شبكة ذي قار
عـاجـل










واصلت جماهير شعبنا العربي في السودان المضي قدما بهبتهم الثورية العملاقة التي فجرها السودانيون بوجه النظام الرجعي المتخلف الإخواني الذي جثم على صدورهم لعقود طويلة شديدة السواد منذ أشهر، واستمرت المٌرَاكَمَة الثورية متصاعدة لحد إجبار العسكر على إمضاء الوثيقة الدستورية رسميا وهي التي تقضي بوجوب المرور بعد الفترة الانتقالية المشتركة بين العسكر والمدنيين ومدتها القصوى ثلاثة أشهر، إلى بناء الدولة المدنية بمؤسساتها وقوانينها وضوابطها التي تقطع مع فترة الاستبداد والطغيان بكل ما فيها من جهة، ولتضع حدا للظلم والحيف والقهر الاقتصادي الذي قصم ظهر السودانيين طويلا وحال دون تحقيق الجماهير في السودان لأحلامهم وتطلعاتهم لحياة لائقة بهم ومتوافقة مع مقدرات البلد وثرواته، من جهة أخرى.

إن ما تم التوصل إليه في السودان لحد الآن مهم جدا ويستحق الثناء والإكبار، كما انتزعت بفضله الجماهير السودانية احترام الجميع عن جدارة واستحقاق دونما منّ ولا مخاتلة، وهو تطور نوعي فارق على جميع الصّعد وبمختلف المقاييس وبالتالي هو مدعاة لتهنئة جماهير شعبنا في السودان تهنئة مخصوصة واستثنائية، ذلك أن أحداث السودان ومآل الثورة هناك لحد الآن تعتبر ولا ريب، النقطة المضيئة الوحيدة التي أشعت على الوطن العربي الجريح منذ غزو العراق واحتلاله وتدميره عام 2003.

حريّ بنا أن ننحني احتراما لنضالات شعبنا العربي في السودان المنتفض، وجدير بنا أيضا أن نثمّن عاليا الصمود الأسطوري للجماهير السودانية العزلاء التي تحدت جبروت آلة القمع الوحشية التابعة للنظام المتهالك والتي أراد عبرها ترهيب الجماهير وإجبارها على الرضوخ والاستسلام والتسليم ومن ثم الانصياع لإملاءاته وتوجهاته الخرقاء الظالمة، فدفعت مقابل تحررها من ذلك النظام الساقط والمستبد أثمانا باهضة، وعبرت عن استعدادها الخرافي لمزيد التضحيات في سبيل إحداث التغيير الجذري والشامل العميق وهو ما نضحت به الاعتصامات والإضرابات القطاعية والمهنية التي نفذها السودانيون في عموم ربوع القٌطر وبتلاحم مذهل وتصميم مبهر.

فمبارك لشعبنا العربي في السودان الثائر مجددا..
وهنيئا للسودانيين من حنايا الروح، ولكن..
لتعلم جماهير شعبنا في السودان أن مهمتهم قطعا لم تنته، بل إن أهم المراحل وأعسر الامتحانات قد بدأت الآن ..

على جماهير شعبنا في السودان أن تدرك وتستملك يقينا أن مهمة المهمات قد انطلقت اليوم، حيث لا يجب أن تركن للراحة ولا أن تقنع بما تم إنجازه على أهميته.

على السودانيين اليوم، أن يتوثبوا ويتحفزوا وأن يتسلحوا باليقظة والفطنة وأن يتحروا الدقة أكثر من أي وقت مضى. وعليهم قبل كل شيء أن يستوعبوا أن ما تحقق لغاية اللحظة ما هو إلا نصف المطلوب، وفي المقابل فإن النصف الثاني أهم وأخطر، وستقاس على مدى النجاح في الوصول إليه مصائر السودان شعبا وأرضا ومقدرات لعقود طويلة قادمة وربما لقرون أيضا، فإذا عرفت الجماهير كيف تفرض إرادتها وتبلورها فيما بعد وتنقلها إلى الواقع والميدان، فإنها ستكون قد خطت خطوات عملاقة نحو التحرر الفعلي والانعتاق الحقيقي وبالتالي التغيير الشامل الذي سينقل حياة السودانيين لضفاف أخرى غير التي فرضت عليهم قهرا، أما إذا ما تلكّأت في تحقيق المراد لا سمح الله، فإنها ستكون على موعد مع انتكاسة كبرى ولردح من الدهر طويل.

على إخوتنا وأحبتنا وأهلنا في السودان المنتفض، ألا يقنعوا البتة بما تحقق. وعليهم كذلك أن يحذروا كل الحذر من السماح لأزلام النظام وأقطابه والحاشية والبلاط وجمهور النفعيين والمتسلقين الذين تمعشوا من تسلطه طويلا بمعاودة المسك بزمام المبادرة، وليحذر السودانيون الثوار الأحرار من مغبة استنساخ المثال التونسي حيث ما إن استكانت الجماهير حتى أطلت برأسها المنظومة الديكتاتورية القديمة التي توهموا أنها رحلت للأبد، فإذا هي تنتقم منهم شر انتقام وبأساليب فظيعة حتى غدت تونس جحيما لا يطاق.

على السودانيين أن يسيروا صوب تأسيس جمهورية عٌلْوِيَّة القانون والمواطنة والعدالة الاجتماعية، وعليهم ألا يتنازلوا عن الدولة المدنية الديمقراطية بما يتناغم مع مصالح السودان حصرا لا كما تقدره الجهات الدولية المتنفذة، وعليهم أن يحكموا السيطرة على مواردهم ومقدراتهم وألا يسمحوا لكائن من كان باستغلالها والتلاعب بها، وعليهم الدفاع ببسالة عن سيادتهم الوطنية.

أيها السودانيون الأبطال، احذروا عمائم الشر، بيضاء كانت أم سوداء أم ملونة ..
إياكم والانخداع بالمخدر الديني، ولا تسمحوا لأي كان ان يخدعكم باسم الدين.

أيها السودانيون الشجعان ..
احذروا أعداء الداخل وأعداء الخارج .. واحذروا مؤامرات الأعداء وهم لديكم معلومون.
أيها السودانيون الأبطال ..

تمسكوا بطلائعكم الثورية وشدوا أزرها وادفعوها، وراقبوها، والتفوا حولها، ووجهوها إذا ما زاغت، ولا تنفكوا من حولها، فهي طوقكم للنجاة.
لا تغادروا ساحات النضال، وواصلوا السير قدما في طريق الثورة، فهو سبيل خلاصكم.

واعلموا أن الأمة، كل الأمة، تنظر إليكم بشغف، وبانبهار كبيرين وتلهج أفئدتها بالدعاء لكم بالتوفيق.

واعلموا أن عيون القارة السمراء عليكم. وثقوا أنكم إذا ما اجتزتم هذا الامتحان الأخير، فستكونون ملهمين لكل العرب والأفارقة والمسلمين وأحرار العالم، على طريق الثورة، كما كانت ثورة الجزائر طيلة القرن الماضي ملهمة الأحرار.





الثلاثاء ١٩ ذو الحجــة ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / أب / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة