شبكة ذي قار
عـاجـل










أكد حزب البعث العربي الاشتراكي منذ غزو العراق عام ٢٠٠٣ وما تلاه من فوضى شاملة ضربت وخلخلت أسس البنيان العربي كاملا على أنه لا حل ولا مجال لنهوض العرب ولتخليصهم مما حيك لهم من مؤامرات تَصْفَوِيّة فادحة الخطورة تتهدد وجودهم ومصيرهم معا إلا باسترجاع العراق وتحريره من الاحتلال المزدوج المركب الأمريكو – صهيوني والإيراني الفارسي الصفوي.

لقد اعتبر البعث تحرير العراق والدفاع عنه والذود عن وحدته وحماية شعبه وإنقاذه من حرب الإبادة الضروس المفتوحة عليه من جميع الجهات قضية العرب المركزية اليوم، بل وشدد على أنه لا مجال للنجاح في أي فعل أو مسعى عربي لكسب أي معركة عربية في أي ساحة أو على أي صعيد عربي مهما كان صادقا أو محقا أو متينا ومهما انطوى على الشروط اللازمة للتحقق والتحقيق في ظل تواصل احتلال العراق الذي تعيث فيه إيران فسادا وتٌعْمِل فيه جحافلها العسكرية وميليشياتها الإرهابية الطائفية شتى ضروب القتل.

ورغم ما قد يحدثه هذا الرأي – على وجاهته وصحته ودقته وواقعيّته السياسية والميدانية والنضالية الثورية – من صدمات محتملة ( وقد أحدث ذلك فعلا في نفوس الكثيرين وفي عقولهم، وتحول فيما بعد إلى هجمات أو مسببات تهجم على البعث واتهامه المغرض بتحول وتنازل عن الثوابت – وحاشى البعث أن يتنازل أو ينزع رداء المبادئ مهما كانت كلفتها - ) ، فإنه ظل واضحا وعصيا عن التشكيك وعن محاولات النيل منه وإسقاطه كموقف ثوري أًصيل يعبر عن مدى فطنة قيادة البعث وحكمتها ويدلّل على خبرتها وحنكتها والتصاقها بواقعها وبشعبها وخاصة عن تَمَـثـٌّلـِها واستيعابها للحظة التاريخية المفصلية الفارقة التي تمر بها الأمة العربية برمتها.

إن وجاهة هذا الرأي ورجاحة هذا الطرح لا تتأتى من كونها انتصارا ضيقا للعراق أو أنها بنت رغبة البعث في استعادة السلطة التي أزيح منها في ظروف معلومة للجميع وبحيل وخدع وأسباب ودوافع باطلة بطلانا لا خلاف حوله سواء قانونيا أو شرعيا أو سياسيا أو أخلاقيا أو إنسانيا، بل لأن هذه القراءة البعثية هي سليلة الواقع العربي والدولي الراهن، ولأنها أيضا قراءة علمية استشرافية صارمة تستوفي جميع الشروط اللازمة لتفكيك مسببات الأزمة البنيوية العربية العميقة ولتفاديها بالتوازي معها ومن ثم للانطلاق في بقية المهام النضالية والثورية لتجاوز انعكاساتها وتردّياتها الكارثية.

إن أولى المرتكزات التي انبنى عليها هذا الطرح البعثي هو حتما الثقل الفارق للعراق ودوره الحساس في الموازنات العربية على مختلف الصعد تاريخيا وحضاريا وعلميا وفكريا وثقافيا وبشريا وعسكريا واقتصاديا وغير ذلك، مما جعل سلامة الأمة العربية متوقفة على الدوام على مدى سلامة العراق ومعه طبعا مصر وسورية كثالوث لا غنى للأمة عنه، ولقد تعاظمت مسؤولية العراق ودوره وانتظارات جماهير الأمة وآمالها عليه خاصة بعد تطويع مصر وتنازل السادات وتركيعه من قبل الصهيونية العالمية ليدخل أرض الكنانة في هدنة واتفاق سلام مهين مع عصابات الغصب الصهيوني المجرمة وكذلك عقب خيانة النظام السوري ( الأسدي ) لقضايا الأمة والعروبة وتدثره بأطمار الطائفية القذرة واختياره للتحالف الاستراتيجي مع العدو الإيراني الفارسي على حساب العروبة.

وإن ثاني مؤيدات هذا الطرح البعثي – ولعله أهمها على الإطلاق – هو إدراك البعث لأبعاد الزلزال المدمر الذي ضرب العراق عام ٢٠٠٣ والذي تمثل بالغزو البربري لبلاد ما بين النهرين استكمالا للمؤامرة الكونية الكبرى عليها والتي انطلقت منذ مطلع ثمانينات القرن العشرين بالعدوان الإيراني الخميني الغادر على العراق بغية تعطيل المشروع النهضوي والمسيرة التنموية العملاقة اللذين بدأ نظام البعث في إرساء معالمهما وما عبرا عنه من عزم حقيقي وتوجهات صادقة لا لتغيير واقع العراق فحسب بل ولإحداث نقلة نوعية على المستوى القومي العربي برمته.

ويستقي هذا الإلمام البعثي لما جرى أهميته القصوى في الحقيقة من خلال إدراك أعمّ وأخطر يتمثل رأسا في اليقين الثابت بأن استهداف العراق على وحشيته وضراوته، ورغم أنه شكّل سابقة مفجعة في التاريخ البشري كله على جميع المستويات بتجلياته ومحاميله ونتائجه ورهاناته وخاصة عبر الهمجية السّاديّة المخزية التي انطوى عليها والطبيعة الحيوانية والبربرية والعنصرية التي طبعت أداء الغزاة وما رافقها من دمار طال البشر والشجر والحجر في العراق، إنما هو في الواقع لا ولن يتوقف عند حدود العراق بل إن المراد منه واقعا هو الوطن العربي كاملا.

ورغم محاولات التشويش على هذا الرأي البعثي المتقدم عما سواه من قراءات عرجاء ورؤى قاصرة ومنحرفة ومجافية للواقع، ورغم محاولات طمس تلك القراءة البعثية بما اتسمت به من رصانة وعلمية ومنهجية ودقة وموضوعية وبما حملته فوق ذلك كله من فرص قوية للقفز على المطبات التي اصطنعها الأعداء التقليديون والمستحدثون للأمة العربية، فإن مجريات الواقع والتطورات الميدانية على الساحة القومية العربية أو داخل كل قٌطر عربي على حدة، ظلت كلها في تطورها وفي امتدادها في مدار ما ذهب إليه البعث، وظل العرب يتخبطون يمنة ويسرة، وظل تغافلهم عن النداء البعثي وتعاليهم عن النصائح الغالية والتوجيهات الثمينة التي وضعتها قيادة البعث يعمق من أزماتهم بل وينمي التهديدات المتوغلة لحدودهم الإقليمية التي حسبوها محمية واعتقدوا أنها عصية عن الأخطار وبرروا ذاك بأن تحالفاتهم مع الغزاة وركوبهم موجة العدوان على العراق وغزوه ثم سكوتهم عن مختلف الجرائم التي ارتكبت فيه سيما تلك الجرائم الاحتلالية الإيرانية الطائفية الشعوبية المتخلفة سيعصمانهم من ارتدادات الزلزال المدمر الذي ضرب صفائح الأرض العربية عام ٢٠٠٣.

وإن ثالث مؤيدات هذا الطرح البعثي هو الإدراك المتقدم والوعي الرائد بحقيقة الخطر الإيراني الفارسي ومشروع ولاية الفقيه بأبعاده التوسعية الاستيطانية الاحتلالية الطائفية الشعوبية العنصرية المهددة للوجود العربي والحاقدة عليه.

فلقد تفرّد البعث على كل النخب والحركات والأحزاب السياسية العربية يمينها ويسارها ووسطها ورجعيّها وتقدميّها وتميَّز وتمايَزَ عنها بتقييمه الموضوعي وتشخيصه الدقيق ومعرفته الشاملة والحثيثة وتقديره الواسع لحقيقة إيران ونواياها وسياساتها وتوجهاتها ونظرتها للعرب على مر التاريخ، بل ولم يكتف البعث بعرض حقائق التاريخ المعروفة ولكنه شرحها من جهة، وفضح السياسات الإيرانية المخفية وعرّى تحالفاتها المشبوهة وعلاقاتها الوثيقة مع الغرب الامبريالي التوسعي ومع الحركة الصهيونية العالمية، وبسط في هذه الأثناء الصفقات التي أبرمتها إيران مع أمريكا والغرب والصهيونية، وفصّل في الوقت نفسه مظاهر ذلك التماهي الإيراني الغربي الصهيوني، وحذر البعث العرب جميعهم أنظمة ونخبا وجماهير من الانخداع بالرواية الإيرانية الرسمية وخاصة تلك المتعلقة بالعداء الإيراني للصهيونية ولكيانها الغاصب في فلسطين، وأطنب البعث في التأكيد على أن التصريحات الإيرانية والمزايدة في هذا الإطار لا تزيد عن فقاقيع الشعارات الحماسية التي يتمسك بها دهاقنة الفرس لخداع العرب ولتنويمهم وتخديرهم ومن ثم الإيقاع بهم في شراكهم لتطويعهم واستخدامهم فيما بعد لأغراضهم الدنيئة وليشكلوا خرقا وثقبا وشرخا في الجدار العربي بما يمكنها من تمرير مخططات إيران التخريبية التدميرية على حساب الأمة العربية، من جهة أخرى.

لقد أسهب البعث في تشريح جرائم إيران الطائفية في العراق، وقدم عرضا مستفيضا لسياساتها الإجرامية ضد بلاد ما بين النهرين فلم يغفل عن شاردة ولا ورادة في هذا الإطار، ووضع أمام العرب حقائق التهجير القسري للشعب العراقي وحقائق التغيير الديموغرافي والإبادة العرقية التي تنفذها طلائع جيوش إيران وميليشياتها الإرهابية الطائفية سواء العراقية أو تلك المٌسْتَقْدَمَة من شتى أصقاع الأرض، كما وضع حقيقة السيطرة الإيرانية المطلقة على العراق وعلى مفاصل الدولة في جميع المجالات، ورصد التصريحات الإيرانية في هذا الصدد والتي وصلت ذروة استخفاف الفرس بالعرب لحد الادعاء بل والتفاخر بالسيطرة الفارسية على أربع عواصم عربية كبرى.

وذكر البعث في تلك الأثناء دوما بالحقيقة الاحتلالية البشعة لإيران، وذكر بمظلمة الأحواز العربية السليبة وبمعاناة شعبها من ويلات الاحتلال الإيراني البغيض لها وبسبب جرائمه الوحشية فيها.

لقد بذل البعث ما في وسعه طيلة الستة عشرة سنة الأخيرة لينبه العرب من الخطر الإيراني الزاحف تجاههم، ولم يمل البعث من الإلحاح والمداومة على تفصيل دقائق الأمور في هذا الغرض، وكرر وذكر بلا انقطاع بطبيعة إيران العدوانية وبعقيدتها الاستعلائية والاحتلالية وبمخططاتها التوسعية على حساب العرب، كما استحضر البعث كل سبل مواجهة الخطر بعد أن بين بالدقة المطلوبة وأكثر أن الاستكانة والتراخي في مواجهة الطاعون الفارسي الأصفر لن يؤدي إلا إلى مزيد اقتراب العدو الفارسي من استباحة ما تبقى من الجسد العربي بعد أن دنست أقدام عساكره وميليشياته ومرتزقته وأذرعه الأحواز والعراق ثم لبنان وسورية فاليمن، دون إغفال العين عن الخليج والشطر الإفريقي من الوطن العربي.

أكد البعث أن نهم ملالي إيران وحقدهم على العرب لن يتوقفا عند حدود ما بلغوه، بل أكد أن مشروع ولاية الفقيه يقوم في جوهره على ابتلاع الوطن العربي كاملا وبسط السيطرة الفارسية الصفوية الخمينية عليه كليا، وشجع البعث العرب على توحدهم لمواجهة هذا الخطر ولمحاصرة هذا الشر المستطير، وبين البعث للعرب أن خطر إيران لا يوازي الخطر الصهيوني، بل هو أشد منه خطورة ناهيك عن التماهي شبه الكلي بين منظومة ولاية الفقيه وبروتوكولات حكماء بني صهيون.

حثّ البعث العرب على الإصغاء ولو مرة واحدة لصوت الحكمة والعقل، واستنهض هممهم وخاطب فيهم النخوة والقيم العربية الأصيلة، وحرضهم على تلبية نداء الواجب وما تمليه المسؤولية القانونية والسياسية والأخلاقية والحضارية.

تحدث البعث عن الضرورة المستعجلة لتقدير الخطر الفارسي حق قدره، ودعا العرب في هذا الإطار إلى توحيد كل الجهود ونبذ كل الخلافات البينية والتعالي عن الصغائر ورص الصفوف للتحفز لمقارعة جار السوء إيران.

ولم يكتف البعث بالعرض وتبيان الأمور وتقديم النصائح - وإن كان ذلك في حد ذاته منجزا كبيرا في الظروف العصيبة التي تحيط بالبعث في ظل الاحتلال والاجتثاث والتشويه والحظر والملاحقة والتقتيل وغير ذلك مما لا يخفى على أحد - ، بل شدد على أنه سيكون بقيادته ومناضليه ومقاتليه في مقدمة صفوف محاربي المد الإيراني الفارسي الصفوي.

وكما أشرنا في البداية، واصل البعث هدي العرب لسواء السبيل، وذلك بأن شدد تشديدا صارما على أن قتال الأفعى الإيراني الفارسية إنما يتحقق في العراق، بما للعراق وشعبه وحزبه المناضل وجيشه الباسل من تاريخ حافل في مقارعة الفرس وتلطيخ أنوف أكاسرتهم وجبابرتهم وملاليهم في التراب.

لقد وضح البعث أن المؤامرة الكبرى التي أحالت العرب إلى غياهب الاندثار أو تكاد، قد انطلقت من العراق، ووضح مقدما كل الحجج والبراهين على ذلك، وأكد على أن قبر تلك المؤامرة وإجهاضها بما هو مصلحة قومية عربية أعلى لا تجاريها مصلحة ولا تتقدم عليها ضرورة أو أولوية أخرى، إنما ينطلق من العراق أيضا، ويكون البدء فيها بضرورة تحرير العراق من السيطرة الفارسية التي تكبله وتسبب له اختناقا مزمنا، كما أكد البعث ههنا على وجوب المحافظة على الوحدة الترابية للعراق والحيلولة دون تقسيمه مهما كانت الأثمان.

ورغم تأكد سلامة القراءة البعثية للواقع العربي تشخيصا واستشرافا وحلولا، إلا أن العرب خاصة في شقيهم الرسمي ( الحكام ) والنخب ( الأحزاب والحركات السياسية والمثقفون والإعلاميون ورجال القانون ) أحجموا عن التدبر والتمعن فيها، وواصلوا تَـنـَطٌّـعَـهٌمْ وتهاونهم وتخاذلهم حتى غدا أغلبهم في مرمى نيران الفرس من أقصى الخليج إلى أقصى المحيط.

إلا أنه وفي ظل إحجام هذين الشقين من العرب عن الإنصات واستيعاب نصائح البعث وتوجيهاته، فإن البعث لم يغفل مطلقا ولم ينس مخاطبة الجماهير العربية باعتبارها الشريان الأهم بل ولكونها غاية كل فعل ومطمح كل تغيير ناهيك عن منزلتها المحورية في كل الأسس والتوجهات والسياسات البعثية.

لقد دأب البعث كعهده دوما، واستمر على درب توعية الجماهير وبسط الحقائق أمامها وهديها لسبل تغيير واقعها المزري بعيدا عن الإنشائيات والحسابات السياسوية الضيقة، فنبه تلك الجماهير إلى مخاطر استمرار احتلال العراق، وحذرها من المشروع الإيراني التوسعي الاستيطاني الخبيث، كما حرص حرصا متناهيا على المداومة على تفصيل خطر الفرس وخطورة مخططاتهم سيما الطائفية على كل العرب بلا استثناء حتى وإن توهم البعض أنه في مأمن من التهديدات الإيرانية الفارسية العنصرية.

ولقد كان السر في الإصرار على عدم تفويت فرصة واحدة إلا وجدد البعث فيها تعبئة الجماهير وتحريضها وتهيئتها نفسيا لضرورة التصدي الحازم والشجاع للعدو الفارسي بغية قَبْرِ رهانات إيران، هو إدراك البعث لحقيقة الملكات والمقومات والدعائم التي تنبني عليها الشخصية العربية، حيث أن البعث يدرك أفضل ممن سواه أن العربي قد يتراجع فعلا وأداء وممارسة، وقد يتخلف زمنيا عن العلوم والمعارف والتقنيات وغيرها، إلا أنه لا يموت ولا تذوب شخصيته ولا تتفسخ كما يعمل على ذلك الأعداء ومن وَالاَهٌمْ، وذلك أيضا أن البعث يعلم يقينا أن المواطن العربي بما لديه من مخزون روحي وثقافي وحضاري فريد، وبما له من رصيد أخلاقي وقِيَميّ لا يجاريه فيه غيره من أبناء الشعوب والأمم الأخرى، يتحوّز على مناعة شخصية تٌحصّنه من الانزلاق إلى مهاوي التِّيهِ واليأس والقنوط وفي الوقت ذاته تَقِيه وتعصمه عن الفناء وعن الاستسلام والإحباط.

إنه وبالقدر الذي جاهد البعث وكابد فيه من أجل توعية العرب حكاما ونخبا وجماهير على تخاذل الحكام والنخب، فلقد كافأت الجماهير العربية البعث كأفضل ما تكون المكافأة وذلك بأن تبنت رؤاه وأطروحاته وقراءاته ومواقفه وحلوله.

وإن هذه حقيقة لا يمكن لأحد إنكارها مهما تذاكى بشأنها المتذاكون وتحايل حولها المتحيّلون ومهما استفادوا من إيصاد أبواب الإعلام أمام البعث قيادة وطلائع ثورية مفكرة بفعل التعتيم المضروب عليه عنوة وبفعل قانون الاجتثاث البائس.

احتفظت الجماهير دوما للبعث بالصدقية والنضالية والمبدئية والثورية وخاصة نظافة أيادي قياداته ورجالاته ومناضليه، واحتفظت أكثر بالتضحيات الجسام التي قدمها والتي لا ينازع فيها البعثَ أيٌّ حزب آخر في العالم ذلك أن شهداءه من الصف الأول من القيادة ومن كوادره ومناضليه في العراق لوحده بلغ تعدادهم زهاء ١٧٠ ألف بعثي منذ غزو العراق سنة ٢٠٠٣ ناهيك عن عشرات مئات آلاف المعتقلين والأسرى والمهجرين والمفقودين، ما جعلها - أي تلك الجماهير - بناء على ذلك حريصة على الإنصات لخطابات البعث وبياناته ومواقفه، وكانت أشد حرصا على التدبر فيها والعمل بما تحتويه من توجهات.

وإنه ما من دليل أشد وضوحا على هذا من انتفاضات جماهير شعبنا في العراق المتتالية والتي وبعد المراكمة والمداومة ارتقت فتفجرت وتحولت إلى ثورة عملاقة تجوب مختلف محافظات العراق ومدنه وقٌراه وأَقْضِيَتِه وأريافه.

وإن المتابع لثورة العراق المندلعة منذ أسابيع ليلاحظ بيسر شديد بصمة خطاب البعث فيها حتى وإن لم يركب البعثيون عليها ولم يجيّروها لأنفسهم كما يسعى غيرهم من الموسميّين والمناسباتيّين، حيث كان الشعار المركزي للثورة هو تحرير العراق من الاحتلال الإيراني وطرد ميليشيات ولاية الفقيه والرّفض الكلي للمشروع الطائفي وللسياسات الطائفية، وليس أدل على ذلك من الثورة على المرجعية وعلى ما تحتفظ به من قداسة مزعومة بلا استحقاق، ناهيك استهداف مقرات وأوكار العملاء والجواسيس الطائفيين الذين ركبوا دبابات الغزو سواء بالحرق أو المحاصرة وغيرها، هذا وتبقى الأهازيج المرفوعة والشعارات المكتوبة الساخطة على المخططات الطائفية والناقمة على ذيول إيران وبيادقها والمؤكدة كلها وفي الوقت ذاته على ضرورة المحافظة على وحدة العراق،وجميعها من المؤيدات التي لا يمكن دحضها، كما يظهر فيها جليا مدى تشرب ثوار العراق لمواقف البعث وقراءاته.

وإننا لا نذيع سرّا إن ذكّرنا بما تذيعه وسائل الإعلام العراقية المملوكة أغلبها من طرف إيران وعملائها، حيث تضيق الحوارات المباشرة مع العراقيين شيوخا وشبابا ومراهقين وأطفالا رجالا ونساء بالإشادة بحزب البعث وبثباته ناهيك عن الحنين لعهد النظام الوطني بقيادة الحزب بل وبتمنيهم لعودة البعث للحكم في العراق حيث يسود الأمن والأمان ويختفي سرطان الطائفية ويندثر شبح العرقية والإثنية وغيرها من الأدران والألغام التي زرعها الغزو ورعاها الاحتلال الإيراني البغيض.

وفي إطار ما يقوله البعث، وحيث أكدنا على أن رهان البعث على الجماهير ثابت لا يتغير، وحيث أكدنا على أن موقف البعث والقاضي بأن تحرير العراق قضية العرب المركزية الأولى اليوم، وبأن إجهاض مخططات الغزو ومعه مخططات الفرس وقَبْر الطائفية لا تتحقق كلها إلا إذا ما تحققت في العراق أولا، وعطفا على ثورة العراق، فإننا نسجل أن انتفاضة جماهير شعبنا العربي في لبنان تتنزل في الإطار ذاته.

فانتفاضة لبنان وإن تسربلت بادئ الأمر ببعض المطالب الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، فإنها سرعان ما تحولت إلى رفض شعبي مطلق للمحاصصة الطائفية التي خنقت لبنان طويلا وأثخنت فيه الجراح.

وإنه لمن البداهة بمكان أن نسجل وبكل يقين مدى تأثر المنتفضين في لبنان بثوار العراق سيما في مطالبهم المصرة على تغيير النظام السياسي وعلى رفض الطائفية هوية بديلا عن الانتماء الوطني والقومي وعن المواطنة في بلد الأرز، وفي المقابل فإنه لا ينكر العلاقة والتزامن بين ثورة العراق وانتفاضة لبنان إلا مناوئ أو حاقد أو عميل.

وإنه ما من استنقاص من وعي جماهير شعبنا العربي في لبنان كما أنه ما من غبن في شيء لانتفاضته المباركة حين نقول بالترابط وبالتأثر بثورة العراق.

فلبنان قد ضاق ذرعا بجور الطائفيين وبتدخلاتهم السافرة في شؤونهم، وتاق شعبه لمعاودة معانقة الحياة صافية رقراقة لا حقد من مسيحي على مسلم، ولا خوف لدى سني من شيعي، كما حن شعبه لتوحيد الرايات وسئم وضجر من تكديس الأسلحة لدى شيوخ الفتن والمذاهب والعارات، وهو في كل ذلك يتطلع لسلطة الدولة التي يأتمن مؤسساتها القانونية والدستورية لتسيير المرفق العام بالعدل وبلا أهواء مذهبية ولا ولاءات طائفية.

وإن الجميع يعلم تعاظم سطوة ميليشيا حزب الله الإرهابية الطائفية الدائنة بالولاء لإيران، وإن الكل يعلم أنه لم يمرغ غرور شيوخها المعممين المجرمين إلا شعارات اللبنانيين الرافضين لاستمرار الوضع على ما هو عليه، وإنه أيضا ما من مجال لإنكار أن سحب البساط وهالة القدسية على المرجعية الدينية في العراق كما أسلفنا، هو الذي شجع الللبنانيين الأصلاء على تحدي جبروت حزب الله.

نعم .. لتكن البداية بالعراق .. وليكن العراق قضية العرب المركزية الأولى اليوم ..

لقد صدح البعث بالصوت العالي أن كل ادعاء وعزم وفعل وتحرك عربي لإيقاف العربدة الإيرانية والصلف الفارسي، وأن كل سعي لإنهاء سرطان الطائفية الذي تغذي خلاياه منظومة ولاية الفقيه، إنما سيكون رهين الفشل الذريع ما لم يتوجه رأسا صوب العراق.

ففي العراق تتمدد الأفعى الفارسية، ومن سيطرتها واستحواذها عليه تتقوى، وعليه فإن تقطيع أوصالها يقتضي وجوبا تقطيعها في العراق.

ولقد وضح البعث في كل المناسبات، سيما في بيانات القيادة القومية وخطابات قائد الحزب وأمينه العام الرفيق القائد شيخ المجاهدين عزة إبراهيم وكذلك في إطلالاته وحواراته الصحفية، أن قطع دابر إيران يمر رأسا بالعراق ولا يكون ذلك إلا بأمرين اثنين لا ثالث لهما، وأولهما إلغاء الاعتراف باعملية السياسية الجاسوسية المخابراتية التي نشأت من رحم الغزو وقطع العلاقات كافة مع حكومة الجواسيس والعملاء فيما يسمى بالمنطقة الخضراء داخل بغداد المحتلة، وثانيهما التوجه لقيادة المقاومة العراقية الباسلة بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي وجيش العراق الباسل ومدها بمختلف وسائل الدعم لما للعراق وجيشه وشعبه وحزبه من تقاليد في تركيع الفرس وتلقينهم أقسى الدروس وإلحاق أنكر الهزائم بهم.

وليعلم العرب أنه لا مجال لجدية الحديث عن مظلمتي فلسطين والأحواز العربية، ولا مجال للحديث عن الحروب الطاحنة بسورية وليبيا واليمن والأزمات العاصفة في بقية الأقطار العربية من خارج الانطلاق الآن الآن وليس غدا في استرجاع العراق العربي الواحد الموحد.

فهل ينصت العرب الرسميون بشقيهم الحاكم والنخبوي لصوت البعث صوت الحكمة والعقل وضمير الأمة والثورة، كما أنصتت الجماهير؟

ألا أيها العرب اسمعوا وعوا ..
فإذا قال البعث فصدقوه، إن القول ما قاله البعث !!





الاثنين ٢٠ ربيع الاول ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / تشرين الثاني / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة