شبكة ذي قار
عـاجـل










بين الحين والآخر، وخاصة عندما تنفجر براكين الغضب العراقي لتواجه الاحتلال وممارسات أزلامه الإجرامية وسقوط العملية السياسية في مزيد من التيه والإفلاس والفشل، وعبر ما تضخه من مزيد ظلام في نهارات العراق، وظلم وفقر وتجويع وتجهيل للعراقيين، واستهتار بوحدة الوطن واستقلاله، وانغماس في برك الدم، والاتجاه بالشعب إلى المزيد من الضياع وتوسيع دوائر البطالة وتهميش المخرجات العلمية والأكاديمية، والافصاح الكامل عن التبعية الذليلة الجامعة للاحتلال الإيراني المجرم، ينبري البعض وتحت مسميات رنانة للإعلان عن برامج إنقاذ وطنية، أو تشكيل مجالس استشارية، أقل ما يقال عنها أنها تشكيلات فوقية متعالية على شعبنا وغارقة في تصور واهم هو الاعتقاد بأن الفبركة اللغوية والصناعة التمثيلية للعبارات البراقة والمزوقة كفيلة بالنفاذ إلى حيث يريد مصممو هذه التشكيلات من أعراض يتصدرها دورانهم في فلك الغزو ومنتجاته الإجرامية الكارثية.

إن من يدين العملية السياسية ويخطئها من دون أن يدين الغزو والاحتلال لا يمكن أن يكون وطنياً صادقاً ولا خالص النية لله وللشعب، فاللغة المحابية والملتوية التي تتجنب إدانة الغزو وتجريمه لا يمكن أن يركن إليها، ولا يمكن الثقة بمن يطلقونها ويستخدمونها كقارب للعبور إلى أهدافهم التي لا تنأى عن المنافع الشخصية والحزبية.

إن القفز إلى النتيجة دون الوقوف ملياً عند مسبباتها وجوهر وقوعها هو ممارسة ميكافيلية مفضوحة، وتختل تنقص أصحابه الشجاعة والفراسة والحكمة في آن معاً، ولا يليق بأصحاب الأهداف الوطنية الحقيقيين.

فاعتبار العملية السياسية كبديل عمَّا يسمونه الدكتاتورية هو تحايل مفضوح ولعب مكشوف ليس باللغة كوسيلة للخداع فقط، بل هو انخراط سافر في تأييد الغزو، ومن يؤيد الغزو لا يمكن أن يكون بديلاً الآن لمن أيدوه قبل وبعد ٢٠٠٣، الغزو والاحتلال لم يقع لإزالة دكتاتورية كما يفخخ البعض بياناتهم ومشاريعهم الورقية، ومن يقدمون هكذا طروحات هم مخادعون في أبسط وصف، ولا يصلحون أن يكونوا بديلاً لمجرمي العملية السياسية، إلا إذا ظنوا أن بديل المجذومين هم المصابون بالطاعون والعياذ بالله.

إن من يرى في الغزو والاحتلال وسيلة مشروعة لإزالة ما يسمونه بالدكتاتورية هم سياسيون تحكمهم أمراض نقص المناعة الوطنية، وضعف البصر الوطني، ولا يختلفون بشيء عمَّن حملتهم آلة الغزو عام ٢٠٠٣ فدمروا البلاد والعباد.

الأمر الآخر المهم جداً الذي يقع فيه هؤلاء الباحثون عن فرصة الانخراط في العملية السياسية عن طريق نقدها بلغة ترفة ناعمة، هو أنهم لا يعودون إلى جذرها الإجرامي، فالعملية السياسية لم تصمم قط لإنتاج نظام ديمقراطي لكي يتباكى هؤلاء على انحرافها عن الديمقراطية، ولم تصمم أصلاً لبناء دولة، بل صممت لذبح الدولة، دون أن تضع مساراً واحداً سليماً لبناء أو تأسيس البدائل السليمة، فالاحتلال لم يسجل في كل تاريخ البشرية سابقة بناء ونماء واستقرار، ولم يسجل تاريخ البشرية احتلالاً له أهداف نبيلة لا مادية ولا إنسانية تخدم البلد المحتل وشعبه.

وإنه العجب العجاب أن نقرأ مشاريع استشارية أو إنقاذية يتبجح أصحابها بلغة عجيبة غريبة تحكي عن ( مرحلة انتقالية ) ، ويتباكون عن عدم حصول هكذا مرحلة بصيغ مناسبة وبوقائع سليمة!!!

وعجبنا هنا منبعه وأساسه هو أن الاحتلال لا تلحقه أو تتبعه مرحلة انتقالية لأنه لم يصمم ( وهذا ما ثبت في الحالة العراقية قطعاً ) لإنتاج دولة بديلة، ولم يقدم أصلاً لهذا الغرض، فالغزو والاحتلال له تعريف واحد، هو عمل عدواني إجرامي، وأهدافه عدوانية وخسيسة، وخططه لها مسار واحد هو نهب خيرات البلاد، وفرض برامج وأجندات عليها تتناقض مع الهوية الوطنية والقومية، وتسليط الفاشلين والرعاع والمقامرين والمرتزقة.

ونحن هنا نتحدى أي شخص أو جمعية أو حزب أن يقدم دليلاً أو برهاناً أو اثباتاً واحداً لغزو واحتلال حصل لتحقيق أهداف شعب وأمة.

وعلى ذلك : فإن من يفسرون تداعيات الاحتلال والفشل بأي إجراء سليم قط على أنه حاصل بسبب عدم الولوج في (( مرحلة انتقالية )) صحيحة التكوين والأداء، هم عملاء شاءوا أو أبوا، قصدوا العمالة والخيانة أو لم يقصدوها، إنهم لا يرون قبح الغزو بل يرون ( هنات ) ما أنتجه، ولا يجرمون تلك الهنات والخطايا والعثرات بل يطرحون أنفسهم ليكونوا بدلاء عمن مرت على انخراطهم بواجبات الاحتلال ستة عشر سنة كاملة، في محاولة عبثية لإنقاذ العملية السياسية تحت يافطة صناعة مرحلة وسطية انتقالية.

في المنظومات العلمية وتصاميم الاصطناع المختلفة تكون الحالة الانتقالية هي مرحلة ذات طاقة إيجابية أعلى من مواد الابتداء الأولية، وتؤدي عادة إلى إنتاج مواد جديدة، ولا يمكن الوصول إليها إلا أن تكون مصممة بيد علماء الوطن وخبرائه، وليس بحوافر خيول الغزاة وحرابهم وسهامهم، وبواسطة مطايا بشرية أعدت لحمل الغث والسمين والجريمة.

إن الحل الوحيد لمحنة العراق هو بثورة شعبية شاملة، كالتي يقوم بها شبابه الآن، وهم وحدهم فرسان الساحة من يعرفون ما قد وقع، وما يجب أن يكون، وما يجب أن يقع، وإلا فلا إنقاذ ولا استشارة وقد لدغ شعبنا بما يكفي، وما عاد مستعداً لأي لدغ آخر مضاف.

وما دام أصحاب الطروحات الورقية والفذلكة الكلامية يرون أن الدكتاتورية لا تُزاح إلا بالغزو، فهم نفس الأشخاص الذين سجلوا كل الموبقات والجرائم والفجور منذ ٢٠٠٣ وحتى الآن، ولا فرق بينهم إلا بالأسماء فقط.





الاثنين ٢٠ ربيع الاول ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / تشرين الثاني / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة