذي قسم البلدان العربية الى مناطق للنفوذ للعسكري والاقتصادي بعد انهيار وتفكك الدولة العثمانية طبقا لاتفاقية سايكس بيكو الاستعمارية نخبة من الشباب المؤمنين بالقومية العربية والوحدة والحرية للايمان بهذه المبادئ والانخراط في النضال القومي التحرري.ولكي تأخذ طريقها إلى التنفيذ، أعلنت الطليعة العربية عن تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في ٧ نيسان عام ١٩٤٧م، والذي شكل ولادة النظرية القومية العربية لبناء دولة

الوحدة العربية التي تحققت عام ١٩٥٨م بين سوريا ومصر لتشكل انتصاراً كبيراً للمبادئ القومية التحررية الإنسانية، ولعبت القيادة القومية للحزب دوراً متميزاً في الإعلان عن ولادة الجمهورية العربية المتحدة.

ولم يكن تحقيق الوحدة السورية المصرية حدثاً تقليدياً في التاريخ العربي المعاصر، بل شكل انتصاراً كبيرا في المواجهة الكبرى مع الدول الاستعمارية بعد الانتصار على العدوان الثلاثي، البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر عام ١٩٥٦م، أثر تأميم عمليات قناة السويس.حيث استطاع حزب البعث العربي الاشتراكي قيادة الجماهير العربية للتضامن مع الكفاح العربي المشترك ، وللمطالبة بطرد القواعد العسكرية ورفض الاحلاف ومنها حلف بغداد وتحرير النفط من هيمنة الكارتلات العالمية النفطية وتطوير الزراعة من خلال قوانين تقدمية للإصلاح الزراعي وتصفية الاقطاع والعمل على تبني استراتيجية صناعية لتحرير الاقتصاديات العربية من التبعية للمصالح والاستثمارات الاستعمارية.

ولقد حقق حزب البعث العربي الاشتراكي إنجازات كبرى في المواجهة مع القوى الاستعمارية الاوربية برفض الاحلاف العسكرية والتبعية الاقتصادية والسياسية والدعم الواسع للثورة الجزائرية في مواجهة الاحتلال الفرنسي، إضافة لمساهمته في الموقف العربي الموحد الذي رفض التعامل مع النتائج الكارثية لقرار تقسيم فلسطين، بمساندة من موسكو وواشنطن وتشريد الملايين من ابنائها ، كما نجح حزب البعث في توحيد العمل الوطني في العراق وعبر التحالف السياسي لجبهة الاتحاد الوطني التي تأسست عام ١٩٥٧م كائتلاف من حزب البعث العربي الاشتراكي والاحزاب الاخرى.ودعم البعث الجمهورية العربية المتحدة والعديد من الحركات القومية العربية وساند حركات التحرر الوطني والديمقراطي في آسيا وإفريقيا ومختلف أنحاء العالم في الكفاح ضد الاستعمار والمطالبة باستقلال وحرية الشعوب والأمم.

واستطاعت جبهة الاتحاد الوطني ومن خلال التنسيق مع مجموعة الضباط الاحرار القيام بثورة ١٤ تموز ١٩٥٨م، والتحول نحو النظام الجمهوري والدعوة لوحدة العراق مع مصر وسوريا، لكن تطور الاحداث واحتكار عبد الكريم قاسم للسلطة واندلاع الصراعات بين الأحزاب السياسية وعدم الانتقال نحو دستور دائم لضمان الحياة الديمقراطية تحت سلطة مدنية، دفع حزب البعث العربي الاشتراكي للتحالف مع القوى الوطنية والقومية التقدمية، لتقويض السلطة الدكتاتورية في العراق في ثورة ٨ شباط ١٩٦٣م التي اعادت العراق الى حاضنته العربية ، كما نجح البعث في اسقاط النظام الرجعي الانفصالي في سوريا في ٨ آذار ١٩٦٣، وفتح حوار واسع لتحقيق الوحدة الثلاثية بين مصر والعراق وسوريا والذي تكلل بصدور اعلان ميثاق الوحدة الثلاثية في ١٧ نيسان ١٩٦٣م الذي مثل انتصاراً لحركة القومية العربية من أجل تحقيق الوحدة في دولة العدالة والديمقراطية، تشكل نواة لتحقيق الوحدة العربية الشاملة.كما نجح البعث ولاول مرة في التاريخ المعاصر بتوحيد القوات المسلحة العراقية السورية تحت قيادة واحدة ليشكل بذلك ولاول مرة الطوق العسكري ضد الكيان الصهيوني من الشمال والشرق.وأردفها بتشكيل جبهة التحرير العربية لتكون فصيلا اساسياً في المقاومة الفلسطينية.

ومن المؤكد، أن ثورة ١٧ تموز ١٩٦٨م، عكست تحولا سياسياً هاماً في تاريخ البعث في العراق الحديث، حيث تطور الفكر السياسي والاقتصادي الاشتراكي على صعيد الدولة عبر الربط الحي، بين الأيديولوجية العربية والأحداث السياسية، حيث برزت مسألتان، الأولى : اقتصادية، تتعلق بمواجهة هيمنة شركات النفط الأجنبية؛ والثانية اجتماعية، تتعلق بالمسألة الكردية، وقضية الوحدة الوطنية وإرساء دعائم للتحالف مع الأحزاب التقدمية من اجل الربط بين الاستقلال السياسي والتنمية الاقتصادية.بناءاً عليه تأسست الاستراتيجية السياسية للبعث على قاعدتين متفاعلتين : الأولى، أيديولوجية حزب البعث العربي الاشتراكي، والثانية، التجربة الواقعية والميدانية، لما يبلور رؤية منطقية للدولة التي يقودها حيال القضايا القومية والدولية.

لقد اختلفت نظرة حزب البعث إلى السياسة والاقتصاد عن نظرة النظم والأحزاب العربية التقليدية، التي لا تؤدي إلا للتناقض كما رفض الانطلاق من سياسة أيديولوجية منغلقة، تقع خارج دائرة الأمة العربية، وشدد على ضرورة انطلاق السياسة العربية من وحي المصلحة الوطنية والقومية العليا للأمة العربية، ورسالتها الإنسانية، للدفاع عن قضايا الحرية ضد الاشكال المختلفة للاستعمار.لذا رفض حزب البعث تبني مفهوم "السياسة الواقعية"، لأنها تقود إلى مهادنة الإمبريالية، مؤكداً ان المعركة هي معركة شعب لا معركة طبقة، وفي هذا، تلتقي الامة العربية مع كفاح الشعوب ، ومع التقدم البشري العام.

لذا طالب حزب البعث بتحقيق التوازن في العلاقات الدولية والعمل على : إلغاء جميع المعاهدات مع الدول الأجنبية؛ ورفض الأحلاف وإجلاء القواعد؛ وتأميم النفط والموارد العربية واستثمارها؛ والتمسك بمبادئ عدم الانحياز، مع "الانفتاح على العالم وتجاربه المعاصرة".هذه هي أبرز عناصر الأفكار والمبادئ للعلاقات العربية والدولية، والتي بقيت مُتحررة من الجمود العقائدي ( الدوغمائية ) ، لأن الأفكار الحية كما يقول القائد المؤسس تكون دائما "في حالة إعادة بناء".

كما سعى الى دعوة الدول العربية للتنسيق والتعاون بما يجعل عملية التنمية في خدمة المصلحة العربية العليا والتكامل الاقتصادي ، ولإلغاء مظاهر التمايز الطبقي الحادة بين الدول العربية، أي بين دول غنية نفطية ودول فقيرة محدودة الموارد.

وتبنى حزب البعث العربي الاشتراكي مبدأ الحوار بين الشعوب والدول لضمان "الطريق الصحيح للسلام، وإن السلام يجب أن يكون شاملا ونهائيا" عندها سيكون بناءً، لأنه مبني على التوازن والتكافؤ في العلاقات الدولية، وتطبيق قرارات الأمم المتحدة "بروحية واحدة" لخدمة قضية الإنسانية في الحرية والعدالة والتقدم والازدهار.

ومن هنا نرى ان تاريخ تاسيس الحزب لم يشكل محطة تقليدية، وإنما هو حلقة من سلسلة محطات نضالية متواصلة، لذا اصبح موعدا يجدِّد البعثيون فيه عزمهم على الاستمرار

بإيمانهم بفكر الحزب والعمل من أجل تطويره ليواكب متطلبات عصره وحاجات امته المتجددة ووضعه موضع التنفيذ.ولذلك مرَّت ثلاثة وسبعون عاماً على تأسيسه وظلَّ مستمراً ما إن يرغمه ثقل الأعباء، وكثرة الأعداء، على الكبو حتى ينتفض من جديد.وهكذا استمر على الرغم من تكاثر العوائق في وجه البعثيين، والسعي المحموم لاجتثاث فكره واستهداف كوادره وقياداته ، والعمل الخائب على تهديم ما بنى من تجارب مشرقة.

فطالما كان البعث فكرة تعبِّر عن حاجات الأمة العربية من جهة، واجيال تؤمن بها وتعمل على تنفيذها بعمل منظَّم من جهة أخرى، فهي لن تموت ابدا.

ومن هنا فان ما يثير مخاوف أعداء الأمة، هو أن يبقى نضاله مستمراً لأن فيه ما يُذكي شعلة الوعي عند العرب وتذكيرهم بقضاياهم العادلة، وعلى رأسها حقُّهم في بناء دولة الوحدة التي تحقق نهضتهم بالتكامل العربي وتحميهم من مشاريع التخلف عبر التجهيل والتفتيت.ولذلك وضعت القوى المتضررة كل العوائق لمنع الشعب العربي من بناء نظام سياسي موحَّد يضعهم في مصاف الدول القوية.ومن هنا كان اجتثاث الفكر القومي هدف استراتيجي لاعداء الامة العربية.

اجتثاث الفكر القومي هدف استراتيجي للعدو وحمايته من أهم مهمات البعثيين

وإذ يحتفل حزب البعث العربي الاشتراكي في هذا العام بذكرى التأسيس الثالث والسبعين، فإنما يتَّسم هذا العام بالإعلان عن الانتصار على سياسة الاقصاء والاجتثاث.اذ لم يكن القرار الذي أعلنه بول بريمر، الحاكم المدني للعراق بعد احتلاله عام ٢٠٠٣م، باجتثاث الفكر القومي لحزب البعث، القرارالأول، ولن يكون الأخير، لأن الفكر القومي وحركة التحرر العربي تشكل التحديات الرئيسية التي تواجه مختلف اشكال الاستعمار والامبريالية والعولمة الاقتصادية والسياسية والعسكرية.لذا يتحمل حزب البعث في هذه المرحلة مهمتان رئيستان : الأولى المحافظة على الفكر القومي وحمايته وتعميقه؛ والثانية المحافظة على وحدة القوى القومية والتحررية العربية والعمل على تحقيق تلاحمها المصيري.

ولبناء قاعدة للعمل المُشترك، لتطبيق استراتيجية العمل العربي القومي، طريقاً للنهضة وللتحرر والتحرير ووحدة الكفاح المُشترك.

ولم يكن القرار الذي أعلنه بول بريمر القرارالأول ، فقد سبقته قرارات أخرى ، تمثل اولها تلك التي اتَّخذها مؤتمر كامبل بانرمان في العام ١٩٠٥ – ١٩٠٧، التي نصَّت على خطورة توحيد الجزء العربي من الإمبراطورية العثمانية، وعلى أن تبقى المنطقة العربية مفتَّتة جاهلة، لتبقى منطقة آمنة للاستعمار والصهيونية العالمية من أجل استغلال ثرواتها الطبيعية من جهة ، وتظل سوقاً استهلاكية للسلع الصناعية الغربية من جهة أخرى.

وما بين تلك المرحلة ومرحلة قرار بول بريمر تعددت القرارات الخاصة باجتثاث فلسفة البعث فكلما تألق البعث بمواقفه كلما ازداد نشاط الاعداء لاجتثاثه ..

مهام حركة التحرر العربية بقيادة البعث
إذا كان هدف إسقاط النظام الوطني في العراق بمثابة إسقاط للفكر القومي، فلتكن المحافظة عليه طريقاً لتحرير العراق من الاحتلال.فلقد استهدِف العراق تحديداً لانه يمثل الرمز في ترجمة الفكر القومي العربي إلى واقع تطبيقي حي.ولأن تقويض النظام الذي يحكمه تقويض للأمل الذي يغذي حلم بناء دولة قومية عربية قابلة للحياة.وما تحالف أعداء الأمة على تقويض الحلم، بل واجتثاثه، سوى دليل واضح على كثرة وتوحد القوى التي كانت تعمل في السر والخفاء على اجتثاث فلسفة القومية العربية.

ثم تطور الهجوم المعادي لياخذ مشروع صياغة منظومة من الكيانات السياسية الدينية والعرقية والقطرية عن طريق ماعرف بتقسيم المقسَّم.فعاث تمزيقاً وتدميراً وتفتيتاً في بنى الأنظمة السياسية الوطنية العربية ومؤسساتها المدنية والعسكرية والاجتماعية التي ما تزال آثارها تدمي القلوب.لذا فالمطلوب اليوم من جميع قوى الامة التحررية الحية التضامن في مواجهة ما اقحمه الاستعمار الجديد من مؤامرات الإرهاب والتطرف والحروب الدموية التي عصفت بالمجتمع العربي، واستنزفت الموارد الاقتصادية والقدرات العسكرية مما يتطلب البحث عن شراكة اقتصادية عربية توفر فرص حقيقية للتنمية والتطور لمواجهة اتساع الفقر والبطالة والامية ومواجهة التدخل السافر من دول الجوار الاقليمي خصوصا تركيا وإيران التي تشكل انتهاكا للأمن القومي العربي ولميثاق الأمم المتحدة ومهما اختلفت الذرائع والحجج.وفي هذا الإطار جاءت دعوة الأمين العام للحزب الرفيق المجاهد عزة ابراهيم نحو ضرورة العمل المشترك لإعادة النظر بالسياسات والمواقف العربية وتوحيد الجهود لمواجهة التحديات والتهديدات الإيرانية لمستقبل الامن والاستقرار في الوطن العربي.

ولتحقيق ذلك فعلى جميع قوى الامة التحررية الحية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني الارتقاء الى مستوى التحديات والأزمات وترسيخ ثقافة التسامح والتعايش واحترام الأخر ونبذ الفلسفة الاقصائية والتفرد والاستبداد وترسيخ مفاهيم ومبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتبني سياسات اقتصادية للانفتاح على العلاقات الاقتصادية الدولية والاستثمار بما يخدم المصالح القومية العليا لامتنا.مع الاهتمام بتبني استراتيجية تكاملية عربية للاستثمار في مجال الزراعة والصناعات التي تعتمد على المواد الخام والثروات العربية وبما يوفر فرصة لامتصاص البطالة وتطوير القدرات ورفع معدلات التجارة البينية بين البلدان العربية، لكي تكون شريكاً استراتيجياً للدول الصناعية في العلاقات التجارية الدولية.اضافة الى توسيع التعاون الاقتصادي العربي العربي و افاق العلاقات التجارية وبما يضمن انشاء مناطق حرة ومدن صناعية وتوفير حرية انتقال الايدي العاملة العربية وحماية الكفاءات والقدرات العلمية، وتوفير الفرص للتعاون في مجال حماية الامن القومي العربي.

الشعور الوطني والقومي يدشن عصر الانتصارات
لقد نجحت الجماهير العربية في مواجهة الانكسارات التي مُنيت بها الأمة العربية وقواها التحررية والديمقراطية، والتي تشهد اليوم تحولات نوعية في الفكر السياسي لمواجهة الأنظمة الاستبدادية والقمعية، حيث تشكلت الحركات والأحزاب الوطنية والقومية في البلدان العربية يتقدمها حزبنا المقدام ، بصموده ووعيه وشدَّة مناعته الفكرية والنضالية، للكفاح من أجل إعادة تصويب اتجاهات وانحرافات الأنظمة السياسية، وتصحيح مساراتها نحو ترسيخ قواعد دولة المؤسسات والفصل بين السلطات وحماية حقوق الانسان والديمقراطية.

ومانشهده اليوم في العراق والسودان والجزائر ولبنان من تنامي الوعي والإرادة الشعبية التي انطلقت تحت شعارات وطنية وقومية، وشاركت في قيادتها أحزاب سياسية تقدمية تحررية ديمقراطية، حيث انخرطت في ساحات الاحتجاج، الجماهير العفوية الصادقة، وخاصة من الفئات العمرية الشابة، لرفض الخضوع لأنظمة الاستبداد والفساد المالي والسياسي وانتشار الفقر والبطالة والتخلف والأمية والبؤس والامراض والاوبئة.

كما شكلت الاحتجاجات تقويضاً للبنى المعرفية التقليدية المتخلفة مما يؤسس لمرحلة الانتقال نحو الحداثة والديمقراطية.فبعد فشل حركات الإسلام السياسي في ضمان الحريات والحقوق والعدالة وفشل النموذج الثيوقراطي الذي روجت له المنظمات الإرهابية التي استخدمت العنف والقتل في شمال افريقيا والعراق وسوريا ولبنان واليمن بدعم ومساندة من ايران ولاية الفقيه، الدولة الأولى الراعية للارهاب في العالم، تعود اليوم للظهور الأحزاب والحركات ومنظمات المجتمع المدني التي تؤمن بالتفاعل الحي والخلاق بين المتغيرات الوطنية والقومية، للانتقال نحو مرحلة التحديث في اطار المشروع الحضاري للأمة العربية.

في النتائج : دروس فكرية ورؤية مستقبلية
اولا : حماية الأمن الفكري القومي اقرب الطرق لكسب المعركة
أن في هذه المتغيرات الثورية ما يدعونا إلى استخلاص الدروس من أجل إغناء تجربتنا وفكرنا وتعميق الثقافة القومية والتجديد فيها بما يجعلها منفتحة على كل تطور جديد.فكسب المعركة ضد القوى المعادية للأمة العربية سيكون أقرب للنصر عند حماية الأمن الفكري القومي التقدمي، وما يستتبعه من تغيير في الثقافة التقليدية المتخلفة، ونشر ثقافة تشكل صلة الوصل بين جوهر الفكر القومي العربي واستراتيجية تحقيق الأهداف الكبرى في بناء الدولة المدنية الديمقراطية، التي تضمن العدالة والحقوق وتكفل الحريات، وهذا ما أثبتته تجارب الشعوب والأمم عبر التاريخ.

ثانيا : استهداف فلسفة البعث استهداف لكل القوميين والوطنيين العرب لم يكن استهداف البعث الآن لغاية في ذاته ، بل لأنه الحزب القومي المنظَّم الذي استمر بعد إسقاط الحركة الناصرية وتفتيتها.هو الوحيد الذي صمد في العراق من بين الأقطار العربية يِرفع راية الفكر القومي ويعمل على بناء تجربة سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية رائدة.وهو الذي يستطيع بتنظيمه وفكره ونضاله أن يواجه كل الذين لهم مصلحة في اجتثاث الفكر القومي العربي.وباختصار ظلَّ الحصن الوحيد الذي يدافع عن حق الأمة العربية بالوحدة والبناء الحضاري.

لقد كان إسقاط النظام الوطني في العراق مدخلاً لإسقاط الفكر القومي العربي على طول الساحة العربية وعرضها.والذي كان في نجاح اجتثاثه، كما حسبت القوى المعادية، اجتثاثاً للقوميين الآخرين، لتصبح المهمة في اعتقادهم أكثر سهولة ويسراً.ولهذا، تصبح مهمة مواجهة الاجتثاث مهمة كل القوميين والوطنيين.وهي مهمة تتطلب توثيق التحالفات مع كل القوى الداعية للحرية وللدولة المدنية العادلة

ثالثاً : التغيير مصلحة مشتركة للتيارات الوطنية القطرية والقومية
إذا كان هدف التغيير معيارا لتحديد الموقف من الجماعة التي تعمل من أجله.فإن البعثي يدرك أن التغيير المتكامل الاركان والذي يبدأ بفكرة فإنه يحتم نهجا مرحليا عقلانيا
واعتماده قاعدة منهجية ، بعيدة عن حرق المراحل او القفز على الواقع لذا فإن هذا المفهوم يفتح البوابة أمام البعثيين للتحالف مع كل من يُنشده، بعيداً عن تصنيفه جهوياً أو قطرياً أو قومياً.فإذا انفتحت جماعة جهوية على منهج التغيير العلمي من اجل مساهمتها بنهضة الوطن والامة، فهي تؤسس لتغيير محلي يفضي بدوره لتغيير قومي.وعليه فإن من لا يُحسن وسائل التغيير في جماعته لن يحسنه في الجماعة الأكبر منها.وبهذا يصبح العمل الجبهوي مع كل جماعات التغيير الوطني ضرورة مرحلية لا يجوز القفز من فوقها وحرقها وصولا الى استنفار وتفعيل كامل طاقات الامة في صراعها المصيري الحالي من اجل البقاء والكينونة بوجه ما تواجهه من اهوال واستهداف منقطع النظير.

رابعاً : الشباب العربي ينتفض ضد الاستسلام والتواكل والتقليد

لقد فاجأت الانتفاضات الشبابية الشعبية في مرحلة الاستنهاض الأخيرة كل المراقبين، بدقة تنظيمها وسلمية وسائلها ووضوح أهدافها في كل من السودان والعراق ولبنان والجزائر ناهيك عن ثورة شعبنا في فلسطين المحتلة.ولذلك احتلَّت موقعها الطبيعي في معركة التغيير الشامل.وهذا ما يتيح للحركة الفكرية القومية والوطنية أن تُعنى بها، وتعمل على تعميقها في كل الاتجاهات.

لقد جمعت ثورة الشباب كل الذين شعروا بضرورة التغيير وامنوا بالمستقبل المُشرق، ولذلك عجزت كل القوى المعادية للتحرر العربي أو القوى الظلامية للتطرف والعنف والاراهاب، عن احتواء ثورات الشباب هذه التي بخصوصياتها شكَّلت نواة ومركزاً جاذباً إليها جمعت وحشدت كل الأطياف الفكرية، وأصبحت تشكل أنموذجاً لحركة شعبية عربية موحدة من نوع جديد وشكل جديد، و يصح القول فيه : جبهة التغيير، بما فيه من صهر كل أشكال الأحزب وتوحيدها حول هدف واحد مشترك.

خامساً - استيعاب المتغيرات لضمان المصالح القومية مسالة حياة او موت

في ظل الوضع الدولي الراهن وما يشهده من تطورات خطيرة متسارعة في كافة مجالاته الامنية والاقتصادية والثقافية ، اضافة الى انعكاس التطورات التقنية الحديثة ودخولها في كافة مفاصل الحياة والتي ستغير من وسائل الانتاج وتغيّر اساليب الحياة الانسانية برمتها.اضافة الى انعكاساتها على موازين القوى العالمية وبروز انماط جديدة من حروب بشعة غير مسبوقة وما سيشهده العالم من انهيار قوى وصعود اخرى.فان كل ذلك سيفرز تحديات هائلة، نجد من الضروري استعداد القوى التحررية في الامة العربية لمواكبة مختلف المُتغيرات و بلورة استراتيجيات جديدة ولا سيما استيعاب المتغيرات التقنية والاقتصادية والثقافية والعلمية، لضمان تحقيق مصالح الامة العليا وحفظ الأمن القومي العربي وتنمية وتعضيم الموارد الاقتصادية وتعزيز الاستقلال والسيادة.

سادسا : الانفتاح على المستقبل وضمان الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان كالخيار بان نكون او ان نكون أخذت التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة بالدخول الى كافة نواحي الحياة واهمها الجانب الاقتصادي، الذي يشكل عماد الأمن الوطني والقومي، لذا يتحتم ايلاء قضايا الأمن الاقتصادي اولوية قصوى ومواكبة المتغيرات واستيعاب مختلف التحولات والازمات من خلال الانفتاح على المُستقبل، وعلى ثورة المعلومات والاقتصاد المعرفي والاستفادة من كل معطياته في التنمية المستدامة للموارد العربية وفرض الشفافية والحوكمة على كافة المفاصل ومختلف المستويات.

كما ويتطلب إعطاء التحولات الديمقراطية واحترام الحريات العامة وضمان حقوق الإنسان ومواجهة الفساد السياسي والمالي والإداري المستشري، الاولوية في النضال الوطني
والقومي، اضافة الى العمل على توسيع اطر المشاركة السياسية على قاعدة التعددية السياسية وحماية الحريات العامة وإقامة دولة الرعاية الاجتماعية في إطار النظام القائم على الفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة ومحاربة مختلف أشكال الاستبداد لتعزيز النظام الديمقراطي وسيادة القانون والعدالة في توزيع الثروات لتحقيق العدالة الاجتماعية.

سابعاً : الوقفة التاريخية و المراجعة الشاملة للتجربة
ان الحركات الرسالية والأحزاب السياسية التي تمتلك تاريخاً واسعاً من التجارب على صعيد النضال بكل اشكاله وكذلك اداء مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني والتي نجحت في تحقيق العديد من الانجازات الاقتصادية والسياسية والتحولات الاجتماعية والثقافية، تحتاج باستمرار لإجراء تقييم شامل ومراجعة نقدية للنظريات والأفكار وتشخيص مكامن الخلل على صعيد النظرية والتطبيق، واجراء تعديلات للبنية النظرية والوظيفة التي تؤديها لضمان تحقيق الأهداف وبما ينسجم مع التحولات الإقليمية والدولية، للانطلاق نحو المستقبل.مما يتطلب تبني الشفافية والمصارحة والمكاشفة الجريئة والواقعية الشجاعة والمسؤولة، لأن اي نجاح في التعامل مع تحديات الواقع واستيعاب المستقبل، لن يتحقق بدون إجراء مراجعة شاملة لكل معطيات المراحل السابقة بكل إيجابياتها وسلبياتها، من خلال تقويم ذاتي وموضوعي، بغية تجاوز السلبيات، وتطوير الايجابيات للدخول الى عالم المستقبل وتحولاته الكبرى بكفاءة واقتدار.

ثامناً : قوى الثورة العربية تنتقل من مرحلة الانكفاء إلى مرحلة الهجوم ان استخلاص الدروس من العمل الجبهوي بين القوى القومية والوطنية، والثورات الشعبية السلمية في الوطن العربي ، تستدعي الدراسة والتعميق، ومواكبة المراقبة والتصحيح، لانها تُعتبر أدوات أساسية بأيد الثورة الشعبية لاستكمال النضال في بناء الوطن العربي الديمقراطي التحرري.إلى جانب دراسة تجربة المقاومة السلمية ضد الأنظمة الدكتاتورية، ومختلف اشكال الهيمنة والاحتلال.

تاسعاً : إسقاط الاحتلال مقدمة للتحرير والتحرر
إلى جانب تجربة المقاومة السلمية ضد الأنظمة، نخص قضيتي العراق وفلسطين ، لأنهما يخضعان لاحتلال استيطاني أولاً، ولأن تحريرهما فرض عين على كل عربي.لقد كان احتلال فلسطين البداية، ولن يكون العراق النهاية.وهذا يتوجب على جميع قوى التحرر العربي الاستمرار في الكفاح لتحرير العراق من مختلف اشكال الاحتلال وتقويض النظام الفاشي الدموي وتحرير السجناء السياسيين في المعتقلات السرية الذين يعانون من التعذيب والعنف والاعدامات العشاوئية وتفكيك المليشيات الارهابية المرتبطة بالاجندة الإقليمية التوسعية لولاية الفقيه الإيرانية، ولكي نمنع التداعيات الخطيرة على الأمن والاستقرار بفعل استمرار احتلال فلسطين والعراق، مما يوجب تبني استراتيجية جدية من أجل العراق الذي يشكل بداية جدية وواعدة لتحرير فلسطين.

وأخيراً، ولان المرحلة غنية بالتجارب الثورية العربية، كما هي غنية بنتائجها.فعلى مفكروا الامة في عيد طليعتهم الثالث والسبعين أن يسطروا، إلى جانب العمل النضالي الذي يمارسه مناضلوها بفعالية لافتة، سفراً فكرياً في سبيل ترسيخ أسس تجربة فكرية جديدة لأمتهم العربية بحيث تعم الفائدة كل الشعوب المقهورة في العالم.وبتلك المهمة تتكامل عوامل النضال، بالساعد والبندقية، مع القلم والعقل النيِّر المنفتح على حقول الإنسانية جمعاء.


مكتب الثقافة والاعلام القومي
٦ / نيسان / ٢٠٢٠





الاربعاء ١٥ شعبــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / نيســان / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والاعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة