شبكة ذي قار
عـاجـل










( ملاحظة : سلّط الاحتلال الأمريكي الغاشم للعراق سيف الاجتثاث على حزب البعث العربي الاشتراكي وكان أوّل قرار يضرب الدولة العراقية الحديثة إلى جانب حلّ جيشها العقائدي الباسل. ولم يكن قانون الاجتثاث محصورا على تنظيمات قيادة قطر العراق للحزب ، بل استهدف في تفاصيله وفي مراميه وفي ثناياه وفي مضمونه وفي فلسفته حزب البعث العربي الاشتراكي تنظيما قوميّا عربيّا وحدويّا تحرّريّا انبعاثيّا رساليّا إنسانيّا، بما يعني أنّه شمل فروعه وتنظيماته كافّة مؤسّسات وأفرادا وأفكارا، داخل الوطن العربيّ وفي المهجر.

وإنّ هذه الحقيقة بائنة بيّنة لا يقوى على دحضها إلاّ المنغمسون في المشروع الامبرياليّ الأمريكيّ الصّهيونيّ الفارسيّ الذي يعمل على تقويض النّسيج العربيّ وعلى إنهاء وجود الأمّة العربيّة من الأساس ).

منذ تأسيسه، اصطدم حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ بعراقيل وبحواجز أكثر من أن تحصى، وارتطم بمؤامرات ودسائس متوالدة متجدّدة متنوّعة شديدة التّعقيد، رنا أصحابها من خلالها إلى ضرب هذا الوليد اليافع في المهد، وإلى الحيلولة دون توسّعه وامتداده، فتمّت محاصرة فكره وتشويه مبادئه بالتّشكيك في جدّيتها حينا وبالتّلويح بأنّها مغرقة في المثاليّة أحيانا، كما جرى النّيل من الطّموح البعثيّ بشتّى السّبل.

وكانت محاصرة البعث سياسة امبرياليّة غربيّة صهيونيّة بامتياز، تعكّزت على المناورة واعتمدت أساليب ناعمة لئلاّ يتاح للجميع تلمّس آثارها وبالتّالي الرّدّ عليها بما يستوي.

لقد استهدفت الدّوائر الامبرياليّة الغربيّة والصّهيونيّة حزب البعث فكرا وتنظيما ومبادئ ورهانات وطموحا لِمَا استشعرته من خطورة كبرى على مصالحها متى ما تنامى هذا الحزب وتشرّبت الجماهير العربيّة أفكاره وانضوت تحت لوائه وانخرطت فيه وشاركت في مسيرته، فلقد أدركت تلك الدّوائر أنّ المشروع البعثيّ يتقاطع كلّيا ويتناقض جوهريّا مع مخطّطاتها الاستعماريّة، وتفطّنت إلى أنّه يمثّل طوق نجاة للعرب واللّبنة الأشدّ صلابة والحلقة الأهمّ على درب استعادة الأمّة العربيّة لسالف مجدها وكذلك انتزاعها مكانتها اللاّئقة بها والمتوائمة مع إمكانيّاتها وأرصدتها البشريّة والتّاريخيّة والحضاريّة والثّقافيّة والقيميّة والأخلاقيّة والرّوحيّة.

ولمّا كان الأمر كذلك، جنّدت تلك الدّوائر جهات متنوّعة داخليّة وخارجيّة إقليميّة ودوليّة لمهاجمة البعث ومنعه من العمل في ظروف طبيعيّة، ولم يكن ذلك ( أي اعتراض المسيرة البعثيّة ) مرتبطا قطّ بمدى نجاح البعث في الوصول إلى السّلطة أو المشاركة فيها في هذا القٌطر العربيّ أو ذاك، بل كان غير محدود بزمن أو بظرف ولا مقيّد بشرط.

إنّ إطلالة سريعة على تاريخ الحزب ستهدي الباحث إلى كمّ العداء الهائل الذي خٌضَّ به البعث، كما ستضع أمامه حلقات الاعتداء المباشرة وغير المباشرة بتسلسل واضح، ما يمكّنه بعد ذلك كلّه أن يفهم ويدرك أسباب انطلاق أمريكا بجيوشها وحلفائها وأذيالها ومرتزقتها واندفاعها المتهوّر في غزو العراق سنة 2003 بتلك الشّاكلة الهمجيّة وضرب حزب البعث العربي الاشتراكيّ وخاصّة سنّ قانون الاجتثاث.

ورغم ضراوة الاستهداف الذي شنّ من قبل أمريكا وحلفائها وزعانفها وأدواتها وبيادقها، ورغم الفرق الكبير في موازين القوى، ورغم التمويه والخداع الكبيرين اللذين قدّمت بهما واشنطن جريمة الغزو وهيّأت لها الرّأي العامّ الدوّلي بما تمتلكه من وسائل ترغيب وترهيب كبيرة وبما لها من إمكانيّات عملاقة أخرى، فإنّ البعث قيادة وكوادر وتنظيمات و مناضلين، كانوا على أتمّ الجهوزيّة لمقاومة هذا السّرطان المتوغّل لا لجسدهم فحسب بل والذي يهدّد بالتهام الجسد العربيّ كاملا.

ولقد كان الحديث عن الجهوزيّة البعثيّة لمقارعة العدوان الأمريكيّ الغاشم قبل سنوات يثير استغراب السّواد الأعظم من المتابعين وحتّى سخريّتهم، ولكن ها أنّ الأيّام والأحداث تثبّتها ( تلك الجهوزيّة ) حقيقة عصيّة عن التّشكيك وكذلك بعيدة بأميال كثيرة عن المزايدات المغرضة المكشوفة ومعلومة الدّوافع والغايات.

وكما تحدّى البعث جبروت الغزو والعدوان الظالم منذ اليوم الأوّل للاحتلال وواجههما ببسالة فريدة وباعتراف عتاة الغزاة ورؤوس الشّرّ، فإنّه صمد بوجه الاجتثاث بنفس تلك البسالة وبثبات منقطع النّظير يدفعه في ذلك مخزون الإيمان الواسع بالله وبعدالته وبقدرته على نصرة المظلومين والمؤمنين المدافعين عن حقوقهم وحرماتهم وعن حياضهم وعن راية العروبة والإسلام، ليظهر فيما بعد بالملموس أنّه أقوى من الاجتثاث وأبقى من الجميع رغم المحن والأهوال.

وواصل مناضلو البعث الأشاوس ورجالته الشّجعان وفرسانه الغرّ الميامين مسيرة جهادهم ومشوار كفاحهم الطّويل، ولم يتزحزحوا عن الحق العربيّ قيد أنملة، ولم تغرّهم مغريات الدّنيا الزّائفة، ولم يثنهم زوال منافع السّلطة ومآثر التّمكين عن مزيد التّضحية في سبيل إعلاء رايتي العروبة والإسلام، كما لم تَفٌتَّ في إرادتهم الفوارق الخياليّة بينهم وبين أعدائهم ولم تفلّ عزائمهم إدارة العالم بأسره بظهره لهم، ولم يزدهم خذلان المتخاذلين وخيانة الأقربين إلاّ إصرارا على الفداء والنّضال والبقاء على العهد والقسم لحين تحقيق النّصر المؤزّر بإذن الله وإن غلت التّضحيات أو طال المشوار.

وبالفعل تقدّم رجال البعث وحرائره مسيرة الدّفاع عن العراق باعتباره خطّ النّار الأوّل في المواجهة مع أعداء العروبة، وكانت قيادة البعث بريادة الرّفيق القائد شهيد الحجّ الأكبر صدّام حسين ثم رفيق دربه القائد شيخ المجاهدين عزّة إبراهيم تصل اللّيل بالنّهار وتستخرج من معين تجربتها الاستثنائيّة سياسيّا ونضاليّا وكفاحيّا وجهاديّا لتغني تجربة البقاء والمقاومة والصّمود والتّحدّي بوجه أشر الهجمات التي عرفها التّاريخ البشريّ وأكثرها ضراوة وظلما وظلاميّة على الإطلاق.

تقدّم البعث بمناضليه شامخا أصيلا، مؤمنا، مقبلا غير مدبر، هيّابا، مهابا، مقداما جسورا، فناطح أعتى الجيوش العالميّة وقارع أشدّ المؤامرات وأكثرها حِبْكَةً، وقدّم على درب المواجهة الكبرى والمنازلة المفتوحة العظمى أغلى التّضحيات وأبهض الأثمان، وتدافع أحرار البعث وأبناؤه وتزاحموا على مذبح حريّة العراق ووحدته وعروبته فارتقى منهم عشرات الآلاف شهداء خالدين أغنوا رصيد حزبهم ووطنهم وأمّتهم ورسالتها الخالدة بدمائهم الزّكيّة الطّاهرة ليعلنوها بمنتهى الثّقة والإيمان أنّ الاجتثاث لا وزن له ولا قيمة فيمن ترّبت أنفسهم على قيم العروبة والإسلام الحقّة بعيدا عن مغالطات السّفهاء وأكاذيب الأعداء وترّهات المتساقطين وعبثيّة الخونة وسلبيّتهم وانهزاميّة المتسّكعين على هوامش النّسيان اللاّهثين على فتات هنا أو هناك وبعض مغانم زائلة مهما كان مصدرها.

وها هو البعث لليوم يمثّل حجر الزّاوية في مشروع المقاومة، المقاومة العربيّة الجذريّة الشّاملة لجميع المخطّطات التّصفويّة للأمّة العربيّة وللإسلام التي طبخت في أقبية أكبر المخابرات العالميّة، وها هو حزب البعث في العراق يقود ملحمة التّحرير الكبرى، والتي وإن تٌوّجت بالنّصر الظّافر بإذن الله، فإنّ قطافها سيعود للأمّة العربيّة جمعاء. وها هو البعث يستبسل كدأبه دوما وكما عوّد العرب طيلة حياته، ويتحدّى الأخطار والأعداء مجتمعين، ويواصل عطاءه الثّرّ المبهر دفاعا عن كرامة العراق ووحدته وعروبته وسيادته وحريّة شعبه العظيم، وها هو يتحدّى الاحتلال المزودج للعراق: الأمريكي الإيرانيّ الصّفويّ، وها هو يجهض المخطّطات الطّائفيّة ويكشفها بل ويستبقها ويرصّ الصّفوف لمحاربتها ولتوقّي أخطارها، كما يصارع البعث بأصالة فارقة مخطّطات التّغيير الدّيموغرافيّ في العراق ويعرقل مساراتها، كما يقبر المخطّط الأكبر وهو المتفرّع عن اجتثاث البعث ألا وهو اجتثاث العروبة من الأساس، وهو ما تحدّث عنه بإسهاب وأفاض في تشريحه رأس البعث وقائده الرّفيق القائد شيخ المجاهدين عزّة إبراهيم في خطاباته بمناسبة ذكرى تأسيس الحزب وفي حواراته الصحفيّة وفي رسائله سواء للكادر الحزبيّ أو لشخصيّات وطنيّة وقوميّة وعالميّة.

وإنّ صمود البعث وشموخه بوجه الاجتثاث لا يتوقّف عند فرع الحزب في العراق ( ولو كان توقّفه عليه في حدّ ذاته فخر ليس كمثله فخر نظرا لحجم الأداء والمكابدة النّضاليّة والجهاديّة )، حيث تبلي فروع الحزب في بقيّة الأقطار بلاء حسنا في التحامها بجماهيرها من جهة وفي دفاعها أيضا على المصلحة القوميّة العربيّة العليا، ويكفي أن نشير أو أن نضرب مثلي فرع الحزب في السّودان وفي الجزائر، لنفهم أنّ الاجتثاث وكما قدّمنا لمقالنا المتواضع هذا، لم يعدّ إلاّ لضرب المشروع القوميّ التّحرّريّ الحضاريّ والرّساليّ لحزب البعث، ولنلامس أيضا أنّ الاجتثاث ذاته لم يقعد فرسان البعث ولم ينل من عزيمتهم خارج العراق أيضا.

ففرع الحزب في السّودان، راد وتقدّم ولا يزال يتقدّم مسيرة ثورة شعبنا في السّودان وقدّم تضحيات كبيرة حاول أعداء البعث والعروبة التّغطية والتّعتيم عليها طويلا، إلى أن انفلت عقال التّعتيم ذاك، لتتكشّف حقيقة الملاحم البعثيّة في السّودان الثّائر، وليطّلع العرب على عشرا الشّهداء وأضعافهم من المعتقلين البعثيّين في أقبية معتقلات النّظام السّودانيّ، وليحدّث أداء الرّفيق المناضل علي الرّيح السّنهوريّ الأمين العامّ المساعد لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ وثباته في السّجون السّودانيّة لما يقارب التّسعين يوما رغم تقدّمه في السّنّ وظروفه الصّحيّة، عن مدى تجذّر طابع التّحدّي والاستعداد للتّضحية في العقول البعثيّة قيادات ومناضليه في كلّ الأزمنة وفي كلّ الظّروف.

وفي الجزائر، يبلي الرّفاق البعثيّون بلاء حسنا بدورهم، ويتصدّرون ركب الدّفاع عن عروبة بلد المليون ونصف المليون شهيد، ويعرّون المخطّطات الفرنكفونيّة ويفضحون النّعرات الشّعوبيّة الانفصاليّة التي تخدم أجندا الاستعمار وزبانيته. هذا ويتوجّب التّنويه ههنا إلى أنّ نضال البعث في الجزائر لم يخب ولم ينقطع رغم إفراد السّلطات الجزائريّة حركة البعث – الجزائر بالإقصاء والحرمان من العمل السّياسيّ الرّسميّ والعلنيّ، حيث ظلّت تقريبا التّنظيم الوحيد الممنوع من التّأشيرة القانونيّة منذ سنوات.

وفي الحقيقة، فإنّ أداء بقيّة فروع الحزب في بقيّة الأقطار لا يختلف ولا يتأخّر ولا يشذّ عن هذا التّحدّي الشّجاع للاجتثاث، إذ يتحمّل البعث في اليمن وتونس والأردن ولبنان وموريتانيا مسؤوليّاته التّاريخيّة ويدافع عن حقوق الجماهير وعن عروبة تلك الأقطار رغم تشعّبات تلك السّاحات.

لقد سنّ اجتثاث البعث كمقدّمة لاجتثاث العروبة، ولكن عضّ البعث على جمر المبادئ بالنّواجذ، حتّى يبقى وتبقى العروبة الخالدة التي قدّر البعث كما قدّر لها الله أنّ روحها الإسلام.

فبقي البعث، بفضل قفز رجالاته فوق الاجتثاث والمجتثّين وأدواتهم، ولم يقعدهم حظر ولا ملاحقة على نحت معالم عزّة الأمّة وتسطير خطوط نهضتها من بين هذا الرّكام الذي يفزع النّاظرين، ولكنّه لا ينال من إيمان رجال البعث.





السبت ٢ ذو الحجــة ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / أب / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمّامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة