شبكة ذي قار
عـاجـل










لنتفق أولا وقبل كل شيء على أن من بين أهم البديهيات التي لم تعد تحتاج لبرهنة أو استدلال هي أن غزو العراق وتدميره وتخريبه بتلك الوحشية وبذلك الشكل الهمجي غير المسبوق في تاريخ البشرية كله لم يكن عبثيا ولا محض صدفة أو سليل نزوة إدارة أمريكية متغطرسة، كما أنه لم يكن مطلقا وليد تلك الخرافات والحجج الواهية التي سوقها المجرم بوش الصغير وزبانيته، بل إنه كان مخططا محكما ومدروسا بعناية فائقة، والأهم فيه من كل ذلك أنه لم يكن محصورا في العراق ولا عليه أبدا، ذلك أن بغداد كانت الهدف الأول في حزمة من الأهداف تشكل بتجميعها هدفا أبعد وأشمل وأشد دسامة هو الأمة العربية أرضا وإنسانا وتاريخا وحضارات وثقافة ورصيدا فكريا وأخلاقيا وروحيا.

وهنا يحق للسائل أن يتساءل: لماذا تم الاختيار على وجوب الانطلاق في المشروع الامبريالي الأمريكي من العراق دون غيره؟

ورغم أن هذا السؤال وجيه ومنطقي وخطير جدا، إلا أن الإجابة عليه يسيرة بسيطة لا تحتاج عناء ولا جهدا ولا طول تفكير إلا لمن ارتضى لنفسه أن يظل أسير الروايات السمجة والادعاءات المقرفة التي لطالما روجها أركان الغزو وأرباب مشروع الأحادية القطبية والعصر أو القرن الأمريكي. حيث أن البدء بالعراق كان أمرا مفروغا منه ذلك أنه - أي العراق- كان لبنة محورية ومفصلية وحيوية بشكل منقطع النظير في المعادلة القومية العربية بالنظر لثقله الحضاري والتاريخي والإنساني ولموقعه الاستراتيجي وأيضا لتوجهات نظامه الوطني بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي وسياساته وعقيدته القومية المبنية على تغليب المصلحة العربية الاستراتيجية العليا عما سواها في كل الظروف، كما أن تهرئة النظام الرسمي العربي قد نجحت بشكل كبير خاصة بعد اتفاقية السلام المهينة التي أمضاها السادات وأخرجت مصر بثقلها وزخمها من معادلة الصراع وهي أهم أقطار الطوق وما إلا ذلك من انتكاسات عربية متواترة جعلت من العراق بقيادة حزب البعث آخر قلاع العروبة ورافع لوائها الوحيد.

وفي الواقع، فإن نظام العراق الوطني هو نظام ثورة 17- 30  تموز - جويلية - 1968، وعليه فإن العدوان الأمريكي البربري على العراق كان استهدافا مباشرا لتلك الثورة المجيدة. وبشكل أدق، كان الغزو سنة 2003 تتويجا أو إنهاء وحسما لسلسلة من الاعتداءات المخاتلة والصريحة، بالوكالة أو المباشرة، وهي السلسلة التي افتتحها المجرم الطائفي الخميني ونظام ولاية الفقيه مطلع الثمانينات من القرن العشرين.

وبدون إطالة، وبعيدا عن التكرار والإعادة، فلقد كانت ثورة تموز مصدر صداع دائم للمنظومتين العالميتين الإمبريالية والصهيونية وأدواتهما الإقليمية، حيث كانت توذن بتوجهاتها وبما انبنت وسارت عليه فيما بعد بكونها لا تسعى ولا تكتفي في مضمار النهضة التي أرادتها وأقرتها شاملة ونوعية للإنسان وللأرض بالعراق فقط، وإنما كان هدفها الأغلى والأسمى هو الوطن العربي كاملا، بل إنها ونظرا لصبغتها الإنسانية، كانت تتوق لما أبعد من الوطن العربي، لتشع بأنوارها على الإنسان في المطلق.

فثورة تموز قامت أساسا من أجل تحقيق دعائم العزة والمناعة للمواطن العربي بما يتوجبه ذلك من نهضة شاملة فكريا وثقافيا وعمرانيا واقتصاديا وزراعيا وعسكريا وعلميا وغير ذلك، وقامت أيضا وبشكل صريح من أجل تحرير الأرض كل الأرض العربية وبسط سيادة العرب على ثرواتهم ومقدراتهم، لتصل في النهاية لتكريس السطوة والشوكة العربية، ولتعلي قيم العروبة الخالدة الرافضة للظلم وللتسلط والجبروت والطغيان والكافرة بكل أوجه الوصاية والاستعباد والاستعمار.
ولقد كانت ثورة تموز ثورة عملاقة منذ بداياتها، وفي أسسها وفي توجهاتها، وكذلك في غاياتها، وآثرت السير عكس تيار الخنوع والاستسلام والعجز والقنوط، وفرضت على نفسها ألا تنصاع للإملاءات الخارجية مهما كان مأتها، وكابدت وتحدت جميع الصعاب وركبت المحاذير كافة، وبنت بساعد وقاتلت بالساعد الآخر فقط انضباطا واستملاكا للمقررات الثورية القومية العربية، وحاربت وحرضت على محاربة الأعداء والأخطار والمؤامرات بلا مفاضلة ودونما تسويف أو تراخي أو مماطلة.

واتخذت الثورة طابعا ثوريا واختارت نسقا تصاعديا في فعلها وفي عزمها، واحتضنت كل العرب، وتجاوزت كل المثبطات والعراقيل، وتعالت عن الصغائر في سبيل الوصول للهدف الكبير وهو وحدة العرب وحريتهم وبسط نفوذهم على مجالهم الحيوي وإقامة المجتمع العربي الحر الاشتراكي العادل.

كانت ثورة تموز حلما عربيا بامتياز، تأخر فريق من العرب عن إدراك كنهه، واستهتر به قسم آخر، فيما خذله جمهور واسع سيما في شقه الرسمي وشبه الرسمي..
فأجهز العرب على حلم العرب، إذ لم يحتضنوا ثورة تموز وثواره، بل تآمروا عليهم ولا يزالون لليوم..
فمتى يحتضن الحالمون حلمهم، ومتى يهتدون لمن يقدرونه على تحويله لحقيقة يعيشها العرب؟





الاثنين ٢٠ ذو القعــدة ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / تمــوز / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة