شبكة ذي قار
عـاجـل










عرفنا أن ثمة شركات في الغرب تصنع النجوم في الغناء والتمثيل وغيرها من حقول الإبهار والإمتاع السمعي والبصري، عن طريق توفير الأدوات التي تحتاجها العملية من أموال وفن تجميل ومسارح وكاميرات وجمهور وغيرها، ويبدو أن في عالم السياسة والعسكرية أجهزة تتخصص بذات الصناعة مع اختلاف الأهداف والأدوات، وقد تمكن صناع النجوم من صناعة الفارسي قاسم سليماني كأحد مشاهير العصر في القتل والارهاب والعدوان خارج وطنه وعلى الساحات التي أريد له أن يكون مشهوراً فيها، بصيغة مزورة مناقضة للحقيقة، وهي صيغة أن سليماني هذا ( بطل قومي فارسي، يحمل عقيدة دين ومذهب عابرة لحدود إيران ).

تم توفير القدرات الإيرانية كلها، الاقتصادية والسياسية والعسكرية والإعلامية والمخابراتية، تحت يد قاسم سليماني كنقطة انطلاق لحشوه بالإحساس بالعظمة والاقتدار، ومن ثم جهزت له ساحات الأقطار العربية التي ساهم غزو العراق واحتلاله بتسهيل تحرك سليماني والحرس الثوري وفيلق القدس الإيراني عليها مسنوداً بالأدوات المحلية المصنوعة سلفاً في تلك الأقطار ضمن برنامج ومشروع تصدير الثورة الإيرانية الذي أعلنه خميني عام ١٩٧٩، وكانت أول فعالياته إعلان الحرب على العراق.

صمم دور قاسم سليماني فارسياً ليكون رئيس لأربعة أقطار عربية، وهو مرشدها الأعلى، في حين كان لخامنئي صفة المرشد الأعلى لإيران فقط، وبهذا المعنى صار نجم سليماني عملياً وميدانياً أعلى من نجم خامنئي وساحات فعله الإجرامي أوسع ومهمته أخطر بكثير، لأنه هو الزعيم الفعلي لامتدادات الامبراطورية الفارسية خارج حدود إيران، وهو بذلك حصان الحلم الفارسي العتيق المعتق المتجدد، وإذا كان لخامنئي سلطة تحريك المشهد الداخلي فإن لسليماني سلطة تحريك المشهدين الداخلي من جهة وامتداداته الاحتلالية من جهة ثانية، وخاصة على العراق وسوريا ولبنان.

حكم سليماني العراق وسوريا ولبنان بقوة مستمدة من قوة الداخل الإيراني المنتفخ بعد غزو العراق، والذي مثل شركة صناعة المشاهير التي منها انطلق سليماني، يمتلك المال والسلاح والجنود، ومصدرها الأعظم هو ثروات العراق وسوريا ولبنان، وباستخدام الأحزاب والمليشيات والعملية السياسية في العراق ونظام سوريا المتحالف مع الخمينية منذ ساعة توليها السلطة وربما قبلها، وبسطوة حزب الله المذهبية النابعة من ذات الرافد العدواني الإجرامي، أي ميزة القوة الممنوحة من شركة صناعة المشاهير لسليماني لم تكن إيرانية إلا في منشئها ومنطلقها، في الوقت الذي وظفت ساحات الموت للعراقيين والسوريين والاضطهاد والإرهاب للبنانيين، و وظفت الطبيعة الجغرافية السمحة بين هذه الأقطار لصالح حراكه ولصالح ترابط القوات الإجرامية التي يحركها.

إذن : سليماني ليس نجماً بطبيعته وقدراته الذاتية، وليس بطلاً بالفطرة ولا بالشخصية المبنية بجهد نضالي أو كفاحي ذاتي، بل هو مشهور من صناعة الدولة الفارسية وأتباعها في العراق وسوريا ولبنان، وهم أتباع تمت صناعتهم منذ زمن الشاه من قبل المؤسسة الطائفية الإيرانية التي أيقنت أن لا طريق أمامها لإعادة امبراطورية كسرى إلا بارتداء الثوب الطائفي، سليماني ليس هتلر الألماني ولا نابليون الفرنسي ولا أي من الأسماء التي صنعت نفسها بنفسها لتكون رموزاً للشجاعة والبطولة والإقدام والقرار وسمات القيادة الفذة، أو حتى القيادة المتهورة، بل هو أداة منحت السلطة والقوة وقدرات الحركة ووضعت الامكانات المطلوبة مالاً وجيوشاً وإعلاماً تحت تصرفها.

وقد تكون لسليماني الذي يقال عنه في سيرته الذاتية إنه لم يكمل تعليماً جامعياً سطوة على أتباعه في العراق ولبنان غرسها عندما كان هؤلاء المرتزقة يقاتلون العراق مع جيوش إيران المعتدية، وعلى بشار الأسد وشلة الإجرام معه، من ذات الفترة التي كان فيها ملعون الذكر حافظ الأسد يلعب دور الظهير لمشروع خميني الفارسي الموجه لاحتلال أرض العرب وإهانة الأمة العربية، غير أنها هي الأخرى سطوة لم تصنعها قدرات ذاتية فذة بل منحت بحكم السلطة العسكرية.

وإذا كان سليماني رجلاً فارسياً له اعتبار في إيران فهو لم ولن يكون رجل قيادة ولو على راعي غنم عربي، إلا إذا كان هذا الراعي قد باع نفسه لمشروع ولاية الفقيه الفارسية، ونحن نعرف نسبة العرب الذين باعوا نفسهم، وهم في جلهم ليسوا أهل عقيدة بل أهل جيب وبطن وينتمون إلى الدنيا الرخيصة الزائلة، والعرب عموما لا يحكمهم سوى عروبتهم وإيمانهم وقوميتهم و وطنيتهم، ونحن ننظر لهلاك سليماني على أرض العراق بمعاني خاصة جداً، هي أن من يعبر حدوده بلا أدب وبالاستناد إلى أحصنة الغدر وأجنحة الغلو والتطرف فسوف يموت مقتولاً حيث اعتدى وحيث أزهق الأرواح واستباح مقدسات الأوطان.






الاربعاء ١٩ جمادي الاولى ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / كانون الثاني / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة