شبكة ذي قار
عـاجـل










على مدى يومين بلياليهما وما يزيد، عاش لبنان ببشره وحجره وشجره تحت وطأة لهيب انطلق من جبله ليمتد إلى شماله وتخوم جنوبه مخلفاًَ أضراراً جسيمة في الممتلكات الخاصة والثروة الحرجية وإصابات طالت الذين ساهموا في الإنقاذ وإطفاء الحرائق وكان أكثرها ألماً أن قضى أحد أبناء بتاتر ضحية لهذا اللهيب.

هذا الحريق الذي كان أكثر اتساعاً واستعاراً، من حرائق سابقة، كشف عن حقائق جديدة عن مستوى الفساد السياسي والإداري الذي يتغلغل بكل مفاصل إدارات الدولة.

إن هذه الحقائق هي على مستوى الفضائح المدوية خاصة بعدما تبين أن طوافات الإطفاء لا تعمل بسبب عدم صيانتها منذ أكثر من أربع سنوات ومع هذه الاثباتات الدامغة على التقصير فإن اللبنانيين لم يكونوا بحاجة إلى أدلة جديدة لتميط اللثام عن مستوى الفساد الذي بلغ مستوى غير مسبوق من خلال النهب الشره للمالية العامة والذي يتوزع كل من يشارك في السلطة حصصاً من المدخرات التي تجبى من ذوي الدخل المحدود بالملاليم وتسرب إلى جيوب النافذين والمستفدين بالملايين والاحتساب طبعاً بالدولار.

أن تحدث حرائق وتتعرض البلاد لكوارث مختلفة فهذا أمر طبيعي، وهذا يحصل في كل بلاد العالم، لكن أن تقف الدولة عاجزة ولا تقوى على محاصرة حريق كان محدوداً في بداياته، فهذه هي الطامة الكبرى.

إن المنظومة السلطوية تهدر الملايين والمليارات في أبواب أنفاق عبر صفقات مشبوهة ولا محاسبة ولا مساءلة او مراقبة ومن يراقب من؟ هل يراقب السارق سارقاً أخراً ؟ أنهم إذا اختلفوا، إنما يختلفون على تقاسم الحصص وأن اتفقوا فإنما يتفقون على حساب الشعب وعندما تصل الميزانية الى مستوى عجز ينذر بتداعيات خطيرة على الاقتصاد الوطني.تذهب السلطة الى االاقتراض، والى التفتيش في جيوب ذوي الدخل المحدود.

إن حكماً لا يوفر الإمكانات لجهاز يتولى إطفاء الحرائق ولا يضع خططاً واستراتيجية لمواجهة الكوارث والسيطرة على نتائجها هو الكارثة بذاتها.

من هنا، فإن من أحرق لبنان مؤخراً، ليس عملاً فردياً قد يكون مقصوداً او غير ، ولا تعرف إنسان طائش او بسبب عارض طبيعي، بل من أحرق لبنان هو الفساد الذي بات سمة أساسية من سمات النظام اللبناني. وعليه أن لبنان أحرقه ويستمر في إحراقه الفساد الذي ينخر في كل مفاصل الإدارة، ولا سبيل لمواجهة هذه الأزمة ومثيلاتها إلا بإسقاط هذه السلطة الفاسدة التي تحكمها قواعد المحاصصة الطائفية ولم توفر المصائب التي تحل باللبنانيين وأخرها الحريق الكبير من إسقاطاتها.

وإذا كانت مواجهة هذه الكارثة كشفت عجز الدولة فالرد لا يكون بتقاذف المسؤولية، بل بتحميل المسؤولية إلى كل الذين أوصلوا لبنان إلى هذا المستوى الخطير من الانحدار بسبب سياسة النهب المنظم الذي يمارسه أركان السلطة على مقدرات البلاد والعباد.

فليرتفع الصوت المدوي لمحاسبة االمقصرين بحسن نية أو بسوئها، وليحاكم من يتحمل المسؤولية عن هذه الكارثة الوطنية كما غيرها، وبغير ذلك لا يمكن ردع المتمادين في سرقة أموال الشعب والتفرج على مصائبه ونوائبه.ألم يحن الأوان للمحاسبة والمساءلة؟ لقد حان الوقت وإن كان متأخراً.





الجمعة ١٩ صفر ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / تشرين الاول / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كلمة المحرر الاسبوعي / طليعة لبنان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة